أحداث عديدة بيّنت بوضوح ذلك الوجه الجميل لدعاة العدالة وحقوق الإنسان في العالم الغربي، الذي يحلو لبعض شواذ العقل والفكر في عالمنا العربي وصفه بكل النعوت القبيحة. والتركيز على جانب واحد وهو موضوع انحلال المرأة عندهم، متناسين العديد من القيم الجميلة التي يناضل من أجلها هؤلاء، وهي قطعا أهم وأنفع للبشرية من مجرد سلوكيات المرأة هناك. أحداث عشناها هذه الأيام تبرهن حقا عن جمال تلك القيم المفقودة في عالمنا العربي، الذي يصف نفسه دوما بحامي القيم والمدافع عن الشرف دون سواه. أمينتو حيدر، تلك المرأة والمناضلة الصحراوية الفذة التي هزت العرش العلوي، وجذبت انتباه العالم بأسره إلى قضية وطنها، لم تجد إلى جانبها إلا ممثلي حقوق الإنسان، في العديد من الدول الغربية، وقفوا معها وساندوها وسهروا الليالي وهم يرعون صحتها. قافلة شريان الحياة التي ينظمها النائب الإنجليزي جورج غالوي ومعه العديد من رموز حقوق الإنسان من المسيحيين واليهود، وحتى الذين لا يؤمنون بأي دين سماوي، ولكنهم يؤمنون بكرامة بني آدم، هذه القافلة قطعت آلاف الأميال وتحملت المشاق وجندت وسائل الإعلام أكثر من كل البيانات الصادرة عن الحكومات العربية. في الذكرى الأولى لجريمة إبادة غزة، لم يخرج العرب ولا المسلمون للتذكير بهذه الجريمة ضد الإنسانية، بل خرج الانجليز ومعهم العديد من الأوروبيين ليتظاهروا أمام السفارات الإسرائيلية، وانضمت العديد من الجامعات البريطانية والسويدية إلى حملة مقاطعة نظيراتها في إسرائيل احتجاجا على همجية الكيان الصهيوني. ثلاثة مواقف لهذا الغرب الجميل الذي نحب لم يقابلها موقف عربي واحد في المستوى، لم نسمع أولئك الدعاة الذين يملأون الفضائيات تهويلا وعويلا عن الخراب الذي سوف يحل بالأمة لأن نساءها يفرطن في الحجاب؟ هؤلاء الدعاة الذين يستهلكون آلاف الساعات من البث الباهظ الثمن للبكاء على ما حصل من أبرهة الحبشي، أو ما جرى لزوجة فرعون، ولكنهم لا يعبأون لما يجري لأمينتو حيدر ولشعبها على أيدي نظام أمير المؤمنين، كما أنهم لا يوظفون الحناجر التي وهبهم الله إياها للدفاع عن جورج غالوي وأمثاله الذين يحملون الهم الفلسطيني أكثر من كل الدعاة والأئمة، الذين تحولوا إلى نواحات في الفضائيات لنشر فكر الاستسلام والقدرية الكاذبة والخنوع والاستكانة والقبول بالأمر الواقع، على أساس أنه ابتلاء من الله! الأجدر بهؤلاء الدعاة أن يرموا بميكروفوناتهم ويخرجوا إلى الناس ويدافعوا عن الحق وينصروا الله في خلقه، ويكفوا عن العويل والتهويل وتخويف الناس، ويتعلموا من الغرب الاستماتة في الدفاع عن الحق والتطوع لخدمة الأهداف، بعيدا عن الكاميرات والأمجاد الزائفة والممارسات اللاعقلانية والدروشة التي صنعت منا أمة ميتة الإحساس بالكرامة، عاجزة حتى عن تقديم الطعام لسكان غزة المحاصرين بجدار الصمت العربي وجدار الظلم الإسرائيلي وجدار العار المصري؟