أعياد المسلمين والمسيحيين جاءت متتالية هذه المرة: محرم، الميلاد، عاشوراء فرأس السنة الميلادية. أربعة أعياد تمر، ولا يفرح فيها أطفال غزة، المسلمون منهم والمسيحيون، للمرة الثانية. مع نهاية السنة الماضية(2008)، بدأت إسرائيل عدوانها الفظيع ضد مواطني غزة باستعمال كل وسائل القتل والتدمير بما في ذلك الأسلحة المحرمة دوليا. ورغم أن العدوان الإسرائيلي المسلح توقف بعد أن تم تدمير معظم البنية التحتية لغزة بحيث لم يعد للآلاف من الفلسطينيين لا مأوى ولا مدرسة ولا عمل ولا حتى الحليب والدواء للأطفال، إلا أن حالة الحرب لا زالت قائمة بهذه المنطقة من العالم العربي إلى اليوم، ولازالت إسرائيل تمارس سياسة التقتيل البطيء لهذا الشعب من خلال تجويعه وحرمانه من أبسط ضروريات الحياة. صور القتل والدمار التي نقلتها بعض القنوات الدولية جعلت الرأي العام العربي والدولي يتعاطف مع أطفال غزة، فتحركت العديد من القوافل، في هبة إنسانية، من الدول العربية ومن أوروبا وآسيا حاملة المساعدات لضحايا العدوان، غير أنها اصطدمت بموقف مصري لم يكن منتظرا من أحد. السلطات المصرية منعت علانية دخول معظم المساعدات عبر معبر رفح؛ مع أن الرأي العام الغربي يصنف فعل عدم تقديم المساعدة لشعب في خطر من باب الجرائم ضد الإنسانية. سكان غزة هم اليوم في خطر، والكثير من المساعدات التي أرسلت لضحايا الحرب الإسرائيلية أصابها التلف أو تم الاستيلاء عليها أمام معبر رفح، ولهذه اللحظة تبقى قافلة شريان الحياة التي يقودها البريطاني غالاوي عالقة على الحدود المصرية ولم يسمح لها بالمرور إلى غزة لتوزيع المواد الغذائية على السكان وهدايا أعياد المسلمين والمسيحيين لأطفال غزة. هي جريمة إذن يرتكبها النظام المصري ضد سكان غزة. الكثير من العرب، ومن غير العرب، لم يدركوا أسباب وخلفيات الموقف المصري الذي بلغ به التعصب حد بناء جدار فولاذي مخزون بعمق ثلاثين مترا؛ مع أنها )الأسباب( واضحة جدا ويكفي الرجوع إلى اتفاقية كامب ديفيد لإيجاد الجواب الشافي. مصر غير حرة في التصرف مع جيرانها، ولا تملك السيادة على حدودها مع غزة. البند الثاني من المادة الثالثة لاتفاقيات كامب ديفيد، تقول صراحة: » يتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل أراضيه أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة على أراضيه ضد السكان أو المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر. كما يتعهد كل طرف بالامتناع عن التنظيم أو التحريض أو الإثارة أو المساعدة أو الاشتراك في فعل من أفعال الحرب العدوانية أو النشاط الهدام أو أفعال العنف الموجهة ضد الطرف الآخر في أي مكان. كما يتعهد بأن يكفل تقديم مرتكبي مثل هذه الأفعال للمحاكمة«. هذا البند المنقول حرفيا من نص اتفاقية كامب ديفيد )النص موجود باللغتين العربية والانجليزية على شبكة الانترنيت(، يبين صراحة بأن على مصر أن تحمي أمن وسلامة إسرائيل وأن تمنع كل نشاط من شأنه أن يؤذي الكيان الصهيوني. في هذا الإطار، يندرج الحصار المصري على غزة ومحاكمة شبكة حزب الله التي ذهبت لتقديم المساعدة. اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل والتي لازالت سارية المفعول لحد الآن من جانب الطرف المصري رغم اختراق إسرائيل لبنودها أكثر من مرة، تفرض على مصر تفضيل علاقاتها مع الدولة العبرية على أية علاقات أو التزامات مع أية دول أخرى، وهو المنصوص عليه صراحة في البندين الرابع والخامس من المادة السادسة واللذين جاء فيهما: »4 - يتعهد الطرفان بعدم الدخول في آي التزامات تتعارض مع هذه المعاهدة. 5 - مع مراعاة المادة 103 من ميثاق الأممالمتحدة يقر الطرفان بأنه في حالة وجود تناقض بين التزامات الأطراف بموجب هذه المعاهدة وأي من التزاماتهما الأخرى، فإن الالتزامات الناشئة عن هذه المعاهدة تكون ملزمة ونافذة«. مصر مجبرة إذن، طبقا للمادة السادسة من المعاهدة، بأن لا تتخذ أي موقف، أو تبرم أية معاهدة مع أي طرف كان، تتعارض مع مصالح إسرائيل وأمنها؛ ولأن السماح بمرور المساعدات الإنسانية إلى شعب غزة يدخل في إطار مساعدة من تعتبرهم إسرائيل أعداء لها فأن مصر تصبح ملزمة بالتضييق على قطاع غزة، وهو ما تقوم به من خلال غلق معبر رفح أمام المساعدات وتنقل الفلسطينيين. الأخطر في الأمر ليس أن يطبق النظام المصري بنود الاتفاقية بحذافيرها وأن يحول مصر إلى مجرد »شاويش« حام لأمن إسرائيل، بل كون الدول العربية وافقت، في ظل وجود مثل هذه المعاهدة، على إعادة جامعة الدول العربية وهياكلها إلى القاهرة بعد أن كانت نقلتها إلى تونس إثر »اندماج« مصر في مسار »السلام« الإسرائيلي الذي انتهى باتفاقية كامب ديفيد. هل ينتظر أن تقوم جامعة للدول العربية مقرها مصر بأي دور لصالح القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية؟ ثم أن المفروض في الدولة التي تستضيف الهيئات الدولية والإقليمية أن تتوفر على عنصرين أساسيين وهما حرية القرار والنضج السياسي، والعنصران مفقودان تماما لدى جمهورية مصر العربية، فلا هي حرة في اتخاذ قراراتها لأنها مكبلة باتفاقية مع العدو الأساسي للأمة العربية؛ ولا هي ناضجة سياسيا والدليل على مراهقتها السياسية، الدعاية السافلة وتصريحات العار الصادرة من ابني الرئيس المصري ومختلف المسؤولين في الدولة المصرية ضد الجزائر على إثر مجرد هزيمة في مقابلة كروية بحيث لم يتركوا أي رمز في الجزائر إلا وشتموه والأخطر من كل ذلك أنهم وصفوا شعبا سيدا وحرا -بالدليل والبرهان- بأنه لقيط. كجزائري شريف وحر، أدعو كل أحرار العالم العربي للتحرك والضغط على الحكومات العربية للعمل على نقل جامعة الدول العربية والهياكل التابعة لها إلى أي بلد عربي آخر، ولو إلى جزر القمر. هناك سيكون القرار العربي أكثر تماشيا ومصالح العرب ولن يكون في حاجة إلى ملاءمته مع مستلزمات اتفاقية كامب ديفيد.