محتالون يستهدفون المسنين لسلب أموالهم    مستحضرات التجميل تهدد سلامة الغدة الدرقية    الشروع في إنجاز سكنات "عدل 3" قريبا    الرئيس تبون جعل السكن حقّا لكل مواطن    مجلس الأمن: مجموعة "أ3+" تؤكد على ضرورة احترام سيادة سوريا وتدعو إلى وقف شامل لإطلاق النار    الرابطة الأولى موبيليس - تسوية الرزنامة: شبيبة القبائل ينفرد مؤقتا بالصدارة وشباب بلوزداد يواصل سلسلة النتائج الايجابية    الوضع العالمي مؤسف.. والجزائر لا تريد زعامة ولا نفوذا في إفريقيا    تتويج مشروع إقامة 169 سكن ترقوي بتيبازة    افتتاح الملتقى الكشفي العربي السادس للأشبال بالجزائر العاصمة    عناية رئاسية لجعل المدرسة منهلا للعلوم والفكر المتوازن    شياخة: هذا ما قاله لي بيتكوفيتش واللعب مع محرز حلم تحقق    "الكاف" تواصل حقدها على كل ما هو جزائريٌّ    صيود يسجل رقما وطنيا جديدا في حوض 25 متر    رفع مذكرات إلى رئيس الجمهورية حول قضايا وطنية هامة    حملة "تخوين" شرسة ضد الحقوقي المغربي عزيز غالي    "حماس" تؤكد إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار    "الوزيعة"عادة متجذّرة بين سكان قرى سكيكدة    لقاء السنطور الفارسي بالكمان القسنطيني.. سحر الموسيقى يجمع الثقافات    تأسيس اتحاد الكاتبات الإفريقيات    حكايات عن الأمير عبد القادر ولوحاتٌ بألوان الحياة    5 مصابين في حادث مرور    دبلوماسي صحراوي: "دمقرطة المغرب" أصبحت مرتبطة بتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية    نجاح الانتخابات البلدية في ليبيا خطوة نحو استقرارها    الإطاحة بعصابة تروِّج المهلوسات والكوكايين    اليوم العالمي للغة العربية: افتتاح المعرض الوطني للخط العربي بالمتحف الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط بالعاصمة    الجزائر تتسلم رئاسة الدورة الجديدة لمجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب    سوناطراك: استلام مركب استخراج غاز البترول المسال بغرد الباقل خلال السداسي الأول من 2025    "اللغة العربية والتنمية" محور ملتقى دولي بالجزائر العاصمة    المالوف.. جسر نحو العالمية    مشروع جزائري يظفر بجائزة مجلس وزراء الاسكان والتعمير العرب لسنة 2024    المحكمة الدستورية تكرم الفائزين في المسابقة الوطنية لأحسن الأعمال المدرسية حول الدستور والمواطنة    هيئة وسيط الجمهورية ستباشر مطلع سنة 2025 عملية استطلاع آراء المواطنين لتقييم خدماتها    ربيقة يواصل سلسة اللقاءات الدورية مع الأسرة الثورية وفعاليات المجتمع المدني    ترشيح الجزائر للسفيرة حدادي لمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي يهدف لخدمة الاتحاد بكل جد وإخلاص    آفاق واعدة لتطوير العاصمة    مولوجي: علينا العمل سويا لحماية أطفالنا    95 بالمائة من المغاربة ضد التطبيع    إلغاء عدّة رحلات مِن وإلى فرنسا    عطّاف يلتقي نظيره الإثيوبي    مولى: الرئيس كان صارماً    برنامج الأغذية العالمي يعلن أن مليوني شخص في غزة يعانون من جوع حاد    الاتحاد يسحق ميموزا    حرمان النساء من الميراث حتى "لا يذهب المال إلى الغريب" !    انطلاق فعاليات "المهرجان المحلي للموسيقى والأغنية الوهرانية" : وزير الثقافة يدعو إلى ضرورة التمسك بالثقافة والهوية والترويج لهما    تصفيات مونديال 2026 : بيتكوفيتش يشرع في التحضير لتربص مارس    اتفاقية تعاون بين كلية الصيدلة ونقابة المخابر    وفاة الفنان التشكيلي رزقي زرارتي    سوريا بين الاعتداءات الإسرائيلية والابتزاز الأمريكي    جزائريان بين أفضل الهدافين    خطيب المسجد الحرام: احذروا الاغترار بكرم الله وإمهاله    المولودية تنهزم    90 بالمائة من أطفال الجزائر مُلقّحون    الجوية الجزائرية تعلن عن تخفيضات    التوقيع على اتفاقيات مع مؤسّسات للتعليم العالي والبحث العلمي    باتنة : تنظيم يوم تحسيسي حول الداء المزمن    الصلاة تقي من المحرّمات وتحفظ الدماء والأعراض    كيف نحبب الصلاة إلى أبنائنا؟    أمنا عائشة رضي الله عنها..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دحو ولد قابلية ل صوت الأحرار
نشر في صوت الأحرار يوم 17 - 06 - 2008

يؤكد دحو ولد قابلية رئيس جمعية قدماء "المالغ" في هذا الحوار الذي خص به "صوت الأحرار" على الدعم الكبير الذي تلقته الثورة الجزائرية من قبل الأشقاء العرب، سيما دول الجوار التي كانت بمثابة قواعد خلفية لثورة الفاتح نوفمبر، موضحا في المقابل إلى أن تصريحاته الأخيرة التي أشار فيها إلى بعض السلبيات التي شابت علاقات الثورة ببعض الدول العربية ومنها محاولة التدخل في استقلالية الثورة، قد طالها عديد من التحريفات والتأويلات التي لم تكن في محلها، ونفى بشكل قاطع أن يكون النظام المغربي يشترط اقتسام الأسلحة الموجهة إلى الجزائر مقابل تمريرها عبر موانئه.
حوار:سميرة بن عودة
*أثارت تصريحاتكم الأخيرة حول دور بعض الدول العربية في دعم الثورة الجزائرية ردود فعل متباينة، منها من اعتبرها تقزيما للدعم العربي، ما تعليقكم؟
** أنا أول من تفاجأ من التحريفات والتأويلات التي لحقت بتصريحاتي بالنسبة لعدة نقاط، وأعتبر ذلك مساسا بمصداقيتي أولا وببعض الدول العربية الشقيقة التي قيلت عنها أشياء مبالغ فيها في أغلبيتها وأشياء أخرى غير صحيحة أصلا لم أدل بها في محاضرتي. وأغتنم الفرصة هنا لتوضيح ما تناقلته بعض المنابر الإعلامية نقلا عني، فحسب ما جاء في تأويلاتها أنني قلت أن أغلب الدول العربية لم يكن لها دعم للثورة الجزائرية، وأن الدول التي قدمت الدعم كان مبنيا على مساومة كبيرة.
إذا تكلمنا عن الدعم فإن الدعم كان موجودا ولا يمكن لأحد أن ينكره، سيما الدعم السياسي الذي كان كبيرا قبل اندلاع ثورة نوفمبر، باعتبار أن المسؤولين الذين فجروا الثورة كانت لهم علاقة مباشرة مع لجنة التحرير المغربي التي كانت موجودة في القاهرة، وكان هناك اتفاقا على خطة مبنية على الدعم وعلى التنسيق والتضامن في حرب شاملة تجمع الدول المغاربية الثلاث ضد المستعمر الفرنسي.
وقد سارت الأمور على هذا النحو لمدة سنة أو سنتين، وكان هناك تضامن سياسي وإعلامي واسع من خلال نشاط الإذاعات والجرائد لدعم ومساندة الثورة، لكن فيما بعد وخاصة بعد حصول الدول المجاورة الشقيقة على استقلالها تغير الوضع وأصبحت هذه الأخيرة منشغلة بمعركة بناء الدولة ومراعاة مصالحها والتفكير في تنمية أقاليمها، وهو ما أدى إلى نوع من التعارض بين المصالح السياسية والإستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الدول الفتية ، وبين التزاماتها اتجاه الثورة الجزائرية التي كانت موجودة بقوة في هذه الدول سواء كنظام جبهة التحرير أو جيش التحرير أو اللاجئين الجزائريين الذين كان عددهم بين الدولتين يفوق المليون شخص وهو ما طرح جملة من المشاكل ونحن نعترف بذلك، ولكن قيادة الأفلان كانت تتحكم دوما في الأمور وبصرامة كبيرة وكانت تحاول قدر الإمكان احترام سيادة الدولتين، وبالخصوص في تونس، لأن الرئيس الراحل لحبيب بورقيبة كان معروفا بغيرته المبالغ فيها على السيادة التونسية، ولم يكن ليقبل بأن الأفلان أو الجزائريين يخلقون له دولة داخل دولته "تونس"، وهو ما جعله يكون قاسيا نوعا ما مقارنة بالمغاربة في التعامل مع الجزائريين.
وفي سياق الحديث عن الدعم السياسي، نشير أيضا إلى الدعم الشعبي الكبير الذي تلقته الثورة التحريرية من الدول العربية وبشكل خاص في تونس والمغرب، كما أن الملك محمد الخامس كان محبا للشعب الجزائري وكان وفيا لالتزاماته اتجاه الجزائر، ونفس الشيء بالنسبة للرئيس بورقيبة رغم طبعه الصعب نوعا ما، لكن لا يجب إغفال مسألة أخرى وهي أنه بين القادة والشعوب هناك مستويات أخرى ففي المغرب مثلا كانت هناك أحزاب سياسية:حزب الاستقلال واتحاد القوات الاشتراكية، لم يكونا راضيين على الدعم المقدم للثورة الجزائرية، بل كانا يريدان مقابلا لهذا الدعم.
*وما هو هذا المقابل ؟
**المقابل تم الإعلان عنه وطرحه بشكل صريح ومباشر سنة 1956 في تصريحات الفاسي، التي قال فيها "إن دعمنا للجزائر هو مقابل استرجاع المغرب للأراضي الصحراوية التي هي تحت الوصاية الفرنسية"، قالها صراحة وأضاف بأن الأمر لا يتعلق بمجرد مطلب سياسي بل له أبعادا حساسة وحيوية بالنسبة للاقتصاد المغربي، وأنه لا بد من العودة من وجهة نظره إلى المغرب الكبير الذي يمتد إلى غاية موريتانيا، ولم يتوقف عند حد التصريحات بل عمد النظام المغربي إلى تكوين لجان على مستوى الحكومة، في عهد الوزير محمدي مع السعي إلى التفاوض مع فرنسا في مسألة الحدود، إلا أن هذه الأخيرة أغلقت الباب وأصرت على عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار، ورفضت أي تغيير، وقالت إن كان هناك أي نزاع بخصوص الحدود يجب أن يدرس مع دول أخرى سواء مع الدول المحاذية للصحراء أو الدولة الجزائرية في الوقت المناسب.
*كيف تعاملت قيادة الثورة آنذاك مع هذا المطلب؟
**إن موقف قيادة الثورة يمكن التعبير عنه من خلال ما أدلى به العقيد لطفي الذي كان يتولى قيادة الثورة بجانب الحدود المغربية، عندما سئل أين تنتهي حدود الجزائر؟ أجاب بالقول:" كل شبر من الأرض التي سقطت فيه قطرة دم جزائري هو أرض جزائرية"، وأشير هنا إلى أن قيادة الثورة كانت متمسكة بالحدود التي رسمتها السلطات الاستعمارية، لأنه المبدأ المعمول به في الأمم المتحدة.
*وماذا عن المصالح الخاصة لهذه الدول والتي تعارضت من وجهة نظركم مع الثورة الجزائرية ؟
**بالنسبة لهذه المصالح والتي كان لها تأثيرا كبيرا على علاقات الدولتين بالثورة الجزائرية، فهي بالنسبة للمغرب تتمثل في المطالبة بشكل مباشر بمساحة كبيرة من الأراضي الجزائرية، وهذا غير مقبول خاصة وأننا كنا في حرب ضارية مع القوات الاستعمارية الفرنسية، وكنا مجبرين على تهدئة الأجواء بيننا وبينهم، خاصة بعد وقوع معارك دامية على الحدود بين جيش "المخازنية"وقوات جيش التحرير الوطني وما تعرضت له العروش والقبائل الموجودة على الحدود مثل أولاد جرير ورقيبات من ضغط كبير، حيث كان يصر النظام المغربي على منحهم بطاقات تعريف مغربية، أمرت قيادة الثورة بتمزيقها لنسلمهم في المقابل بطاقات هوية جزائرية، هذا التوتر استمر مدة طويلة إلى أن اضطرت قيادة الثورة إلى التلويح بكتاب أبيض كانت سترفعه أمام الرأي العام الدولي، لكن الملك محمد الخامس تدخل واقترح اجتماعا في طنجة في أفريل 1958 حضرته الأحزاب التي كانت في الطليعة وهي حزب الاستقلال واتحاد القوات الاشتراكية بالنسبة للمغرب وحزب الدستور بالنسبة لتونس وجبهة التحرير الوطني عن الجزائر، وكنا ننتظر طرح الأزمة بين الجزائر والمغرب في هذا اللقاء، لكن الحضور التونسي أرجأ القضية، وكان القرار هو الحديث عن ميثاق لبناء العلاقات في المستقبل وتأجيل هذه القضايا العالقة لوقت لاحق، رغم أن بوصوف كان قد حضر ملفا كاملا من 25 أو 30 صفحة حول النزاع الحدودي بين الجزائر والمغرب والملف موجود حاليا في الأرشيف الوطني.
*وماذا عن العلاقات الجزائرية التونسية آنذاك، كيف أثرت عليها هذه المصالح؟
**بالنسبة لتونس وإلى غاية سنة 1958 كانت العلاقات عادية، لكن مع مرور الأيام وبعد أن أصبح الجيش الجزائري أكثر قوة وأكثر تسلحا وأصبحت ضرباته للقوات الاستعمارية موجعة، خاصة بعد تنفيذ أحكام بالإعدام ضد جنود فرنسيين أسرتهم قوات جيش التحرير ردا على إعدام أسرى جزائريين، وبعد الرد الفرنسي بما يعرف بأحداث ساقية سيدي يوسف، التي راح ضحيتها العديد من المواطنين التونسيين، حدث ما يشبه الانكماش أو التراجع من القيادة التونسية، حيث أصبحت السلطة التونسية تتخوف من رد الفعل الفرنسي، سيما بعد هجومات جيش التحرير على الحدود الشرقية ضد قوات الاستعمار الفرنسي مثل معركة سوق أهراس التي استمرت 5 أيام بين الجيش الجزائري الذي كان بصدد عبور الحدود والقوات الفرنسية التي كانت تتربص به، واستعمل الجيش الجزائري آنذاك أسلحة ثقيلة ألحقت بالفرنسيين خسائر هامة في الجنود والعتاد، فكان الحل بالنسبة للفرنسيين هو الضغط على تونس، وهذه الأخيرة قامت بعض التضييق على الجزائريين.
أما الأزمة الحقيقية التي وقعت بين قيادة الثورة والسلطة التونسية فكانت نتيجة للاتفاقية التي وقعتها الحكومة التونسية مع الحكومة الفرنسية من أجل تحويل البترول الجزائري عن طريق أنبوب عابر للتراب التونسي عبر ميناء سخيرة بالقرب من مدينة قابس، وهي الاتفاقية التي نددت بها الجزائر كما بعث مجلس التنسيق والتنفيذ للثورة ببرقية إلى الحكومة التونسية وهدد بمهاجمة الأنبوب وتفجيره، وهي الأزمة التي كان لها انعكاس على مؤتمر تونس الذي جمع الهيئات التنفيذية والذي جاء بعد شهرين على لقاء طنجة، حيث كانت هناك محاولات تونسية لكسر المؤتمر ونسف كل ما تقرر في طنجة من تنسيق وتأسيس هيئات مشتركة مثل "مجلس استشاري" و"أمانة مشتركة" وتقرير ميزانية خاصة للثورة الجزائرية، وأخذت الأزمة أبعادا أخرى حيث أوقفت السلطات التونسية نقل الأسلحة عبر التراب التونسي، وأوضح هنا مسألة هامة وهي أن القيادة التونسية لم تأخذ أسلحة كانت موجهة إلى الثورة وإنما الأسلحة كانت تدخل الثكنات التونسية ثم تسلم لا حقا للجزائريين، ومن بين التضييقات التي مارستها القيادة التونسية هي توقيف جريدة المجاهد التي كانت تنشر وتوزع في تونس، كما أوقفوا بعض المسؤولين ومنهم ضباط كبار مثل علي منجلي وعبد الرحمان ميرة، واقتحموا مركز التنصت الموجود في الكاف واستولوا على الوثائق التي كانت هناك، فضلا عن اعتداءات أخرى مباشرة، لكن وفي شهر ديسمبر أي بعد أشهر من التوتر، كانت هناك مصالحة بين الطرفين في لقاء جمع وفدا من قيادة الثورة بوفد عن الحكومة التونسية، وعادت الأمور إلى مجراها الأولى.
*هل كان للطرف الفرنسي دور في هذه الأزمات بين قيادة الثورة والدول المجاورة؟
**في سنة 1958 كان لديغول دورا كبيرا في تغذية هذه الأزمات، لخلق انشقاقات بين الثورة الجزائرية ودول الجوار من أجل عزلها، حيث قدم العديد من التنازلات لصالح تونس والمغرب مثل الدعم المالي وإجلاء قواته من أراضيهما، في محاولة لخلق انشقاق بين قيادات الدول الثلاث، وعندما لاحت بوادر المفاوضات، أثار ديغول قضية الصحراء وقال إنها لا تندرج ضمن الأراضي الجزائرية وتحدث عن تأسيس منظومة خاصة "الديوان المشترك لاستغلال ثروات الصحراء" تشارك فيه كل الدول المجاورة للصحراء الشرقية والغربية والجنوبية ، وقد تدخل بورقيبة وطلب التفاوض مع ديغول حول المسألة لكن هذا الأخير رفض تدخله، أما موديبو كايتا الذي كانت الجزائر تؤيده فقد قال "إن قضية الصحراء لا تعنينا لأن الصحراء جزائرية" وبذلك كسر قضى على طموحات بورقيبة، وفي سنة 1961 تحول بورقيبة إلى المطالبة بالعلامة الحدودية رقم 233 وكان يريد إرسال الشعب التونسي للوصول إليها من أجل وضع الراية التونسية هناك، لكن تصدي القوات الفرنسية لهم بطلقات نارية جعلتهم يتراجعون عن ذلك، وظلت الأمور بهذا الشكل، أزمات تتبعها مصالحة، إلى غاية ما يعرف بقضية الملازم الأول الفرنسي "جايار"، وهو طيار فرنسي كان في طائرة خاصة استطلاعية أسقطها جيش التحرير وتم أسر الطيار، وقد طالب الرئيس بورقيبة باستعادة الطيار على اعتبار أنه أسر على التراب التونسي، لكن جيش التحرير رفض الطلب لكن بعد تدخل الحكومة المؤقتة تم تسليم الطيار لتونس، وهذه كانت تقريبا آخر حادثة أو أزمة بين الطرفين، وأنا أعتبر كل ما حدث كان طبيعيا بفعل تعارض المصالح الخاصة للدولتين تونس أو المغرب مع التزاماتهما اتجاه الثورة الجزائرية.
*هل أثرت هذه الأزمات أو النزاعات على الثورة الجزائرية؟
**كلا لم تؤثر عليها بشكل كبير لأن الثورة كانت معتمدة على نفسها ولم تطلب من المغرب أو تونس أسلحة لأنهما أصلا ليس لهما أسلحة، ولم نطلب أموالا أيضا باستثناء ما قررته الجامعة العربية كدعم للثورة من خلال حصص تدفعها الدول الأعضاء، ولم نكن نطمع في الإعانة المالية لتونس والمغرب بقدر حاجتنا آنذاك للدعم المعنوي والسياسي، وتسهيل نشاط جيش التحرير في الحدود، وهو ما كان متوفرا.
*وماذا عن الموقف المغربي في عهد الملك الحسن الثاني؟
**موقف الملك الحسن الثاني من الثورة الجزائرية كان متباينا، أحيانا يساند وأحيانا أخرى يتراجع، لكنه في المقابل كان يستعمل الأحزاب السياسية لتهاجم الجزائر وقيادة الثورة مثل حزب الاستقلال واتحاد القوات الاشتراكية، بينما يظل هو بعيدا عن الواجهة، لكن الشعب بصفة عامة كان إلى جانب الجزائر، لكن أكرر وأقول كما كان الحال بالنسبة لتونس لم نكن ننتظر الشيء الكثير من إخواننا في المغرب.
*لكن دور الدولتين أساسي بالنظر لموقعهما الاستراتيجي كمنطقة عبور وربط للثورة بالعالم الخارجي؟
**هذا صحيح لا توجد ثورة وحركة سياسية تبنى بدون قواعد خلفية، وهذه القواعد هي التي ساهمت في إنجاح الثورة من حيث التكوين والإمدادات العسكرية، وأوضح هنا بأن ما نسب إلي من أنني قلت أن الملك الحسن الثاني كان يطلب أموالا من أجل عبور السفن المحملة بالأسلحة إلى الجزائر أو حصة منها، هذا غير صحيح وأنني لم أدل بهكذا قول، وأؤكد هنا أن 7 بواخر رست في الموانئ المغربية وأخرجناها بإذنهم وبدون مقابل، المقابل الذي ركزت عليه بعض الأطراف هو الأسلحة التي اقتسمها جيش التحرير مع المقاومة المغربية في الريف، سنة 1955، لأن المقاومة في الريف آنذاك كانت بحاجة إلى أسلحة ولم يكن بضغط أو بمساومة بل باتفاق بين الطرفين بالنظر إلى العلاقات الطيبة التي كانت تجمع جيش التحرير بجيش المقاومة في شمال المغرب.
*وماذا عن العلاقات مع القاهرة؟
**لا أحد ينكر أن مصر في عهد جمال عبد الناصر كانت قلعة للحركات التحررية وللمقاومين العرب، وقدمت الدعم للثورة الجزائرية سياسيا وإعلاميا ودبلوماسيا لمدة طويلة، أما فيما يخص الدعم المالي والمادي فقد قدم لنا الأشقاء في مصر أسلحة في عهد أحمد بن بلة بالنظر للعلاقات التي كانت تجمع هذا الأخير بالرئيس عبد الناصر، وكانت هناك ثقة متبادلة بين الطرفين، وهناك حتى الإحصائيات الخاصة بكميات الأسلحة التي تلقتها الثورة من مصر، وأقول هنا إنها بعيدة كل البعد عن ما قاله فتحي الذيب في كتابه، والذي تحدث عن 7 باخرات أوصلتها مصر إلى موانئ المغرب لتمريرها إلى جيش التحرير في الجزائر سنة 1955، وأرد عليه بالقول إن ذلك موجود ربما في خياله، ففي سنة 1955 كانت هناك باخرة واحدة، كما تحدث عن ملايين الدولارات بالنسبة للأسلحة كنا نشتريها، ومنها ما يصلنا عن طريق البحر المتوسط أو البحر الأسود أو المحيط الأطلسي، وكانت الجزائر هي التي تدفع ثمن هذه الأسلحة التي تقتنيها، ومنذ توقيف بن بلة تغير الموقف، أو بشكل آخر موقف الجزائريين تغير، فالقيادة لم تعد تسمح بأن يؤثر أو يسير الثورة شخص من خارجها، فلم يعد التيار يمر بين جمال عبد الناصر وقيادة الثورة وتحولت القضية إلى مساومة "تدفع الأموال تحصل على الأسلحة وإلا فلا"، أما بخصوص الدعم المالي فأؤكد ما قلته سابقا وهو موثق بالأدلة والوثائق، فإن الإعانة المالية التي أقرتها الجامعة العربية، فكل الدول الأخرى دفعت حصتها بينما ظلت مصر تتماطل في دفع 2 مليون دولار لمدة 3 سنوات بحجة عدم مصادقة البرلمان على الميزانية وأحيانا بحجة شراء أسلحة لمواجهة إسرائيل، وفي الأخير حصلنا على مواد غذائية مقابل دفع الحصة المالية لمصر، هذا جزء من السلبيات في مواقف الدول العربية تجاه الثورة وهي وقائع ثابتة ومسجلة وموثقة في التقارير وفي الصحف لا يمكن إنكارها سواء بالنسبة لمصر أو المغرب أو تونس، وأنا تطرقت لهذه الجوانب في الندوة التاريخية التي شاركت فيها ردا على أسئلة الأساتذة الذي تساءلوا عن الجانب السلبي في المواقف العربية لأن الجانب الإيجابي معروف ولا أحد يجهله والحديث عنه شبه دائم، وقد أجبت عن السؤال بالحديث عن المضايقات وعن الضغوط التي تعرضت لها الثورة، لأنني بصدد محاضرة مؤرخين وطلبة جامعيين في التاريخ، وكان طبيعيا أن أتحدث لهم عن ما يجهلونه وليس عن ما هو معروف لديهم.
*هل تأثرت العلاقات مع القاهرة بعد انتقال الحكومة المؤقتة من مصر إلى تونس؟
**بعد مغادرة الحكومة المؤقتة للقاهرة أصبحت العلاقات الجزائرية مع مصر تكاد تكون شكلية، ومع تونس كانت علاقات لا بأس بها يخيم عليها الخلاف أحيانا والصلح أحيانا أخرى، بينما مع المغرب فقد كانت تسيطر عليها قضية الحدود التي تعد قضية ثقيلة لا يمكن تجاهلها، ونحن اعتدنا على ذلك لأننا كنا ندرك أن الثورة الجزائرية تحتاج إلى دعم هذه الدول، لكن دون التنازل عن كرامتنا أو عن مصالحنا ومواقفنا ومبادئنا، لأن الثورة الجزائرية هي ثورة جزائرية من بدايتها إلى نهايتها، ولندع جانبا الكلام الذي روجت له فرنسا أو ديغول من أن جمال عبد الناصر هو الذي كان يدعم الثورة، ولأجل ذلك قرروا شن عدوان عليه لأن تحطيمه يعني القضاء على الثورة، هذا غير صحيح، الثورة لا علاقة لها بالعدوان الثلاثي على مصر، فالثورة كانت قدر الإمكان تتكل على نفسها، لكن يجب الاعتراف أيضا أننا ربما ظلمناهم.
** من حيث عدد اللاجئين الجزائريين الذي وصل إلى مليون لاجئ في المغرب و500 ألف في تونس، هؤلاء ليسوا كلهم ملائكة، كانت هناك مشاكل تطرح، لكنها تعالج وتسوى بين القيادة القاعدية وبين السلطات المحلية المغربية، أما المصالح الإستراتيجية لا يمكن التنازل عنها إلى نهاية المطاف وموقفنا كان ضد التنازل عن شبر واحد من التراب الوطني سواء من الشرق أو من الغرب أو الجنوب، مع الدول المجاورة أو مع فرنسا عندما أرادت الاحتفاظ بقاعدة المرسى الكبير، فقد تمسكنا بالسيادة الوطنية على المنطقة، واتفقنا على تأجيرها لهم لمدة محددة.
*على الجبهة الجزائرية هل كان هناك إجماع على الموقف الذي تتحدث عنه أي استقلالية الثورة الجزائرية، ألم يكن هناك من يوالي للقيادة في تونس والمغرب أو مصر؟
**كلا بل كان هناك إجماع على استقلالية القرار الجزائري، وإن كان هناك من يفضل الموالاة لجهة ما خارجية فهم قلائل ولم يكونوا على مستوى قيادة الثورة وإنما في مستويات أخرى أدنى، فالمجلس الوطني للثورة كان موحدا ووطنية أعضائه لا شك فيها، بل إن هناك من كان مناهضا إلى حد التطرف، لعدم الفهم الكافي للموقف وبفعل تأثير الدعاية الفرنسية عليهم، فاعتقدوا بوجود تأثير على الثورة من الخارج.
*هل كان يمكن للثورة الجزائرية أن تنجح بدون الدعم العربي؟
**كلا، ما كان للثورة الجزائرية أن تنجح بدون الدعم العربي، وكما قلت في البداية لا يمكن لحركة تحررية أن تنجح بدون قواعد خلفية، فهناك مثل وحيد في التاريخ وهو فرنسا التي لم يكن لها دعم خارجي في مقاومتها للاحتلال النازي، فقد عانت الكثير ولم تتمكن من تشكيل جيش تحرير داخل التراب الفرنسي على غرار ما فعلت الجزائر، بل اعتمدت على المقاومة التابعة لكل حزب من خلال وحدات وفرق للمقاتلين، إلى جانب كوبا، لكن النموذج الكوبي مختلف لأن السلطة غير مقبولة وغير مدعومة شعبيا، وكان هناك جيش ضعيف جدا، فكان من السهل انتصار المقاومة.
*وهناك من يعتقد بأن الدعم يقابله بالضرورة شكل من أشكال التدخل من الجهة التي تمنح الدعم، والتبعية والولاء من قبل من يتلقى الدعم؟
**التدخل لا بد منه أما التبعية فالثورة الجزائرية لم تقبل بها.
*تصريحكم الأخير أعطى الفرصة لبعض المنابر الإعلامية للطعن في الدعم العربي للثورة الجزائرية وحتى التشكيك في الانتماء العربي للجزائر؟
**الجزائر تعتبر نفسها دولة عربية ومسلمة وتنتمي إلى العالم العربي ولا أحد يمكن التشكيك فيه حتى وإن ظهرت اليوم بعض الخصوصيات التي اعترفت بها السلطات الجزائرية، ونحن عرب وأمازيغ.
*لو تطرقنا إلى موضوع كتابة التاريخ، ألا تعتقدون أن التاريخ كثيرا ما يخضع لقراءات سياسية وشخصية؟
** أنا عندما أتحدث لا أتحدث كمؤرخ بل كشاهد على الأحداث التي عايشتها وبحكم المناصب التي تقلدتها في هرم الثورة، وهناك العديد من القضايا التي يجهلها البعض لكن وبحكم المنصب الذي كنت فيه في وزارة "المالغ" الذي تصب فيها كل المعطيات المتعلقة بالمخابرات والاستعلامات اطلعنا على العديد من الحقائق التي يمكنني تقديمها بالوثائق والأدلة، وببيداغوجية وموضوعية مثلما حدث أو كما اطلعت عليه أو كما حققنا فيه، وهناك من يكتب عن التاريخ لكن دون أن يعبر عن حقيقة التاريخ من خلال تمجيد أشياء أو التقليص من قيمة أشياء أخرى، خاصة وأن بعض المؤرخين يعتمدون في مصادرهم على الكتاب والمؤرخين الأجانب وسيما الفرنسيين.
*نفهم من كلامكم أنكم مع الطرح القائل بضرورة إعادة كتابة التاريخ، لأن ما هو مكتوب ما يزال محط جدل؟
**لا أقول إعادة الكتابة وإنما استكمال كتابة التاريخ، وكل شخص حر في طرحه وتحليله، ولا يمكن الوصول إلى إجماع في هذا الموضوع، أي نفس الطرح والفهم والتحليل للقضايا، هناك من تمسه هذه القضايا في شخصه، وهناك من تتناقض مواقفه، أو مع الجماعة التي تسانده أو يساندها، تحن في "المالغ" لا ننتمي لأي جناح أو جبهة بل نتمسك بالحياد والموضوعية وهي المبادئ التي قامت عليها جمعية قدماء "المالغ" رغم أننا لم نتحصل على جميع الوثائق التي تخصنا حوالي 50 طن من التحاليل والخرائط والتصاميم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.