بقلم: الأستاذ عبد الحميد عبدوس يبدو أن العلاقات الجزائرية الفرنسية تمر بمرحلة توتر محسوس، وتجلى ذلك في طلب الجزائر تأجيل زيارة وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير للجزائر إلى شهر مارس المقبل بعدما كانت مقررة أن تتم في شهر فيفري 2010 – هذا إن تمت إزالة أسباب التأجيل- وقد عبرت الخارجية الجزائرية خلال الأيام القليلة المنصرمة عن غضب الجزائر واحتجاجها الشديد على الإهانة الفرنسية للجزائر ولمسافريها بإدراجهم في قائمة مواطني الدول المعرضين للتفتيش العنصري والتمييزي في المطارات الفرنسية، وجاء ذلك الموقف الفرنسي تضامنا مع الإجراء الأمريكي الذي وضع مسافري 14 دولة، منها 13 دولة مسلمة في القائمة السوداء في مطارات أمريكا وعلى الرحلات الجوية القادمة إليها. وتعاني العلاقات الرسمية الجزائرية الفرنسية من هبوط في المستوى منذ وصول نيكولا ساركوزي إلى رئاسة الجمهورية في فرنسا خلفا لجاك شيراك الذي أراد -في عهده- فتح صفحة جديدة مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وصلت إلى حد اقتراح توقيع معاهدة صداقة بين الجزائروفرنسا لإبعاد علاقات البلدين عن مزاجية الخلفيات العاطفية وحساسيات الماضي الأليم، ولكن مصادقة البرلمان الفرنسي في فيفري 2005 على قانون تمجيد الاستعمار الفرنسي أجهض تلك النية الطيبة. وكان نيكولا ساركوزي من أنصار التفاخر بالماضي الاستعماري واتخذت فرنسا في عهده إجراءات استفزازية ضد الجزائر على المستوى الخارجي والداخلي، منها إقامة مؤسسة للذاكرة لتكريم »الحركى« الذين حاربوا ضد الجزائر، وإعادة الاعتبار للإرهاب الفرنسي في الجزائر من عناصر المنظمة المسلحة السرية (O.A.S) والإصرار على رفض الاعتذار للجزائر وتعويضها عن جرائم الاستعمار طوال 132 سنة من أعمال الإبادة المنظمة والتعذيب والتنكيل بالأهالي الجزائريين. إضافة إلى إثارة الشبهات وترويج اتهامات ضد الجيش الجزائري في قضية اغتيال الرهبان الفرنسيين بولاية المدية خلال سنوات العشرية الحمراء، ومحاولة الضغط على الجزائر والتأثير على سمعتها الدولية، باتهامها بأنها من الدول الساعية إلى تطوير أسلحة دمار شامل وإنتاج القنبلة النووية، وتعمد إهانة الجزائر بإلقاء القبض على الدبلوماسي الجزائري محمد زياني حسني في فرنسا واتهامه ظلما باغتيال المعارض الجزائري علي مسلي في سنوات الثمانينيات من القرن الماضي... كل هذه المشاكل التي تفتعلها فرنسا مع الجزائر للضغط عليها أو لمعاقبتها على تنويع علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية أو مع دول أوروبية أخرى دون أخذ الإذن من فرنسا –كما يحلو لها أن تتوهم ذلك في علاقاتها مع الجزائر- رغم مضاعفة التبادلات التجارية بين الجزائروفرنسا في السنوات الأخيرة...كل هذه التوترات دفعت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى إلغاء زيارته لفرنسا، هذا الإجراء اعتبر مؤشرا قويا على عدم رضا الجزائر عن بعض مواقف فرنسا في علاقاتها الثنائية وحتى الدولية، خصوصا انحراف الدبلوماسية الفرنسية في عهد الثنائي ساركوزي –كوشنير إلى الانحياز المفضوح لإسرائيل على حساب المصالح العربية والإسلامية. كما تتابع الجزائر بقلق صعود المشاعر العنصرية ضد الجالية الجزائرية المهاجرة، وقد تجسدت من خلال التلاعب بموضوع الهوية الوطنية في فرنسا لتقديم المهاجرين العرب ككبش فداء لغضب الفرنسيين من السياسة الاجتماعية للرئيس نيكولا ساركوزي. ولا يتردد الرئيس الفرنسي عن التدخل شخصيا لتوجيه النقاش نحو إثارة الخوف من المهاجرين والمسلمين كما فعل ذلك في موضوع حظر المآذن مطالبا المسلمين »بعدم التفاخر برموزهم الدينية«! أو في قضية النقاب، أو في موضوع المهاجرين وشعائرهم الدينية الإسلامية بنحر الأضحية، وهي كلها قناعات سياسية أو مناورات انتخابية كانت نتيجتها الفعلية جلب المزيد من المياه لطاحونة التيار اللوبيني العنصري، وترويج أطروحات الجبهة الوطنية في كراهية المهاجرين بفرنسا. وفي هذا السياق صرح مسؤول فرنسي كبير مثل جان كلود غودان رئيس بلدية مارسيليا محذرا من "اجتياح الأعلام الجزائرية" للمدن الفرنسية، كما لوحظ تصاعد قمع الشرطة للشباب المهاجرين خصوصا منهم الذين تظاهروا فرحا بفوز المنتخب الوطني الجزائري لكرة القدم على نظيره المصري يوم 14 نوفمبر الماضي (2009) بأم درمان. هذا الجو الملوث بفيروسات العنصرية والكراهية جعل جريدة (لونوفال أبسرفاتور) الفرنسية تنقل شهادة أحد الفرنسيين من أصول مغربية من المهاجرين تحدث فيها يوم 24 نوفمبر 2009 عن العنف البوليسي الذي تعرض له هو شخصيا مع بعض المحتفلين بفوز المنتخب الجزائري، وتلقى شتائم الشرطة الفرنسية التي وصفته »بالعربي القذر« كما قال. والحقيقة أن الكثيرين توقعوا أياما صعبة للمهاجرين خصوصا من ذوي الأصول المغاربية تحت حكم ساركوزي غير أنه يبدو أن اقتراب موعد الانتخابات في فرنسا قد زادها سوءا وصعوبة!