إذا صح ما تتداوله الصحف بشأن قضايا الفساد في الأشغال العمومية وشركة سونطراك ومن قبلهما في وزارة الصيد البحري وأحاديث هنا وهناك عن وزارات أخرى، فإننا نكون أمام وباء عام وجائحة أخلاقية تضرب بعنف مسؤولي مؤسسات وأجهزة في الدولة كانت إلى سنوات تعتبر نسبيا فوق الشبهات وفوق الفساد. فجأة وعلى حين غرة اكتشف الرأي العام الوطني أن المرض لم يعد مقصورا على الجمارك وعلى بؤر الفساد المعهودة ولكنه انتشر أفقيا وعموديا كالسرطان ليشمل شركة سونطراك، وما أدراك ما سوناطراك، الشركة الأولى على مستوى إفريقيا والثانية عشرة عالميا، والتي تسير وفق المعايير الدولية وتتنافس مع كبرى الشركات العالمية في أكثر من سبع بلدان عبر العالم! السؤال المطروح والذي يؤرق المواطن، ليس هو: لماذا يحدث ما يحدث، ولماذا يسرق السراق ويفسد المفسدون، لأنه مادامت هناك أموال وفيرة فهناك بالضرورة سراق، وطالما هناك مسؤولون على المال العام سيكون حتى من بينهم فاسدون مفسدون، تلك سنة الخالق في الخلق، ولكن لماذا وكيف تسنى لهؤلاء المسؤولين الفاسدين تحييد أجهزة الرقابة عن ممارسة مهامها، وكيف استطاع المسؤولون الفاسدون عزل أجهزة التفتيش وصمامات الأمان التي تتبع لمؤسسات أخرى ولا تقع ضمن نطاق صلاحياتهم! إن الدولة، الدولة المعاصرة، هي بالنهاية جملة من المؤسسات تتكامل فيما بينها، وبذات الوقت تشكل كل حلقة فيها سلطة موازية ومضادة للمؤسسة أو للمؤسسات الأخرى، حتى لا تطغى إحداهما على الأخريات. وإذا حدث أن وقع انحراف أو فساد في مؤسسة من المؤسسات فإن الأزمة لا تلبث أن تندلع في الآلية كلها، بحكم التكامل والترابط والتحييد المتبادل، مما يعجل في الكشف عن العجلة المعطوبة والمسارعة بتصليحها أو حتى تبديلها. طالما المال وفير والفساد متواصل، فإن أجهزة المراقبة والتفتيش واليقظة مطالبة هي أيضا بمواصلة السباق وراء الوباء، لا أن تغمض عينيها وتدخل في سبات إلى حين يملأ السراق جيوبهم، ثم يقبضون عليهم، لأن الفاسدين يكونون عندها قد هربوا الكثير من المال وألحقوا ضررا فادحا بالمال العام والاقتصاد الوطني? ما لم تتحول متابعة الفساد والسراق إلى عملية دائمة وبأسرع من الشراهة التي أبدوها في العشريات الأخيرة، فإن الرأي العام الوطني والفاسدين ذاتهم سيرونها مجرد لعبة بين القط والفأر يتلهيان بها لتمضية الوقت وتسخين العضلات بين شوطين، لذا يجب دعم كل الجهود التي تبذل في التصدي لوباء الفساد ومساندة الجهات التي تضطلع بهذه المهمة الوطنية. التحرير