بقلم الأستاذ: محمد العلمي السائحي صرح برنارد كوشنير وزير خارجية فرنسا فيما نقلته عنه جريدة الشروق اليومي الصادرة بتاريخ 07 ربيع الأول1431 نقلا عن أسبوعية »جورنال دو ديمانش« أن العلاقات بين فرنساوالجزائر ستكون أقل تعقيدا حين يغادر جيل الثورة السلطة ويأخذ جيل الاستقلال زمام الأمور في الجزائر، ومعنى ذلك أن فرنسا تراهن على انقراض جيل الثورة، ولذلك نراها تماطل في توقيع الاتفاقيات التي تربطها بالجزائر، على أمل أن الجيل الذي يخلف جيل الثورة، يكون أقل تشددا معها، وبذلك تضمن أن تكون الاتفاقيات الموقعة مع الجزائر تصب في مصلحتها أكثر من مصلحة الجزائر، كما ينطوي هذا التصريح لوزير خارجية فرنسا، على نوع من التحريض لجيل الاستقلال لينقلب على السلطة، على اعتبار أنها تقف عقبة أمام تسوية الجزائر لعلاقاتها مع محيطها الدولي ومع فرنسا بشكل خاص، مما يفوت عليها الكثير من المصالح، والذي يعنينا من هذا التصريح أكثر من غيره، أن على السلطة- وفاء للشهداء الأبرار وحماية لحقوق الجزائريين- أن تكثف جهودها في محاربة النسيان، وأن تعمل بكل جد وبسرعة على استرجاع أرشيفها المهرب لتستعين به في تدوين تاريخنا الوطني عامة ومرحلة الكفاح المسلح خاصة، وتضمينه مناهجنا التربوية والتعليمية في مختلف مراحل التعليم ومستوياته، واستغلال معطياته في أنشطتنا الثقافية والفنية ، حتى نضمن بذلك عدم شذوذ جيل الاستقلال فيما يؤمن به من مبادئ ويتخذه من مواقف، لقد رد الكثير على كوشنير، ولكنهم بنوا ردودهم على اتساق المواقف بين جيل الثورة وجيل الاستقلال، وذلك ليس بصحيح ، فهناك من جيل الاستقلال من لا ينظر إلى فرنسا نظرة جيل الثورة لها، بدليل إقبال الكثير من أبناء الجزائر على طلب الجنسية الفرنسية، بينما كنا أيام نضال الحركة الوطنية، وأثناء الكفاح المسلح، بل وحتى في السنوات الأولى الاستقلال ينظر للتجنس باعتباره ردة عن الدين وخيانة للوطن، وإذا اعتبرنا ما تحتله اللغة الفرنسية من مكانة في الإدارة الجزائرية، وحملة التنصير الشرسة التي تديرها الكنيسة البروستانتية الإنجيلية والكنيسة الكاثوليكية عبر كنائسها الشرعية وغير الشرعية ومؤسساتها الخيرية ومراكزها الثقافية ووسائلها الإعلامية المسموعة والمرئية، وإذا أضفنا إلى ذلك ما يعانيه من مشاكل عديدة كالبطالة وأزمة السكن، فإننا ندرك ما يتعرض له جيل الاستقلال من خطر جسيم، يتهدده في عقيدته ولغته وهويته ومنتماه، ومن ثمة فلا ينبغي التعويل على أن عملية توريث المواقف بين جيل الثورة وجيل الاستقلال تتم بصورة تلقائية، فذلك مستحيل بالنظر لكل المؤثرات التي أسلفناها، ومن ثمة فلا مناص من أن تولي السلطة عنايتها لجيل الاستقلال وأن تهتم بتثقيفه تاريخيا حتى تضمن انسجام مواقفه مع مواقف جيل الثورة وبذلك تفوت الفرصة على فرنسا التي تراهن على نسيان الماضي، وإن هي لم تفعل فإنها ستكون قد غامرت بحاضر الجزائر ومستقبلها.