قال تعالى في محكم كتابه »إن فرعون علا في الأرض، وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين« صدق الله العظيم كل الآيات الواردة في القرءان الكريم بشأن فرعون وملائه تذمه، وتجرمه، وتشنع سلوكه، وتصفه بالاستعلاء، والاستكبار، والطغيان، والتجبر، والفساد في الأرض، ورغم أن المصريين القدماء كانوا بصريح القرءان الكريم عبيدا للفرعون، ومستضعفين من طرفه لدرجة أنه كان يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، رغم كل هذا، يعتز مصريو العصر الحاضر بنسب أنفسهم إلى آل فرعون، فرعون الذي طغى، وتجبر، واستكبر وقال لهم أنا ربكم الأعلى، كما أمر وزيره هامان أن يبني له صرحا لعله يطلع إلى إله موسى. فعلا إنه ليس في مصريي اليوم رجل رشيد، بل يكادون أن يكونوا كلهم سفهاء وصعاليك إلا من رحم ربي. قد يكون الأمر خفيف الوطء غير ثقيل على النفس، لو صدرت الافتراءات، والسباب، والشتائم من عامة المصريين والدهماء منهم، لكن ما حدث من تجني، وتجريح وقذف، وتحقير، وسب لرموزنا، وطعن في شهدائنا ونيل من تاريخنا، صدر عن نخبة مصر وصفوتها، فحتى شيخ الأزهر انشل لسانه، وخرس فمه، فأخذته العزة بالإثم فاستنكف عن قول كلمة حق، يستنكر بها ما صدر عن عضو مجمع البحوث الإسلامية، التابع للأزهر، المسمى عبد الله النجار من تكفير جماعي لكل الجزائريين. ذهلت من شدة الحقد، وصدمت من مبلغ الغل الساكنين في صدور نخبة مصر، وصفوتها اتجاه الجزائريين، فقد تقيأوا السم الزعاف، ونفثوا الشرور المستطيرة على إخوتهم الجزائريين، الذين يقاسمونهم الدين، واللغة، والتاريخ المشترك. يحلو للمصريين أن يطلقوا على أنفسهم الشقيقة الكبرى، والدولة الرائدة، متناسين أن هذه الأوصاف كانت تنطبق عليهم، قبل اندماجهم في مسار كامب ديفيد، لكن بعد ذلك لم يعد لهم شرف ريادة العرب، ولا تزعمهم، لأن مصر أصبحت مخلب قط للأمبريالية الأمريكية في المنطقة، وأضحت حليفة للصهيونية العالمية، فمصر التي كانت تناصر الحركات التحررية، وتناهض الاستعمار، وتحارب إسرائيل، أصبحت في عهد مبارك منبطحة، مقهورة، تابعة، ذليلة، منكسرة، تستجدي الصدقات الأمريكية، وتتسول رضا إسرائيل وأزلامها، وترضى أن تعلن تسيبي ليفني وزيرة خارجية الكيان الصهيوني السابقة، الحرب على أطفال غزة من قاهرة المعز. إن القوم في مصر أعماهم الغرور، وأصيبوا بغشاوة الاستعلاء، ويتوهمون أن العالم يبتدئ وينتهي عندهم، وأن بلدهم هو أم الدنيا فعلا، ولا يدرون أن لغيرهم من الأمم والشعوب آراء أخرى، في تقييمهم وفي نظرتهم إليهم. لقد تطاولوا علينا بعجرفة، وصلافة، وفي نفس الوقت بحطة، وتسافل، ولست أدري ما الرصيد الحضاري والمجد التاريخي الذي يحوزونه، ويزايدون به علينا، يعتزون بفرعونهم، الذي لعنه الله، وندد به في القرءان الكريم، وأغرقه في اليم، وغريب أن يعتز المجلود بجلاده، وأن ينسب العبد نفسه إلى سيده. إن الاستكبار، والغرور، أعميا بصيرتهم، وبصرهم عن معرفة حقيقة أنفسهم، وتاريخهم، فالقاهرة التي يتغنون بها، بناها أجدادنا الكتاميون من الجزائريين، والأزهر الشريف، هم من شيدوه أيضا، هذا في القديم، أما في العصر الحاضر، فإنه إذا كان الرئيس عبد الناصر رحمه الله، قدم لثورتنا دعما ماديا وإعلاميا، يستحق عليهما الثناء، والتقدير، وجزيل الشكر والعرفان، فأنني أود أن أوضح في هذا المقام وأنا مكره ومضطر، إلى أنه لم ترهق قطرة دم واحدة مصرية، على ثرى وأرض الجزائر الطاهرة. وفي المقابل فإن الرئيس هواري بومدين رحمه الله طار إلى موسكو غداة هزيمة الجيش المصري في جوان 1967، وتفاوض مع قيادة الاتحاد السوفياتي، من أجل تزويد الجيش المصري المهزوم بالسلاح، وقد تشابك الرئيس بومدين مع ليونيد بريجنيف لما قال له هذا الأخير، إن الاتحاد السوفياتي منح للعرب أفضل ما عنده من أسلحة، لكنهم لم يحسنوا استعمالها ولذلك انهزموا، فأجابه الرئيس بومدين بأنه على دراية تامة بأن العرب لا يحسنون إلا ركوب الجمال، ومع ذلك فهو يسمح لنفسه بأن يسأل القادة السوفيات سؤالا واضحا ويرجو أن يتلقى عليه الجواب، وهو ما حدود الوفاق بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدةالأمريكية؟ وتهرب بريجنيف من الجواب، وعاد إلى موضوع الأسلحة قائلا، أن الاتحاد السوفياتي يمنح للعرب أفضل ما عنده من السلاح، وبأسعار مريحة، ومع ذلك فإن العرب لا يدفعون، وهنا فتح الرئيس بومدين ملفا أمامه، وأخرج منه شيكا وناوله بريجنيف، الذي رفض تسلمه، بعد أن احمر وجهه، وقال للرئيس بومدين لا تعاملني كسمسار سلاح، وتؤكد كل المصادر بما في ذلك المصرية بأن الرئيس بومدين، فتح خط قرض لدى وزارة الدفاع السوفياتية بمبلغ مليار دولار، ووضعه تحت تصرف القيادة المصرية لشراء السلاح. إن المساندة الجزائرية لم تتوقف عند المال فقط، بل إن اللواء الثامن المدرع وهو من خيرة نخبة الجيش الوطني الشعبي انتقل إلى جبهة القتال، وفي منطقة الفايد بالضبط، وشارك في حرب الاستنزاف، وفي حرب أكتوبر 1973 . إن خبرة ومهارة، وبراعة اللواء الجزائري الثامن المدرع، يشهد بها كبار ضباط الجيش المصري، وأنه اللواء الوحيد من بين الجيوش العربية، المندمج ضمن وحدات الجيش المصري، وقد كان ملحقا بالفرقة الرابعة المدرعة، وبالجيش الثالث الميداني، وقادته نالوا وسام النجمة العسكرية، وتلقوا رسائل تقدير، وعرفان، عن شدة بأسهم وقوة بطشهم بالعدو واستبسالهم في الدفاع عن أرض مصر، وقد سقط عشرات الشهداء الجزائريون من أجل تحرير سيناء، لكن الجزائريين الأباة الأشاوس لم يمنوا على الشعب المصري، ولم يستكثروا عليه تضحياتهم، خلافا لقنوات الفتنة المصرية التي ظلت تردد لما يزيد عن الشهرين كالببغاء أفضال مصر، وأياديها البيضاء على الشعب الجزائري. أتحدى المصريين جميعا، أن يقدموا لنا اسم شهيد مصري واحد، سقط في أرض الجزائر، خلال ثورتنا التحريرية، أما شهداؤنا من أجل مصر، فاللواء بدوي قائد الجيش الثالث، واللواء قابيل قائد الفرقة الرابعة المدرعة، ومساعدوهم من ضباط الجيش المصري، يعرفون عددهم، كما يعرفون شدة مراسهم، وقوة شكيمتهم في مجابهة جيش إسرائيل، فقليلا من الحياء أيها المصريون ورحم الله داهية العرب عمرو بن العاص، الذي كان أعرف منا جميعا بمصر، والمصريين، فلقد أجاب هذا الفاتح العظيم الفاروق عمر بن الخطاب الذي سأله أن يصف له مصر فقال: أرضها ذهب، ونساؤها لعب، ورجالها لمن غلب، وقد أكد المندوب السامي البريطاني )كرومر( هذه المقولة بعد ذلك بقرون. لقد أحدثت النخبة المصرية شرخا عميقا، وحفرت هوة، سحيقة في العلاقات الجزائرية المصرية، يصعب ردمهما على مدى عقود من الزمن. لقد أفرطت هذه النخبة في التجني على الجزائر، كيانا، وتاريخا، وشعبا، وأمة، ورموزا، مما أحدث جراحا، وندوبا غائرة في النفوس، لم ولن تندمل بسهولة، وعلى الشعب المصري جميعا، أن يتحمل مسؤولية ما فعله سفهاؤه من الإعلاميين، والفنانين، والممثلين، والمسرحيين، والمثقفين، والمحامين، والعالم كله يشهد أنهم الظالمون، وأنهم البادئون، والمثل الشعبي يقول »الشر بالشر والبادئ أظلم« ألا لا يجهلن أحد علينا ...فنجهل فوق جهل الجاهلينا ونشرب الماء إن وردنا صفوا ... ويشرب غيرنا كدرا وطينا وما دمتم أيها المصريون قد أقحمتمونا في هذا الجدل المقيت، وهو كره لنا، وجريتمونا رغما عنا إلى الهمز، واللمز، والغمز، فإني أذكركم بأننا نحن أمازيغ أحرار عربنا الإسلام، لم نخضع في يوم من الأيام لغير رب العزة والجلالة، وأما أنتم فطيلة تاريخكم عبيد، عبيد للفراعنة، وعبيد للمماليك العبيد، وعبيد لعبد أسود، زيادة على أنه مخصي، فإن نسيتموه أذكركم به، وهو المغفور له كافور الأخشيدي، وليرحم الله أبا الطيب المتنبي القائل: نامت نواطير مصر عن ثعالبها... فقد بشمن وما تفنى العناقيد