لا زال الجدل حول السياسة المعتمدة في مواجهة جائحة أنفلونزا الخنازير على أشده في ظل التخوفات حول فعالية اللقاح وآثاره الجانبية، وفي ظل قلة الكميات التي حصلت عليها الجزائر لحد الآن، في وقت تواجه فيه الحكومة انتقادات على خلفية ارتفاع أسعار العديد من المواد الأساسية مباشرة بعد قرار الثلاثية القاضي برفع الأجر الأدنى المضمون• وعلى صعيد آخر وصلت قضية الناشطة الحقوقية الصحراوية أمينتو حيدر إلى الحل المأمول مع عودتها إلى بيتها وأهلها، فانتصر النضال الصحراوي، وانتصرت قيم حقوق الإنسان التي دافع عنها الآلاف من جميع أقطار العالم على القمع المغربي وسياسة التنكيل بالشعب الصحراوي• عبارات التهدئة التي ترددها ألسن الرسميين في مصر والجزائر على خلفية موجة التوتر التي سادت العلاقات بين البلدين منذ المقابلتين الفاصلتين بين فريقي البلدين في القاهرة والخرطوم، لم توقف الحملات الإعلامية التي لا تزال، رغم التراجع المسجل، تذكر الجميع بما حدث في محاولة لتحميل المسؤولية لهذا الطرف أو ذاك• فالجانب المصري الذي يدعي بأن ما حصل لا يمكن أن يؤثر على العلاقات بين البلدين يطالب في المقابل بشكل مباشر أو بالتلميح إلى ضرورة أن تقدم الجزائر اعتذارا صريحا للقاهرة، وان تعوض الشركات المصرية ما خسرته جراء الغضب الشعبي العارم الذي ساد الجزائر بعد مباراة القاهرة والاعتداء السافر على حافلة الفريق الوطني الجزائري، وفي المقابل يؤكد الرسميون في الجزائر على أنه إذا كان هناك من يتوجب عليه الاعتذار فهي مصر التي سمحت بالاعتداء على الفريق الجزائري وفتحت الباب أمام عصابات الفتنة في النظام المصري والفضائيات المصرية للتهجم على الجزائر والإساءة لشعبها وتاريخها وإلى الشهداء أيضا، وهو ما جاء وبشكل صريح على لسان سفير الجزائر بمصر عبد القادر حجار مباشرة بعد عودته إلى أرض الوطن• ويبدو أن ما حصل من تجريح وتهجم شرس على كل مقدسات الجزائر قد أضفى نوعا من الحساسية على "الخرجة" الأخيرة للمجاهدة الرمز جميلة بوحيرد، ودفع بالبعض إلى الحديث عن انسياق هذه المجاهدة إلى اتهام السلطات بالتفريط بحقها وبحق المجاهدين عامة، ويبدو أن التصريحات التي أدلت بها مؤخرا بطلة معركة الجزائر لوسائل الإعلام، عندما أكدت رفضها لأي مساعدات تأتيها من الخارج بغرض العلاج، لم تقنع أي أحد، بمن في ذلك المجاهدة لويزة إيغيل أحريز، ذلك أن السلطات الجزائرية لم تبخل على أي مجاهد بالمساعدة، فما بالنا برموز ملحمة التحرير، وفضلا عن التصريحات التي أدلى بها الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين سعيد عبادو الذي أكد هذه الحقيقة، أعلنت وزارة العمل من جهتها أنها على أتم الاستعداد للتكفل ببوحيرد، في وقت كشفت فيه مصادر أخرى أن جميلة بوحيرد كانت قد رفضت عرضا من الرئيس بوتفليقة لتعيينها ضمن الثلث الرئاسي بمجلس الأمة• وتواجه الحكومة انتقادات شديدة في الأيام الأخيرة على خلفية التهاب أسعار العديد من المواد الاستهلاكية الأساسية في الأسواق، والحديث عن رفع سعر المازوت ب 10 بالمائة وهو ما سيتبعه ارتفاع كبير في العديد من المواد الاستهلاكية الفلاحية فضلا عن أسعار النقل، وهو ما يرسخ القناعة لدى الجميع بأن الحكومة تأخذ باليمين ما تقدمه بالشمال، فارتفاع أسعار المواد الإستهلاكية الأساسية جاء حتى قبل أن ينتفع العمال بالزيادة في الأسعار التي أعقبت القرار الذي اتخذته مؤخرا والقاضي برفع الأجر الوطني الأدنى المضمون إلى 15 ألف دينار، أي بزيادة مقدرة بثلاثة آلاف دينار فقط. فالمفتشية العامة لوزارة المالية تتحدث عن إعدادها لما يقل عن 154 تقرير حول الرشوة، لكن في الواقع لا شيء يوحي بأن هذا الداء الذي ينخر المجتمع والإقتصاد الوطني على حد سواء في تراجع، بل على العكس يلاحظ العديد من المتتبعين أن الرشوة وكل أشكال الفساد الأخرى تتفشى بشكل مريع في الجزائر وتأخذ مسميات مختلفة، ولا أحد يعرف بالضبط العلاج الواجب اعتماده للقضاء على الظاهرة في وقت تحضر فيه الرئاسة لبعث اللجنة الوطنية لرصد ومكافحة الفساد والتي سوف توكل لها مهمة محاربة الفساد على جميع المستويات وعدم الإكتفاء بمحاربة الفساد الذي يقوم به الصغار كما هو الحال الآن. ويتواصل الجدل حول جائحة أنفلونزا الخنازير، مع ارتفاع عدد المصابين بهذا الفيروس إلى مستويات كبيرة وفي ظرف قياسي، ففيما قارب عدد المصابين بالوباء 500 شخص قفزت عدد الوفيات إلى أكثر من 30 وفاة أكثرهم من النساء الحوامل، ويجري في المقابل الحديث عن وجود حوالي 8 آلاف حالة تحت الفحص للتأكد من سلامتها من فيروس أنفلونزا الخنازير، وتواجه المؤسسات الصحية ضغطا غير مسبوق بفعل توافد المواطنين عليها مع موجة البرد التي تجتاح الوطن وتفشي نزلات البرد الموسمية التي يصعب تمييزها عن نزلات البرد المصاحبة للإصابة بأنفلونزا الخنازير. وتؤكد وزارة الصحة أن الجزائر قد استلمت فعليا أكثر من 700 ألف لقاح ضد الداء، يجري فحص عينات منها في المخابر للتأكد من سلامتها ومطابقتها للمعايير المطلوبة التي حددتها المنظمة العالمية للصحة، فيما يجري توزيع هذه الكمية من اللقاح على المراكز الصحية التي اعتمدت للقيام بالتلقيح الذي سوف يمس في البداية الموظفين في القطاع الصحي وبعده النساء الحوامل قبل المرور إلى الشرائح الأخرى حسب الأولوية، هذا وتتصاعد المخاوف حتى في الوسط الطبي من اللقاح في ظل المزيدات الإعلامية التي تحيط بعملية التلقيح قبل انطلاقها، وهو ما يضع وزارة الصحة والوزير سعيد بركات في وضع لا يحسد عليه، بين توفير اللقاح ومواجهة ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس، وتوفير الظروف المناسبة لاستقبال المرضى والتكفل بهم، فضلا عن مواجهة الدعاية التي يبدو أنها قد خلفت آثارا كارثية وسط المواطنين. ويبدو أن قضية الناشطة الحقوقية الصحراوية أمينتو حيدر قد انتهت بالشكل الذي تمناه كل المتتبعين وذلك بعودتها إلى أهلها وذويها بالعيون المحتلة، بعد أكثر من شهر من الإبعاد القصري بلانثاروتي الإسبانية والإضراب عن الطعام الذي حرك جميع الأحرار في العالم . لقد حققت أمينتو حيدر الكثير بصمودها وإصرارها على مواجهة القمع المغربي، والتصريحات التي أدلت بها قبيل عودتها إلى أرض الوطن المحتل، لما قالت بأن عودتها هي انتصار للقانون الدولي ولحقوق الإنسان وللقضية الصحراوية، تؤكد بأن رؤية هذه المناضلة الحقوقية هي أبعد بكثير من رؤية السلطات المغربية وحتى الإسبانية التي تصورت بأنه بقرار الإبعاد والنفي سوف تسكت صوت هذه المناضلة، ومن ورائها أصوات كل الصحراويين الذين يواجهون يوميا آلة القمع المغربية بالكثير من الإصرار وبالكثير من اليقين بشرعية قضيتهم. لقد هزمت أمينتو حيدر لوحدها الآلة الدعائية المغربية، وهزمت دبلوماسية محمد السادس، فجمعت في ظرف قياسي آلاف المناضلين الحقوقيين والسياسيين والبرلمانيين من كل أصقاع العالم، وأظهرت للجميع بأن القضية الصحراوية هي قضية شعب برمته يؤمن إيمانا قاطعا بحقه في البقاء وحقه المشروع في الحرية والاستقلال، وليست قضية الجزائر أو غيرها كما تدعي الرباط، ويعري في المقابل الخطاب المغربي الذي يتمسك بالمخطط القاضي بفرض الحكم الذاتي على الصحراويين، ويختبئ وراء "جلسات الحقيقة والإنصاف" التي استعملها لقبر جرائم النظام المغربي ضد المغاربة وضد الصحراويين.