في تعليقها على البيان الختامي الصادر، يوم الجمعة الماضي، عن مؤتمر متابعة معاهدة منع الانتشار النووي الذي ذكر إسرائيل بالاسم داعيا إياها إلى الانضمام إلى المعاهدة وأن تضع منشآتها النووية كلها تحت الضمانات الشاملة للوكالة الذرية للطاقة النووية، قالت إسرائيل أن »هذا الاتفاق يحمل طابع النفاق«. عندما يتحدث قادة إسرائيل عن النفاق فهم يدركون جيدا ما يقولون، لأهم خبروا جيدا ذات بعض الحكام العرب الذين يجهرون، في خطبهم الرنانة وبلاغتهم الكلامية، بالعداء لإسرائيل ويتفاوضون معها سرا على ضرورة التخلص بسرعة من المقاومة الفلسطينية. البلدان العربية التي سعت لذكر إسرائيل بالاسم في البيان الختامي للمؤتمر، يوجد من بينها من تقيم علاقات ود مع الكيان الصهيوني وتنسق معه في مختلف القضايا الأمنية وذلك باعتراف إسرائيل نفسها، ومنها من تسعى بكل ما تملك من جهد وقوة لمحاصرة الشعب الفلسطيني في غزة وحرمان أطفاله حتى من الحليب والعلاج، ثم يذهبون للمؤتمرات الدولية للتنديد بإسرائيل.. وهو ما تسميه إسرائيل بالنفاق. العرب، توفرت لهم فرصة ذهبية لإفراغ منطقتي الشرق الأوسط والخليج نهائيا من السلاح النووي، لو عرفوا كيف يوحدون مواقفهم إزاء ما يسمى بالملف النووي الإيراني. إيران، دولة إسلامية، بمعنى أنه مهما كانت سياستها ومواقفها، وكذلك مهما كان مذهبها، فإنها أقرب للعرب من إسرائيل ومن الولاياتالمتحدةالأمريكية. إيران لا تحتل أراض عربية ولا تحاصر شعوبا عربية ولا هي سعت لتدمير أي بلد عربي ولا أمدت أعداء العرب بالسلاح والمال وبالتالي لا نتصور وجود عداوات عربية تجاه هذا البلد تفوق عداوتهم لإسرائيل التي تحتل أراض عربية وتقتل مواطنين عربا وتجوع أطفال العرب وتهدد أمن كل الدول العربية من المحيط إلى الخليج. العرب يأخذون على إيران إرادتها لامتلاك أسباب القوة والسعي إلى أن تكون دولة محورية في المنطقة، وذلك ليس بما تلام عليه فعلة وجود النظام سياسي، في أي بلد، هو العمل على تحصين الدولة وجعل كل مؤسساتها تعمل في انسجام لبلوغ مستوى من الحصانة والتحصين حتى لا تخترق ولا تتعرض لأي تهديد أجنبي. في السياسة الدولية، لا يوجد شياطين ولا ملائكة، بل قادة أنظمة سياسية مطالبون بالدفاع عن مصالح شعوبهم بكل ما توفر لهم من حنكة دبلوماسية وقوة الإقناع أو بالتهديد والوعيد والابتزاز. إنه "بازار" سياسي، لا يحترم فيه الضعيف و المتخاذل والجبان وكل نظام سياسي جعل الحفاظ على كرسي الحكم أهم من الحفاظ على مصير البلد وقوتها. قادة إيران أدركوا هذه الحقيقة منذ الأيام الأولى للثورة الإسلامية التي أطاحت بالشاه وطردت الخبراء العسكريين الأمريكيين ومعهم سفير إسرائيل، مما عرض بلدهم لحصار غربي وتجميد للودائع المالية وحرب مع بلد عربي كلفت ثلاثة ملايين ضحية من الطرفين. هؤلاء القادة، أدركوا أن لا أمن لإيران بدون أمن غذائي وإنتاج حربي وقوة عسكرية تحمي الدولة الناشئة والطامحة إلى لعب دور في المنطقة بعيدا عن تأثير وضغوطات القوى العالمية. هذا المنطق، الذي هو ليس خاصا بإيران، والذي يعني بكل بساطة بناء دولة آمنة في غذائها وسلامة مواطنيها وحصانة حدودها وحرية قرارها، لم تستوعبه الأنظمة العربية، كما لم تستوعب الطرق الحديثة في إدارة الأزمات واستغلال كل ظرف وتحويله في الاتجاه الذي يخدم مصالح البلد. الاطلاع على تصريحات السياسيين العرب ومن والاهم من الصحفيين والكتاب والمحللين، يجعل المرء يتساءل أحيانا إن كان القوم يدركون ما يفعلون؟. في كل مرة يجانب العرب الحل الصحيح الذي يجعلهم يستغلون الظرف لحل مشاكلهم العالقة منذ بداية القرن الماضي، على الأقل. معالجة الملف النووي الإيراني، كان فرصة تاريخية للعرب كي يقايضوا موقفهم ضد »النووي الافتراضي« الإيراني بموقف صارم من الغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية ضد »النووي الحقيقي« الإسرائيلي. كان على العرب أن يدعموا إيران، حتى ولو سعت لصناعة السلاح النووي، ما دامت إسرائيل تملك هذا السلاح وتواصل البحث والتطوير في المجال النووي دون أن تتعرض لأي مساءلة أو ضغط من المجتمع الدولي ولا من الهيئات الدولية. كان على العرب، إن هم خافوا من تدعيم إيران، أن يصمتوا على الأقل. لكنهم عوض ذلك، اتخذوا مواقف مناقضة تماما لمجرى التاريخ ولمجرى مصالح المنطقة كلها. لكل ذلك، عندما يتكلم الإسرائيليون عن النفاق العربي، فهم يدركون ما يقولون.