في تبرير غريب لبناء الجدار الفولاذي الذي يستهدف الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة، قال أحد المصريين، وصف بأنه خبير في الأمن القومي، إن السبب في بناء الجدار هو التهديدات التي يمثلها حزب الله اللبناني الذي يخترق حدود غزة لتنفيذ عمليات داخل الأراضي المصرية. كلام مثل هذا لا يمكن أن يصدر إلا عن المحللين، والمثقفين، والفنانين، الذين يسبحون بحمد النظام الحاكم في القاهرة، فالمتحدث يريدنا أن نصدق بأن غزة لها حدود مع لبنان أو مع إيران، وأنها ليست محاطة بإسرائيل من جهة وبمصر من الجهة الأخرى وبالبحر من الجهة الثالثة، ولا نعرف كيف يمكن لحزب الله أن يدخل جنوده إلى غزة ومنها إلى مصر، ولماذا لا يدخلهم إلى فلسطينالمحتلة بدل أن يضرب في مصر؟. رغم أن حزب الله هو العدو الأول لإسرائيل، فلم يحدث أن قالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إن عناصر من الحزب موجودة في غزة، ولم يحدث أن ادعت إسرائيل أنها اعتقلت إيرانيين في القطاع أو في الضفة الغربية، ذلك أن الإسرائيليين، إعلاميين وسياسيين، يحترمون عقول مواطنيهم، ومن المؤكد أن المصريين اليوم يجدون أن الإعلام الإسرائيلي أكثر مصداقية من الإعلام المصري، الخاص والحكومي، الذي يتعامل مع الناس على أنهم أغبياء يصدقون كل شيء. أول من تحدث عن بناء الجدار الفولاذي كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية، من الجرائد إلى الإذاعة العامة، وقد سارع المصريون، من الإعلاميين المحترفين في تبييض أفعال النظام السوداء، إلى مهاجمة وسائل الإعلام العربية التي نقلت الخبر عن الصحافة الإسرائيلية، واتهمتها بالتحول إلى بوق للدعاية الصهيونية، وبعد أن انكشفت الحقيقة انتقل هؤلاء إلى تبرير الفعل بطريقة غبية تثير الشفقة. رغم أن ما يجري فضيحة كبرى لم يطرح أحد سؤالا حول السبب الذي جعل الإعلام الإسرائيلي ينشر، وبالتفاصيل، ما يجري على الأرض المصرية قبل أن يعلم به المصريون أنفسهم ؟ وما يبرر السؤال ويجعله ملحا هو أن وزير خارجية مصر أبو الغيط اعتبر الأمر من أسرار مصر، فإذا كانت أسرار مصر تنشر بهذا التفصيل في الإعلام الإسرائيلي فلا بد أنها قبل أن تصبح أسرارا لمصر كانت أوامر لإسرائيل، والمؤكد أن صحافيي إسرائيل لم يكونوا بحاجة للاتصال بالقاهرة لمعرفة ما يجري على الحدود بين مصر وغزة.