تشهد حركة مجتمع السلم تجاذبا سياسيا بين فريقين : جناح الرئيس الحالي للحركة أبوجرة سلطاني، وجناح العاملين على الإطاحة به، ويتمشهد التجاذب في شكل معركة حاسمة على صفحات الجرائد. وحركة مجتمع السلم، هي حزب إسلامي، رغم أن قانون الأحزاب يصر على أنها حزب سياسي بدون لون ، وبخضوعهم للقانون منذ عام 1996 ، فإن هذا الحزب يبقى إسلامي الجوهر والمضمون. وعادة ما يطلق على هذه الحركة تسمية " الإسلاميين المعتدلين " الذين يتكيفون مع قوانين الجمهورية ولا يستخدمون معها العنف اللفظي أو الإعلامي أو السياسي، ويتجهون نحو التمظهر العصري بلباس البذلة وربطة العنق، والتخلي عن اللحى أو إعفائها بشكل ملفت، والإهتمام بالمظهر الفزيائي والسلوكي لرجالها من الوزراء إلى النواب وما دونهم، وطبعا بدئا برئيسها الحالي أبو جرة سلطاني، والزعيم التاريخي الراحل محفوظ نحناح، الذي سبق له أن أحدث زوبعة في التسعينيات عندما صرح قائلا : " لو ما زال الرسول ( ص) حيا للبس " الألباقا " وهي موضة أحدثت تألقا في أواخر الثمانينات ومطلع التسعينيات. * الإعتدال المدر للربح باعتدالها و " تميز " قراءتها للمشهد السياسي في رحاب الأحزاب الإسلامية، ساهمت حركة مجتمع السلم بطريقتها في تطويق العمل الإرهابي وحصنت الإسلام من اتهامه بالإرهاب على الإطلاق. وليس صعبا على الملاحظين إدراك هذه الحقيقة، يكفي أن نطرح التساؤل التالي لاستخلاص دلالات مفيدة : ماذا لو التحق جميع الإسلاميين الجزائريين بالعنف في مطلع التسعينيات ؟ ليس غريبا أن تكون السلطة الجزائرية بشقيها الفعلي والرسمي تدرك هذه الحقيقة، لذلك لم يكن بدا لها من إشراك حركة مجتمع السلم في الحكومة. لكن هذا الإقرار الضمني، وهذا " اللين السياسي " وانتهاج سياسة المشاركة والمطالبة، والإعتدال ، والتمظهر العصري في الزي والهندام، لم يمنع تيارات فكرية على الساحة الجزائرية بوصف حركة مجتمع السلم ب " الأخطر من الجبهة الإسلامية للإنقاذ ". بعد رحيل الشيخ نحناح رحمه الله، شهدت الحركة أول معركة سياسية ديمقراطية على خلافة زعيمها ، حيث تنافس على منصب الرئيس شخصيتان ، وحكمت الصناديق لصالح أبو جرة سلطاني بفارق طفيف من الأصوات. في انتخابات ديمقراطية أشادت بها الصحافة الجزائرية حينذاك. وفي لفتة سابقة في العمل السياسي في الجزائر أقدم أبو جرة سلطاني على تكريم منافسه وتعيينه في منصب نائب الرئيس. في رئاسيات 1999 ، أقدم الشيخ محفوظ نحناح على دعم ترشيح بوتفليقة لرئاسيات أفرييل 1999 رفقة جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي ، بحجة أن بوتفليقة حينذاك هو " مرشح التعليمات الفوقية " التي تعني الجيش في نظر المحللين. وفي رئاسيات 2004 أقدم أبو جرة سلطاني على دعم بوتفليقة أيضا بتوقيعه على عقد " التحالف الرئاسي " بين الأحزاب الثلاثة نفسها. وتأتي رئاسيات 2009 في ظرف حساس بالنسبة لحركة مجتمع السلم، ففترة رئاسة أبو جرة سلطاني للحركة أوشكت على نهايتها، وهو ما حال دون التحاق حركة مجتمع السلم بحلفائها التاكتيكيين في التحالف الرئاسي لدعم تعديل الدستور وترشيح بوتفليقة لعهدة ثالثة. وتشهد الحركة اليوم سجالا سياسيا أو حربا بدون لحي حول منصب الرئيس ، يأخر كثيرا الحسم تجاه تعديل الدستور. * الجحة والحجة المضادة والواقع ما يحدث في الحركة ليس " بدعة سياسية " ، لقد شهدت جبهة التحرير غليانا أخطر منه، سواء عشية رئاسيات 2004 ، أوعشية رئاسيات 2009 في خرجة عبد الرزاق بوحارة وجماعته الذين استسلموا لبلخادم قبل بداية المعركة في نزل الموفلون دور بالجزائر العاصمة في دورة المجلس الوطني للحزب. وعندما نقرأ بموضوعية وإنصاف ما يحدث داخل الحركة، يمكن التأكيد أن هناك " حرب مواقع " بين رجال الحركة، والرغبة في السلطة حق من الحقوق الطبيعية بإجماع علماء السياسة والإجتماع. ولأنها حرب مواقع، فإن معارضي الشيخ أبو جرة سلطاني، يرغبون في انتخاب رئيس الحركة في المجلس الشوري حيث يسيطرون على الأغلبية، بينما يرغب أنصار أبو جرة في انتخاب الرئيس من قبل المؤتمر لأنهم يعتقدون أن القاعدة لصالحهم. ويعتقد المعارضون لفوز أبو جرة بعهدة ثانية على رأس الحركة أن حزبهم أخفق في تحقيق مكاسب سياسية في عهده، وبالتالي لابد من إزاحته. ويتحججون بنتائج الإنتخابات التشريعية في ماي والمحلية في نوفمبر من العام الماضي. ويرى أنصار أبوجرة أن الحركة حققت مكاسب كبيرة من تحالفها مع الرئيس بوتفليقة. منها منح رئيسها منصب وزير دولة بدون حقيبة وهو ما يؤهله لحضور اجتماع مجلس الحكومة ومجلسي الوزراء، ومنحها عدة حقائب وزارية هامة منها الأشغال العمومية والتجارة، فضلا عن تكريم زعيمها الراحل الشيخ نحناح بدفنه في مربع الشهداء بمقبرة العاليا. أما قضية نتائج الإنتخابات، فيراها أبو جرة سلطاني شخصيا أنها كانت إيجابية جدا بتحقيق تقدم من حيث عدد المصوتين على الأقل حيث حصدت في المحليات نحو 800 ألف صوت، وهو ما يقابله نحو 1495 مقعدا في المجالس البلدية. محققة تقدما كبيرا من حيث زيادة عدد الأصوات مقارنة بعام 2002 ، حيث حصدت نحو 300 ألف صوت زيادة، كما فازت بالمرتبة الأولى في مجلسين ولائيين. أما تمسك خصوم أبو جرة بشعرة موسى تواتي، بقوله إن الحركة تراجعت إلى المركز الرابع، فاسحة المركز الثالث الذي كان يعد " ملكا لها " من الناحية التاريخية خلال السنوات العشرة الأخيرة، بعد كل من الأفلان والأرندي، إلى حزب الجبهة الوطنية الجزائرية، فإن الحقيقة هي أن حزب موسى تواتي لا يمكن اعتباره حزب إيديولوجي وبالتالي فإنه سيظل لسنوات عاجزا عن تحقيق أي انتصار سياسي تاكتيكي أو استراتيجي. وحتى إذا كان هناك تراجع، فللإنصاف، لقد تراجعت حتى جبهة التحرير الوطني، وهي أكبر حزب في البلاد. لكن هناك تفسير آخر لتراجع عدة أحزاب بالمقارنة بانتخابات سابقة، تمليها أولا الظروف السياسية المحيطة بكل عملية، حيث ينبغي التقييم على أساسها. والعامل الثاني هو عامل غير مرئي، مفاده أن عهد " سيطرة الحزب الواحد قد ولت " ولا يمكن لا لأبو جرة ولا لغيره تحقيق السيطرة على المجالس الوطنية أو المحلية. وهكذا إذن يعمل أبو جرة على انتخاب الرئيس من المؤتمر، وحجته أن المؤتمر هو أعلى هيئة للحزب، بينما يعمل خصومه على انتخابه من قبل المجلس الشوري باعتباره هو نفسه منتخب. لكن خصومه يتخوفون من احتمال إعادة انتخابه من طرف المؤتمر " فيتدكتر عليهم " . لكن أبوجرة راح " يجلد خصومه " بسياطهم، فهم يعيبون عليه اتخاذ بعض القرارات بدون توسيع قاعدة المشاركة إلى المجلس الشوري، فالعمل الديمقراطي يقتضي ذلك، وهاهو يوسع قاعدة المشاركة إلى أقصى درجاتها بالعمل على انتخاب الرئيس من قبل المؤتمر. ومعارضة الفكرة في حد ذاتها قد لا تخدم أصحاب الثورة البرتقالية إذا جاز أن نستعير المصطلح من أوروبا الشرقية وحتى من كينيا. * مفترق الطرق .. وكلها تؤدي إلى يثرب بعيدا عن حرب المواقع التي تحدثنا عنها، ويغض النظر عن قوة حجة هذا أو ذاك، فإن حركة مجتمع السلم تجد نفسها في موقف سياسي حرج، تمليها تفاعلات الساحة السياسية مع رئاسيات 2009. وحرب المواقع قد " تعمي الحركة " عن اتخاذ القرار السليم الذي يخدم مصالحها من الناحية التاكتيكية والإستراتيجية. لقد أحدث حزب التجمع الوطني الديمقراطي " مفاجأة كبيرة " بعد قراره التراجع عن مواقفه السابقة، وتأييد فكرة تعديل الدستور وترشيح بوتفليقة لعهدة ثالثة. وهو ما وضع حركة حمس في موقع أكثر تعقدا مما يتصور المتصارعون على كرسي رئاستها. فالتجمع الوطني الديمقراطي هو ثاني أكبر حزب يؤيد ترشيح بوتفليقة لعهدة رئاسية ثالثة 2009 – 2014 بعد جبهة التحرير الوطني ، غير أن انضمام التجمع الوطني الديمقراطي لهذا المسعى له وقع خاص وقراءة خاصة يستخلصها العارفون بخبايا الفعل السياسي في الجزائر مفادها " أن هناك إجماعا في أعلى هرم السلطة وتحديدا المؤسسة العسكرية على تعديل الدستور وترشيح بوتفليقة لعهدة ثالثة ". السؤال المطروح حاليا في الساحة السياسية في الجزائر : هل تلتحق حركة مجتمع السلك مع نظرائها في التحالف الرئاسي وتدعم تعديل الدستور وترشيح بوتفليقة لعهدة ثالثة أم تنتهج نهجا مغايرا ؟ يرى كثير من المحللين أن حركة مجتمع السلم فوتت على نفسها فرصة " تحقيق انتصار تاكتيكي واستراتيجي " لعدم مبادرتها في وقت مبكر نحو دعم مقترحات ببلخادم. وهي الآن إن التحقت سيكون التحاقها بدون تأثير. لأن اللعبة تبدو مغلقة لصالح تعديل الدستور وإعادة انتخاب بوتفليقة لعهدة ثالثة. لكن قرار أويحيى الإلتحاق المفاجئ بالأفلان، يخدم كثيرا أبو جرة سلطاني ويعزز مواقعه. ذلك أن خصوم أبو جرة إذا تمكنوا من الإطاحة به، فما عليهم سوى انتهاج سياسة مختلفة عن سياسة أبو جرة التي أدت بالحركة إلى التقهقر مثلما يزعمون. وليس هناك دليل يؤكد هذا سوى معارضة التعديل الدستوري، أو قطع شعرة معاوية مع التحالف الرئاسي والزج برئيسها الجديد مهما كان اسمه ووزنه إلى حلبة منافسة بوتفليقة في رئاسيات 2009. والواقع يشير إلى أن هذا التوجه سيجلب البلاوي للحركة أكثر مما يتصورون. فالأحزاب الجزائرية تعتقد أحيانا أن لديها مناضلين ملتزمين. بينما جمعيات المجتمع المدني التابعة لعدة أحزاب كانت سباقة لإعلان تأييدها لتعديل الدستور وترشيح بوتفليقة لعهدة ثالثة، ولم تنتظر أي تعليمة من قيادة الحزب الذي تنتمي إليه. وفي حالة دراسة الوقائع والمتغيرات الجديدة، مع دراسة استشرافية موضوعية، فإن حركة مجتمع السلم ستجد نفسها تسير في فلك تأييد تعديل الدستور وعهدة ثالثة لبوتفليقة. لكن في هذه الحال ستتحمل القيادة الجديدة ضغط القاعدة، لأنها تكون قد أطاحت بالرئيس السابق الذي يكون أكثر تأهيلا لخوض هذا التوجه . وعلى هذا الأساس فإن التوجه نحو إعادة انتخاب أبو جرة سلطاني يبدو أفضل للحركة ، سياسيا وداخليا، حسب كثير من المراقبين. وفي حالة " الإتفاق على إعادة انتخاب سلطاني، أو في حالة فوزه في انتخابات المؤتمر المرتقب في أواخر مارس القادم، فلن يبقى هناك أدنى شك أن التيار المنتصر سينظم لنظرائه في التحالف الرئاسي. فقد سبق لأبوجرة سلطاني أن صرح بالحرف الواحد " إن بلخادم أفسد على بوتفليقة عهدة ثالثة طبيعية " ، بمعنى أنه مستعد لدعمه في صمت بدون ضجة. وهكذا يمكن التوقع أن كل القراءات للمشهد السياسي تؤدي بحركة مجتمع السلم إلى إعادة انتخاب أبو جرة على رأس الحركة، وتزكية تعديل الدستور وترشيح بوتفليقة لعهدة ثالثة. فكل الطرق تؤدي إلى يثرب. ويثرب تبدو أضمن سياسيا للحركة، وأقدر على لمّ فرقتها الداخلية. وللتاريخ .. لم تنجح أي حركة برتقالية لحد الآن على مشارف موسكو، أو في أدغال إفريقيا، باستثناء برتقاليو حركة النهضة والإصلاح ضد عبد الله جاب الله.