أبناء الجزائر في كل ربوع الوطن، من تمنراست إلى تلمسان ومن القالة إلى بجاية، طالما قالوا وسيقولون: نحن حماة الوحدة الوطنية. الاسلام ديننا ولن نرضى عنه بديلا. نحن نريد أن تستعيد الجزائر هويتها الوطنية بجميع مكوناتها العربية والأمازيغية. أما ذوو الأهداف المشبوهة، الذين يتسترون وراء المطالب الثقافية والاجتماعية، فما فتئوا يقولون: لا نؤمن بالوحدة الوطنية . الإسلام والعربية جاء بهما الغزاة. العربية عدوة للأمازيغية ويجب التمكين للغة الفرنسية. بين هؤلاء وهؤلاء قد تضيع الحقيقة، ذلك أن الكثير من الجزائريين قد سمع الصوت الثاني، لأنه يحدث الضجيج ويختبئ وراء شعارات براقة، مثل الديمقراطية والكرامة والعدالة، ولأنه أكثر من ذلك يلقى الدعم من جهات أجنبية، ويكفي أنه يخاطب الجزائريين من باريس تحديدا. أما الصوت الأول، فإنه صوت وطني جامع، نابع من قلوب مواطنين، إخوة لنا، متعطشين مثلنا للعودة إلى الذات الوطنية في جميع مكوناتها، من دين ولغة وتاريخ. هذا الوضوح في الصورة هو الذي يدعونا إلى التمييز بين من يتحرق من باب الغيرة الوطنية لكي تعود لوطنه هويته بجميع أبعادها، وبين ذاك الذي يرفض الحديث بالعربية وإن عرفها وأجادها ولا يريد أن يعترف بأن أجداده اعتنقوا الإسلام وخدموه بالعلم والجهاد، بل وأوصلوه إلى أبعد نقطة في غرب أوروبا عند مشارف فرنسا بالذات، ويصر أن يتحدث بلغة أعدائه الذين استعبدوه، بل ويدعو إلى كتابة الأمازيغية بحروف لاتينية. إذن، ينبغي الانتباه إلى من يرفع الشعار ليجر الناس خلفه ويحقق أهدافه قبل أهدافهم، ومن يرفع الشعار لأنه مؤمن به حقا، لا يبغي من وراء ذلك إلا خدمة وطنه، وهنا يجب أن نؤكد تعاطفنا مع المطالب الثقافية والاجتماعية المشروعة، مع التوضيح بأن حالة الشباب إن كانت سيئة في منطقة القبائل فهي كذلك في سوق أهراس وتبسة وتيسمسيلت وتيارت والأغواط والجلفة. إنه من الطبيعي جدا أن يكون التخوف من هذا التطرف هو القاسم المشترك لجميع الجزائريين، وفي مقدمتهم أحرار جرجرة المرابطون في الثغور الأمامية لصد هذه الهجمة التي تستهدف الوحدة الوطنية، وهذا التخوف يجد ما يبرره في ارتباط المتطرفين بأوساط خارجية. هنا تجدر الإشارة إلى أن الوحدة الوطنية تمتلك كل مقومات القوة والصمود، التي تجعلها لا تتأثر بشطحات المعتوهين والمفلسين وكل الذين يؤكدون بتصرفاتهم أنهم مجرد بيادق وليسوا أكثر من ذلك. إن الوحدة الوطنية ليست سلعة فكرية أو سياسية بين السلع المعروضة على أرصفة الطرقات، وفي ضوء هذا التعريف للوحدة الوطنية فإن الخيانة العظمى هي التوصيف القانوني لمن يدعو أو يحرض أو يعمل على تمزيق أواصر هذه الوحدة، وهذا لردع كل من تسول له نفسه الاشتراك أو التواطؤ في تدبير أو تمرير هذه الجريمة. والسؤال الجدير بالطرح هو: هل هناك ما يمس وحدتنا الوطنية، هل هناك اختلاف بين المكونات الأساسية للمجتمع والمتغيرات الحاصلة داخله وخارجه، هل يمكن لهذا الاختلاف أن يهز الوحدة الوطنية أو يؤثر فيها.. والجواب أن ركائز هذه الوحدة متوافرة من خلال الارتباط العميق بين خيوط النسيج الشعبي على اختلاف الأفكار والميول السياسية والفئات الاجتماعية، ويشكل ذلك القاعدة الصلبة لنقطة اللقاء بين الوطن والمواطنة، ومهما تعصب هذا أو ذاك لرؤيته أو أفكاره ومهما عانى الفقير من ويلات الحاجة ومهما كان الجد السابع عربيا أو أمازيغيا أو تركيا، فإن ارتباط الجزائريين بأرضهم وحفاظهم المستمر والمستميت على وحدتها وسيادتها يوفر ذلك الحد الذي يشكل قاعدة الوحدة الوطنية التي ترتبط أساسا بأهم مكونات الأمة وأسس وجودها، وهي الهوية الوطنية، وهذه قضية لا تتحمل المساومة ولا تقبل أي مزايدة، ولذلك فلا خطر عليها رغم عبث العابثين. وبعيدا عن محاولة الإساءة إلى الأغلبية الغالبة من أبناء منطقة القبائل الأحرار، فإن تصريحات البعض من الحمقى المتهورين، إنما تساير إلى أقصى حد الطروحات التي طالما روج لها أولئك الذين ما يزالون يخطئون في الشعب الجزائري ويخططون لربطه بما يسمى »الانتماء المتوسطي« لغة وثقافة وحضارة. لا اختلاف على أن منظري استراتيجية خلق الفتنة هنا وهناك يفتعلون الأزمات بإثارة القضايا ذات الطابع الثقافي واللغوي والعرقي، ذلك صحيح، لكن ما العمل ؟.. قد يكون الجواب سهلا، أو هكذا نتصوره، وهو أننا شعب واحد بكل ما في معنى الوحدة من أبعاد، فليس لدينا طوائف دينية بالمعنى الذي يمكن استغلاله، وأننا لا نفرط في وحدتنا الوطنية التي سقيناها بدم الشهداء. وقد لا نختلف كثيرا على أن منظري إثارة الفتنة إنما يهدفون إلى ضرب وحدة الشعب الذي تحدى الاستعمار ودحره، فالوحدة التي هزمته بالأمس يحاول اليوم أن يهزمها تحت هذا العنوان أو ذاك!. وكلنا يتذكر أن الدوائر السياسية والإعلامية في فرنسا قد أطلقت منذ مدة العنان لأحقادها وأمنياتها وأهوائها الاستعمارية، فإذا بها تتحدث عن »شعب بربري« وعن »أغلبية ساحقة وأقلية مسحوقة« وعن »شعب قبائلي لا يستوعب خطب الرئيس بالعربية« ؟! كل ذلك لا يدعو إلى الدهشة أو الغرابة، ولكن السؤال الرئيس هو: من يحرك العناصر المتطرفة التي تجاهر من منطقة جرجرة - هذه القلعة الوطنية - بالدعوة إلى »الانفصال« إلى درجة أنها أصبحت تشكل خطرا لا ينبغي الصمت أمامه أو الهروب منه مهما كانت المبررات. إن مسألة الأمازيغية، وهي اللغة الوطنية، بقدر ما تبدو بسيطة وغير مقلقة عند أبناء الجزائر، حيثما وجدوا في جرجرة أو الأوراس أو تلمسان أو عنابة، بقدر ما هي معقدة ومقلقة بالنسبة لمن وضعوا أنفسهم في خدمة أهداف مشبوهة، إذ هم أكثر حرصا من الاستعمار على لغته وثقافته، يرفعون شعار الأمازيغية بهدف ضرب العربية والتمكين للفرنسية. لقد بدا واضحا أن بعض الدوائر السياسية والإعلامية لا تتاجر فقط بتلك الشعارات البراقة، بل إنها أيضا تمارس العنف الأكبر وتروج، عن سبق إصرار، لنزعة عنصرية مكشوفة تعادي العروبة والإسلام وتسعى إلى ضرب وحدة الشعب. ليست الإجابة على تلك التساؤلات وغيرها بالأمر الصعب، من منطلق وضوح الأهداف والغايات، وأيضا بالاعتماد على حقيقة واضحة وهي أن أصوات الفتنة بامتداداتها الفكرية والسياسية هنا وهناك، لا علاقة لها بالعمق الأمازيغي بكل أبعاده الثقافية واللغوية، ولا صلة لها بالمطالب الثقافية أو الاجتماعية، إنما الهدف هو تكريس الفتنة وغرس الأحقاد بين الجزائريين وإبقاء البلاد في وضعية التبعية اللغوية. يقول التاريخ إن العربية قد تعايشت مع الأمازيغية وإن البربر عندما اعتنقوا الإسلام أصبحوا من أقوى دعاته واتخذوا العربية لغتهم الرسمية، فابن تاشفين وبن تومرت وعبد المؤمن وأبو حمو الثاني وغيرهم، كلهم من زعماء البربر الذين صانوا العربية ودافعوا عنها وساهموا في نشرها. إن أطروحة الانفصال التي كان يجري الحديث عنها بكثير من الحساسية والتي كان دعاتها يتحرجون من ذكرها بالإسم، قد أخذت الآن منعرجا خطيرا حتى وصل الأمر إلى إعلان الحكومة المزعومة من باريس، مما يؤكد أن التنازلات غير المدروسة ليست في كل الأوقات سياسة حكيمة. وأخيرا متى يقتنع ذلك الدعي المخبول، الذي نربأ بأنفسنا عن ذكر اسمه، بأنه لم يعد يستهوي أحدا والأجدى به أن يلتزم صمت القبور، وهل تراه يكتشف بأنه مجرد بيدق في لعبة حقيرة، وإن كان التحذير واجبا من هذا الشوك المسموم. " الذباب لا يقتل لكنه يوجع الخاطر.." [email protected]