هناك أكثر من درس ينبغي أن نتعلمه من كرة القدم ودورها في حياة شبابنا والمجتمع كله وكيف يمكن أن تتحول هذه اللعبة الجميلة إلى فرحة حقيقية لجموع أبناء الشعب بمختلف فئاته وأطيافه وإلى دافع لتحقيق الانتصارات التي تدوم. دروس كثيرة يجب أن نتوقف عندها بالتأمل أمام ظاهرة ما يمكن أن نسميه »الهوس« بكرة القدم، إذ الملاحظ أن هناك نوعا من الهروب إليها أو الاستنجاد بها في مواجهة ضغوط الحياة والبحث عن كل ما يحصن الذات الوطنية. في غمرة ذلك التحدي الذي عم الشارع الجزائري كله وهو يناصر فريقه الوطني، وجدتني أشعر بنشوة كبيرة وفوجئت بنفسي أندمج مع المواطنين الذين التفوا حول فريقهم، بدت الجماهير متوحدة الشعور، متطلعة إلى أهداف تصبو أن تبلغها، إنها تشعر أن الجزائر تخصها، تنتمي إليها وتخاف عليها وتريدها أن تنتصر لتفرح بها ومعها. كل مواطن، صغيرا كان أو كبيرا، ليس مجرد مناصر لفريقه الوطني وليس مجرد متفرج على مباراة في كرة القدم، إنه جزء من ذلك الفريق ولاعب بكل طاقات جسده وروحه، ينقل كل نقطة دم يملكها إلى شرايين أبطاله في الميدان. شعرت أن الشعب في حاجة إلى انتصارات يعانقها وتعانقه، في شوق إلى أن يتحدى وينجح، إنه يصبو بحسه الوطني إلى غايات كبيرة يريد أن يبلغها، لها مذاق التفوق الذي حققه في محطات هامة من تاريخه. ذلك الشاب المساند لمنتخب بلاده والمتلاحم مع راية وطنه لم يكن مخدرا أو في حالة لا وعي، بل كان يعرف أن المباراة ليست أكثر من لعبة وفرجة وأن من يفوز بها سيتأهل لكن من يخسرها لن يفقد الشرف أو التاريخ. أسال نفسي: هذا الشعب الذي توحدت قلوب أبنائه، المتقد بالشعور الوطني، المتحفز لرفع اسم الجزائر عاليا، لماذا لا يخوض معارك حياته اليومية بنفس الكفاءة والحب، مادامت طاقة الفعل كامنة فينا ونملك أن نفجرها لبلوغ ما نصبو إليه من نهضة فكرية وعلمية واقتصادية. ما أجمل إرادة التحدي التي ولدها المنتخب الوطني والتي تكتسي أكثر من دلالة، لاسيما أنها تأتي في وقت تشتد فيه الضربات على الشعب حتى يفقد الثقة في نفسه وفي وطنه، هذا الشعب الذي وجد في تألق أبنائه، بذرة أمل جديدة يريدها أن تزهر وتثمر وأن تمتد إلى مجالات أخرى أكثر أهمية وحيوية وديمومة، وكأنه يحلم أن يكون فريقه الوطني واجهة من واجهات الجزائر الأخرى التي ترمز إلى انتصار الراية الوطنية. إن من حق الشعب أن يفرح ويعتز ويزهو ويفتخر بانتصاراته، سواء كانت في الاقتصاد والثقافة والسياسة أو حتى في كرة القدم، ومن المؤكد أن ذلك الشاب الذي كانت الراية الوطنية ترفرف خفاقة بين يديه، كان في حالة وعي تجلت فيها وطنيته وحبه لبلاده وإصراره على أن يظل جزائري الانتماء، رغم معاناته من البطالة أو عدم إحساسه ب »أمومة« الدولة أو تذمره من مسؤوليه وحكامه. لقد حرصت بعناية على ألا أقع تحت وطأة الانبهار المفرط بمباراة رياضية، وأعترف بأن الأمور قد تشابهت علي وأنا أرى ذلك التلاحم الرائع للجزائريين وراء فريقهم الوطني، من فقراء وأغنياء، من شباب وشيوخ، من نساء ورجال، من أهل القمة وأهل القاع، وقد التفوا جميعا حول راية بلادهم، يريدون لها أن تكون دائما شامخة في القلوب وليس في المباني فقط. لم تكن الراية الوطنية عند هؤلاء مجرد قطعة قماش، بل إن ألوانها ترمز إلى مجموعة قيم تتباهى بها الجزائر وتفخر، إنها تقوم بوظيفة اللغة الناطقة بالهوية الوطنية وبوطن يكون لأبنائه جميعا وليس للبعض دون البعض. هكذا تتجلى الروح الوطنية وتتأكد، فهي في مواجهة ما يتحداها، ولو كان مباراة في كرة القدم، إنها على المحك في امتحان مصيري، ليس في الخفاء وإنما أمام العالم كله. تلك الجماهير التي ساندت منتخب بلادها وفاضت حماسا له، كانت تحمل رسالة تقول إن الجزائر يجب أن تنهض، أن تنتصر وأن تتصدى لليأس والقنوط في أوساط الشباب وأن تواجه ما يعانيه من مشكلات وأن تحميه من آفات الحرقة والمخدرات. أعرف أن الجزائر الواقفة والمنتصرة والقوية يجب أن ترتكز على العقول المفكرة والأيدي المنتجة والقيم التي تصون الأمة من الانكسار وتضمن لها التفوق والتميز في العلم والعمل والسياسة والديمقراطية. وأدرك جيدا أن الجزائر لن تكون قوية بالأرجل »الكريمة« لهذا اللاعب أو ذاك، وقد صمدوا ومكنوا الجماهير من أن تفرح، ولهم جزيل الشكر وجميل العرفان. ولكن ألسنا بحاجة إلى جرعات من الأمل، من التفاؤل، من شحنة إضافية من الحب لبلادنا.. فدعونا نفرح ودعوا شبابنا يبتهج ويقتحم طوق اليأس ولو بأفراحه في مباراة لكرة القدم. كانت الفرحة بكرة القدم ولا ينبغي أن تكون آخر المطاف، والمؤكد أن فريقنا الوطني ما يزال محتفظا بحظوظه كاملة وقادرا على افتكاك التأهل.. وموعدنا مع انتصار لا يبدو مستحيلا. »من لا يحترم دينه ولغته ووطنه يستحق أن تدوسه الأقدام..«