احتلت الجزائر المرتبة الخامسة عربيا استنادا إلى تقرير مبادرة الإصلاح العربي الذي تم تقديمه الاثنين المنصرم بالعاصمة الفرنسية باريس، والمتعلق بمؤشر الديمقراطية في العالم العربي لسنتي 2009 و2010 ، وطرح وضع عدد من الدول العربية في مقدمة الترتيب، رغم أوضاع الممارسة السياسية والحقوقية بها العديد من التساؤلات حول مصداقية التقرير المذكور والأهداف الحقيقية للجهة التي تصدره. رتبت الجزائر في الصف الخامس مباشرة بعد لبنان، برصيد 570 نقطة، من خلال مؤشر الديمقراطية العربي 2009-2010، الذي يقيس حالة الديمقراطية في العالم العربي، ويعنى هذا المقياس، الذي يتابع سنويا حالة الإصلاح في العالم العربي، وضعية الديمقراطية في عشرة بلدان هي الجزائر والمغرب ومصر والمملكة العربية السعودية والأردن والكويت ولبنان وفلسطين وسورية واليمن، عبر تجميع وتحليل معطيات تتعلق بأربعين مؤشرا يرتبط بمسلسل الانتقال الديمقراطي. وتصدر الأردن قائمة الدول التي شملها التقرير برصيد نقاط بلغ 620 نقطة على مقياس من 0 إلى 1000 نقطة، وتلاه المغرب برصيد 601 نقطة، ثم مصر 596 نقطة، واحتل لبنان المرتبة الرابعة برصيد 583 نقطة ، تليه الجزائر برصيد 570 نقطة ثم الكويت 553 نقطة، في حين حصلت فلسطين على المركز السابع برصيد 506 نقاط وتبعتها سوريا برصيد 461 نقطة ، ثم اليمن برصيد 457 نقطة ، بينما حلت المملكة العربية السعودية في المركز العاشر برصيد 402 نقطة، أي في ذيل القائمة الخاصة بالعينة المتكونة من 10 دول عربية. وتضم مبادرة الإصلاح العربي عدداً من الأسماء والمراكز البارزة في المنطقة مثل مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في المملكة العربية السعودية ، ومركز الخليج للأبحاث في الإمارات العربية المتحدة ، ومركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالإضافة إلى منتدى الإصلاح العربي بمكتبة الإسكندرية بمصر، وغيرها من المراكز في أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وجاء في تقرير المبادرة الذي أعلن عنه الاثنين المنصرم في مؤتمر صحافي في معهد الدراسات الأمنية التابع للاتحاد الأوروبي في باريس ، إن المنطقة تتمتع بالوسائل المؤسسية الضرورية للتحول نحو الحكومات الديمقراطية ، وإن كانت لم تقم بعد بتطبيقها عملياً،وتسعى مبادرة الإصلاح العربي إلى توظيف هذا المؤشر كآلية موضوعية وملموسة لقياس مدى التغير في العملية الديمقراطية ومستوى أهميتها واستدامتها. المبادرة التي تغطي لحد الآن عشر دول عربية، تسعى لشمول الدول العربية كافة، وتقيس الدراسة أربعين مؤشراً لقياس أربع قيم ومبادئ أساسية تتعلق بالعملية الديمقراطية وهي: »وجود مؤسسات عامة قوية ومسؤولة ، واحترام الحقوق والحريات، وسيادة القانون، والمساواة والعدالة الاجتماعية«، وتقيس هذه المؤشرات المختارة قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية يومية تعكس في مجملها مختلف جوانب عملية صنع القرار الديمقراطي. ويتم جمع البيانات لمؤشر الديمقراطية العربية من ثلاثة مصادر مختلفة هي: الجانب القانوني والرأي العام وممارسات الأنظمة، وعليه فإن هذه المقاييس تستند إلى تقييم الأداء والسلوك عوضاً عن دراسة النوايا وهيكليات النظام ، وذلك انطلاقاً من أن النوايا قد تكون حسنة بينما يكون الأداء ضعيفاً، وجاء في التقرير أن مؤشر الديمقراطية العربية يتفوق على التقارير الموجودة في جانبين: »الأول أنه يضع في عين الاعتبار كلاً من الانطباعات وأنماط السلوك ، والثاني أنه يقيس أثر هذه السلوكيات على حياة المواطن اليومية، ويتمحور هذا المؤشر حول مركزية فكرة المواطنة بدلاً من السلطة السياسية ، لذا فإنه يتجه نحو قياس الأثر الاجتماعي والاقتصادي الذي تحدثه تغيرات النظام السياسي للدولة على حياة الأشخاص«. تؤكد مبادرة الإصلاح العربي على الحاجة الملحة في العالم العربي إلى ضمان قدر أكبر من الحريات السياسية والمدنية ، ليس من خلال مزيد من التشريعات وحسب ، وإنما من خلال تعزيز دور المؤسسات الرقابية ومؤسسات حقوق الإنسان. وبالإضافة إلى ذلك ، تشير مبادرة الإصلاح العربي إلى الحاجة الملحة إلى أن تصبح قضايا العدالة الاجتماعية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية أساساً لعملية الإصلاح ، بحيث يتزامن ذلك مع إصلاح للنظام التعليمي من خلال تخصيص ميزانيات أكبر ومكافحة الأمية وخفض معدلات التسرب من المدارس ورفع مستوى ظروف التعليم ، وخاصة بالنسبة للإناث. وحسب تقرير المبادرة العربية حول الديمقراطية فإن إحداث تغيير حقيقي يقتضي تحولاً في ثلاثة مجالات هي: »القوانين والعملية الانتخابية التي تجمع قطاعات المجتمع وتقضي على ظاهرة التمييز ، وتطوير أنظمة ضريبية تستند إلى مبادئ فرض الضرائب التصاعدية والتوزيع العادل للثروات ، وتطوير نظام تعليمي على أسس أخلاقية واجتماعية متينة ، يستند إلى مبادئ التعددية والعلمانية«. والتركيز هنا على العلمانية يعطي فكرة واضحة عن توجهات مبادرة الإصلاح العربية التي لا تعتمد على مقاييس موضوعية و أكاديمية محايدة في ترتيب الدول في السلم التي تضع استنادا إلى تقييمها للممارسة الديمقراطية في العالم العربي، وفضلا عما ذكر فإن وضع عدد من الدول العربية في مقدمة الترتيب رغم الوضع المأساوي للحقوق والحريات والممارسة السياسية بها، على غرار المغرب وخصوصا مصر، قد يعطي صورة ولو تقريبية عن الجهة التي تحرك المبادرة العربية والتي تهدف على ما يبدو إلى تشجيع بعض الأنظمة "أنظمة التطبيع" على تسمى » الدول المعتدلة «، على حساب الدول الأخرى التي تدفع ربما ثمن غيرتها على سيادتها ورفضها سياسة الخنوع والانبطاح أمام السياسة الأمريكية والصهيونية في المنطقة العربية.