الحديث عن ارتفاع مختلف أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية يُعتبر من بين أهم الميزات التي طبعت سنة 2009 اجتماعيا، ورغم لقاء الثلاثية المنعقد في الربع ساعة الأخير من السنة، إلا أن ذلك لم يكن له الأثر المُباشر على القدرة الشرائية باعتبار أن الزيادات في الأجور المقررة ستبدأ رسميا ابتداء من جانفي الجاري، ومنه فإن القرارات المتخذة على رأسها رفع الأجر الأدنى المضمون ومراجعة أجور القطاع الاقتصادي والتعجيل في إنهاء نظام المنح والعلاوات سيكون لها الأثر الإيجابي خلال 2010 وستكون أكثر فعالية في حال ما إذا استعجلت الحكومة تعديل قانون التجارة. باعتراف السلطات الرسمية، شهدت سنة 2009 ارتفاعا مُلاحظا في أسعار مختلف المواد الغذائية، بحيث بلغت نسبة الارتفاع خلال العشرة أشهر الأولى حسب الإحصائيات الرسمية 8.10 بالمئة، بصفة عامة، وأكثر من 21 بالمئة بالنسبة للمنتوجات الفلاحية، كما بلغ التضخم 5.7 بالمئة، وقد أثر هذا الارتفاع بشكل فعال على القدرة الشرائية للمواطنين الذين اعتبروا النسب المقدمة من قبل السلطات لا تُعبر بشكل حقيقي على الواقع باعتبار أن الزيادات مست كل المواد الغذائية وغير الغذائية دون استثناء وعلى مرات عدة خلال السنة. * إنتاج تاريخي من الحبوب دون أثر على الأسعار وإذا كانت أسعار الخبز والحليب قد حافظت على استقرارها بفضل تدخل الدولة التي رفعت من مستوى دعمها لهاتين المادتين الاستهلاكيتين، فإن مواد أخرى شهدت ارتفاعا غير مسبوق في الأسعار كالعدس الذي ارتفع من 100 دج مع بداية السنة إلى 180 دج للكيلوغرام الواحد واللوبيا إلى 155 دج والحمص إلى 145 دج والأرز إلى 130 دج، والغريب في الأمر أن هذا الارتفاع جاء موازاة مع تحقيق الجزائر لأعلى مستوى إنتاج لها من الحبوب على مر السنين بحوالي 62 مليون قنطار بالرغم من كون إنتاج 2008 لم يتعد 17 مليون قنطار دون أن يتم تسجيل ارتفاع في أسعار الحبوب. ولم تستثن موجة ارتفاع الأسعار خلال 2009، الخضر والفواكه، فبيعت البطاطا والبصل لمدة طويلة ب70 دج للكيلو غرام الواحد ووصل الليمون إلى 450 دج في شهر رمضان وهو نفس السعر الذي بلغه الدجاج ووصل السردين إلى ما بين 350 و400 دج والفلفل إلى ما بين 150 و 170 دج والسلاطة إلى 100 دج والطماطم إلى 140 دج والزرودية إلى 80 دج، وشهدت بدورها جل أنواع الفواكه الموسمية نفس الارتفاع في الأسعار وذلك في معظم فترات السنة. * بين هدنة اجتماعية.. واحتجاجات متواصلة وفي الوقت الذي اختار فيه الاتحاد العام للعمال الجزائريين الاستمرار في تجسيد مسار الهدنة الاجتماعية تطبيقا لما جاء في العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي الموقع نهاية 2006، فإن النقابات المستقلة اختارت مسار الاحتجاجات المتواصلة وهو ما تجسد في الإضرابات التي عرفتها قطاعات التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي والصحة العمومية، وانتهت بتحقيق مطالب هامة على رأسها ملف الأجور بحيث تم الاتفاق على البدء في تطبيق أنظمة المنح والعلاوات بأثر رجعي بداية من شهر جانفي 2008، ما يجعل عمال الوظيف العمومي يستفيدون من مستحقات متأخرة هامة ومنه الترويح على القدرة الشرائية للمواطنين. وقد تمكنت فعلا النقابات المستقلة تحريك السلطات العمومية بالرغم من كون احتجاجاتها جاءت بالموازاة مع اللقاء الذي جرى بين المنتخب الوطني ونظيره المصري والذي غطى على كل الأحداث في تلك الفترة، وتم لأول مرة التوقيع على محضر رسمي بين وزارة التربية الوطنية والنقابات المستقلة ينص على تنصيب لجان تتكون من الأساتذة تتكفل بتسيير أموال الخدمات الاجتماعية بدل تسييرها من قبل الاتحاد العام للعمال الجزائريين كما هو معمول به حاليا، ناهيك عن إجراءات أخرى ظلت لسنوات عديدة ضمن أرضية المطالب. وقد استطاعت النقابات المستقلة ولأول مرة كذلك أن تُحظى باهتمام المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي »كناس«، هذا الأخير، أكد في تقريره الخاص بالظرف الاقتصادي والاجتماعي لسنة 2009 المعروض مؤخرا فقط، أن ملف الأجور كان محل مطالب النقابات المستقلة، وهي خطوة تُعتبر هامة جدا في تاريخ النقابات المستقلة. * إلغاء التقاعد دون شرط السن بين الرفض الرضى واختلفت أشهر 2009 بين معاناة حقيقية للمواطنين بسبب البطالة وارتفاع الأسعار وضعف الأجور وبين أمل الانفراج من جهة أخرى بعدما عادت أسعار البترول إلى مستوى مقبول تراوح بين 70 و80 دولار للبرميل وهو ما جعل الدولة الجزائرية تواصل تنفيذ مشاريعها الكبرى عكس ما تم الترويج له مع بداية السنة موازاة مع انخفاض أسعار النفط، وتواصل الأمل أكثر بعدما لجأت الحكومة في الربع ساعة الأخير من السنة إلى عقد لقاء الثلاثية ومنه إقرار رفع الأجر الأدنى المضمون من 12 ألف دج إلى 15 ألف دج والتعجيل في إنهاء مشاريع الأنظمة التعويضية التي ستدفع إلى رفع أجور الوظيف العمومي إضافة إلى الاتفاق على إعادة تجديد الاتفاقيات الجماعية واتفاقية الإطار بالنسبة لعمال القطاع الاقتصادي العمومي والخاص، وهي كلها قرارات يتم البدء في تطبيقها على مراحل خلال سنة 2010 بدءا برفع الأجر الأدنى شهر جانفي. وتم خلال ذات اللقاء الاتفاق على إلغاء التقاعد دون شرط السن الذي استفاد منه حوالي 400 ألف عامل منذ سنة 1997، وقد اختلفت آراء المواطنين بين رافض لإلغاء هذا النظام وبين مؤيد له، فبينما يرى البعض أن 32 سنة من العمل كافية للتقاعد وقادرة أن تُنهك العامل خاصة في بلد مثل الجزائر بحيث يصعب على هذا الأخير ضمان هذا العدد من السنوات في ظل التوجه الاقتصادي الجديد الذي لا يرحم، ذهب البعض الآخر إلى التأكيد على أن الذهاب إلى التقاعد يؤثر على الفرد نفسيا خاصة إذا كان سنه لا يزال بين 50 و58 سنة ناهيك عن كون التقاعد في سن مبكرة يجعل الإطارات الكفؤة تموت في بطئ وهو ما يُعد خسارة للجزائر، والمؤسف هو أن جل الآراء المتعلقة بالتقاعد نابعة من مصلحة كل طرف وبعيدة من أن تكون في مصلحة الجميع بما في ذلك الموقف الرسمي، سيما ونحن نعلم أن هذا الإجراء يستفيد منه بشكل أكبر الإطارات العليا التي ترفض الذهاب إلى التقاعد حتى في سن القانونية، أي 60 سنة. * الأمل قائم على سنة 2010 وإضافة إلى ذلك فضلت الحكومة مواصلة التكفل بملف المنح العائلية على المدى القريب دعما للمؤسسات الاقتصادية الوطنية، والتوجه نحو تنظيم التعاضديات حتى يستفيد المؤمنين والمتقاعدين منها بشكل رسمي وليس كما يُريد مسسؤولي هذه الأخيرة. ومن هذا المنطلق، يتوقع العديد من المتابعين للشأن الاجتماعي أن تكون سنة 2010 أحسن بكثير من 2009 باعتبار أنها ستشهد تطبيق كل القرارات التي اتفق عليها في الثلاثية وباعتبار أن العالم بدأ يتعافى رويدا من الأزمة الاقتصادية التي كانت أكثر حدة مع نهاية 2008 وبداية 2009، لكن هذا الانفراج المتوقع يجب أن يكون متبوعا بإجراءات هامة من قبل الدولة في المجال الاقتصادي، وهو ما أكد عليه المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي في تقريره الذي عرضه نهاية السنة المنتهية، والذي شهد على غير العادة منذ وصول محمد الصغير بابس على رأس هذه الهيئة، توجيه انتقادات إلى الحكومة ووصف النمو المُحقق بالهش مع انتقاد قطاع الصناعة والدعوة إلى العمل نحو الوصول إلى »اقتصاد العرض« وتوفير مناصب شغل دائمة وليس مؤقتة.