بداية، أرجو الاعتذار من كل الجزائريين، وأنا واحد منهم، الذين استهدفوا في شرفهم وتاريخهم، من زبانية الاعلام المصري، الذين سمحوا لكل السفهاء والجهلاء بشتم ذاكرتنا وشهدائنا، أما لماذا الاعتذار، فلأني أحب مصر التي في قلبي، ولأني لا أنوي التنازل عن عروبتي، مهما اشتدت الحملة الظالمة على بلادي ومهما تنكر الآخرون لعروبتهم، على طريقة الوزير المصري للاعلام الذي قال "بلاش عروبة، بلاش زفت"! أعتذر إلى الشعب الجزائري، وهو المسامح الكريم، لأني لا أملك القدرة على رفض ذلك الطلب، من الإخوة حتى إن كان يحمل نبرة الأمر، وهو يدعونا إلى أن نعتذر، وكيف لا يكون منا ذلك ومصر الشقيقة تؤكد على لسان مسؤوليها أنها لا ولن تعيد سفيرها إلا بعد اعتذار الجزائر والتعويض عن الخسائر! وقلت بيني وبين نفسي، بما أننا حريصون على أواصر الأخوة بين الجزائر ومصر، وبما أننا نأبى أن نفرط أو نتنازل عن عروبتنا، لماذا لا نعتذر، وإن اقتضى الأمر أن نقيم جسرا جويا بين الجزائر والقاهرة ونحتشد هناك بالملايين، مهللين وطالبين الاعتذار من الأشقاء الذين أخطأنا في حقهم و تقتضي صلة القربى أن يمنحونا صك الغفران. وازددت اقتناعا بضرورة طلب العفو، وأنا أسمع وأقرأ لذلك الحشد الكبير من الكتاب والفنانين الذين تفتقت قرائحهم عن حملات الشتائم والإساءة المتعمدة ضد الشعب الجزائري، وسألتني نفسي: كيف للكبار، بعلمهم وثقافتهم، أن يقبلوا بهذا السقوط الكبير؟.. ووجدتني أكثر إيمانا بالاعتذار، فقد تكون فيه بعض الفوائد لأولئك الذين في سبيل البحث عن المغانم سقطت عنهم كل الأقنعة وباؤوا بالخسران• كيف لا نبادر بالاعتذار، ونحن مجرد "إخوة صغار" -هكذا قالوا- بل يتوجب علينا أن نعتذر، خاصة وأن " مصر هي الواحد الصحيح الذي جعل للأصفار بجواره قيمة واحتراما••" - هكذا كتب أحدهم- وما الأصفار إلا نحن وبقية العرب أجمعين! إنها مصر "الشقيقة الكبرى" هي "أم الدنيا"، هي التي تقول لنا - على طريقة لويس الرابع عشر- "أنا العرب والعرب أنا••"، لذلك ينبغي أن نعتذر لها طوعا، في انتظار أن يجلب لنا ذلك الاعتذار ولو بعض القيمة وشيئا من الاحترام• يجب علينا أن نعتذر، ما دمنا مجرد برابرة وإرهابيين وبلطجية، وما دام شهداؤنا ليسوا أكثر من "مليون جزمة" أو " مليون لقيط"، ومادامت بلادنا لا تساوي شيئا لا في الجغرافيا ولا في التاريخ• وكان يجب أن أعتذر، لأن حق الأخوة يقتضي أن نمد يد العون إلى الأشقاء وأن نساعدهم في الخروج من الورطة التي أوقعوا أنفسهم فيها، لقد حولوا الجزائر إلى عدو يرفضون التطبيع معه، ولم يقدموا دليلا واحدا يحمل درجة اليقين على "المذبحة" التي يدعون أنها وقعت في الخرطوم. أعتذر لكي تتمكن مصر من الخروج من المأزق الذي وجدت نفسها فيه، بعد أن انساقت، بإعلامها وكتابها وفنانيها ومسؤوليها الكبار، في حملة التشويه والتطاول على الجزائر، وبعد أن أوهمت الشعب المصري بأنها قد خاضت معركة الشرف وحققت الانتصار المبين• ألا تستحق منا مصر التي نحب أن نعتذر•• ها أنا نزولا عند الرغبة الملحة لإخواننا في المحروسة: أعتذر عن الجريمة النكراء التي ارتكبها أعضاء الفريق الوطني في حق أنفسهم، حيث شجوا رؤوسهم بالحجارة التي جلبوها معهم من ايطاليا•• أليسوا البلطجية وأولاد البرابرة؟ يجب الاعتذار عن استجابة الجزائر لشبابها بتمكينهم من مناصرة منتخب بلادهم في الخرطوم، وقد كان عليها أن تقمع تلك الهبة الشعبية وتفرض على الشباب أن ينكسوا الراية الوطنية من أجل عيون مصر التي يجب أن نعشقها وكان ينبغي"أن نموت فيها"! وتتوالى دواعي الاعتذار، لأننا ارتكبنا الخطيئة حين تجرأ ذلك اللاعب الفذ على تسجيل هدفه الرائع، وقد كان عليه في تلك اللحظة الحاسمة أن يركع إكبارا لمصر. وأزيد فأعتذر عن إصرار الجزائر على التأهل للمونديال بجدارة، وهي التي كان عليها أن تتنازل عن حقها في الانتصار، إرضاء للشقيقة الكبرى التي لا تقبل الهزيمة من الأشقاء ولا ترضى أن ترفرف راية الجزائر شامخة، وهي الراية التي استشهد في سبيلها مليون ونصف المليون من الشهداء• إن الاعتراف والاعتذار والتوبة العلنية من الفضائل، لذلك أقر بالخطأ وسوء التقدير في اعتذاري•• أرجوكم لا تغفروا لهم، أرجوكم لا تسامحوهم، ذلك أن تلك الطعنة الغادرة في ظهر الشعب الجزائري لن يضمد جراحها حتى النسيان. تبقى في الأخير هذه الكلمة وهي أن جماجم شهداء الجزائر، وهم الأبطال الشرفاء، لو وضعت جمجمة بعد أخرى لأحاطت بحدودنا مترا مترا وكانت لها ذلك الحارس الأمين- على حد قول سفيرنا عبد القادر حجار- وبدون ادعاء أيضا فإن تلك الجماجم الطاهرة تكفي لبناء أهرامات من الشرف والكرامة والتضحيات. " الرياح تنقل كثبان الرمال لكنها مهما اشتدت لن تنقل الجبال.."