أكد المختص في العلاقات الدولية، الدكتور امحند برقوق، أن فشل الهجوم الفرنسي الأخير الذي قامت به فرنسا بالتعاون مع موريتانيا ضد القاعدة لتحرير الرهينة الفرنسية راجع إلى عدم الاعتماد على القوى الجهوية لمنطقة الساحل، وذلك ما يؤكد عدم جدوى التدخلات الأجنبية في الساحل لضرب الإرهاب، الأستاذ برقوق وفي حديث خص به »صوت الأحرار«، أشار إلى مكانة الجزائر كفاعل ريادي للأمن في المنطقة، باعتبار أن لها دورا فاعلا ومحوريا لتشكيل استراتيجية ناجعة لمكافحة الإرهاب والجرائم المرتبطة به في المنطقة. *ماذا يحدث بالتحديد في منطقة الساحل؟ تشهد منطقة الساحل عددا من الحركيات الأزموية التي خلقت حالات متعددة من الاضطرابات الأمنية، والتي لا تقتصر فقط على اختطاف الرهائن أو بعض العمليات الإرهابية بقدر ما ترتبط هذه الأخيرة بالجريمة المنظمة، المتاجرة بالمخدرات وكذا في الأسلحة، وبالنظر إلى أن هذه الدول الساحلية هي دول هشة على مستوى البناء السياسي وضعيفة التنمية على المستوى الاقتصادي ومنعدمة التجانس على المستوى الاجتماعي، ما يجعل قدرتها على التعامل مع هذه الأخطار المتنامية أمرا صعبا، خاصة في ظل تنامي الأطماع الاقتصادية والطاقوية وكذا الحسابات الجيواستراتيجية للدول الكبرى مثل فرنسا، الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين. *ما هي أهمية منطقة الساحل بالنسبة للقوى العظمى وما هي الرهانات السياسية التي تفرضها طبيعة هذه المنطقة؟ تعد منطقة الساحل نقطة ربط بين المغرب العربي وجنوب الصحراء وهي كذلك الحزام الرابط بين المحيط الأطلسي والبحر الأحمر وهي منطقة تعرف الاكتشافات النفطية من السودان إلى موريتانيا، مرورا بالتشاد، بالإضافة إلى بعض الاكتشافات الواعدة بكل من مالي والنيجر، مع العلم أن فرنسا كانت قد ربطت أربعة دول من هذه المنطقة وهي موريتانيا، النيجر، مالي والتشاد باتفاقيات عسكرية منذ حوالي 50 سنة، واحتفظت بحق استثنائي لها في استغلال الأورانيوم بشمال النيجر والذي يعد أحد الموارد الحيوية الممونة لبرنامجها النووي. ومن ناحية أخرى، فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تعتمد حاليا على 15 بالمائة من وارداتها الطاقوية من إفريقيا تسعى إلى أن يصل هذا الاعتماد إلى 25 بالمائة في أقل من 5 سنوات وهذا ما يجعل هذه المنطقة ذات قيمة طاقوية وأمنية خاصة. وهذا أيضا ما أدى بالولاياتالمتحدةالأمريكية إلى أن تبادر منذ سنة 2002 بعدد من المبادرات الأمنية والعسكرية حول المنطقة، انطلاقا من مبادرة عبر الساحل في سنة 2002، مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء سنة 2005، وكذلك إعلانها لمجموعة من المناورات المشتركة في المنطقة في مجال مكافحة الإرهاب منذ سنة 2005، دون أن ننسى أن أمريكا قد رفعت من حجم مساعداتها العسكرية على مستوى تكوين وتموين جيوش المنطقة، بالإضافة إلى خلقها لقاعدة استعلاماتية ببوركينا فاسو سنة 2010 ، وهذا في إطار محاولة بناء إستراتيجية أمريكية حول إفريقيا انطلاقا من خلق قيادة أفريكوم ومحاولة التأسيس لشراكة عسكرية مع دول الساحل خاصة في ظل الاجتماعات التي كانت دورية »داكار وشتوتجارت« بين قيادات أركان ودول من ساحل الصحراء. *في رأيكم هل أخطأت فرنسا في تقديراتها عندما قررت شن هجوم ضد القاعدة في منطقة الساحل؟ المسعى الفرنسي الخاص بتحرير الرهائن الفرنسيين في الساحل الإفريقي يمكن فهمه بالتركيز على خلفيتين، الأولى داخلية وهي عمل فرنسا على الدفاع عن رعاياها ومصالحها أينما كانت، ومن ناحية ثانية هي محاولة استغلال هذه الحالات للتأكيد على الأولوية التاريخية لفرنسا في هذه المنطقة، وذلك بالارتكاز على نفوذها السياسي والعسكري في هذه الدول وإن كان ذلك مخالفا لسيادة الدول ومنافيا لالتزامات فرنسا كعضوة دائمة في مجلس الأمن، كما كان الحال في تحرير الرهينة الفرنسية التي كانت محتجزة بمالي وبشكل مخالف للقرار الأممي رقم 04-19 والذي يحرم دفع الفدية للإرهابيين، وأكثر من ذلك فإن استبدال حرية الرهينة بإرهابيين مطلوبين دوليا يشكل سلوكا منافيا للمنظومة التشريعية الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب بما في فيها القرار 73-13. وعليه، فإن المسعى الفرنسي الجديد قد فشل بالرغم من التعاون مع دولتين من المنطقة وهي موريتانيا ومالي، بما يؤكد حقيقة واحدة وهي أن مكافحة الإرهاب في الساحل تعتبر أولوية جهوية لدول المنطقة كما أقرته الاجتماعات الخاصة لبناء هذه الإستراتيجية على المستوى العسكري والسياسي من خلال مختلف المساعي التي قادتها الجزائر، فالأرضية التي اتفقت عليها 7 دول من الساحل في اجتماع وزراء خارجيتها في مارس 2010 تؤكد بدورها على ضرورة جعل الوقاية والمكافحة عملا جماعيا لدول المنطقة دون تدخلات أجنبية لما لذلك من احتمالات خلق فرص إعلامية قد توظفها الجماعات الإرهابية لتبرير سلوكاتها الإجرامية في المنطقة، فالهجوم الفرنسي يبرهن مرة أخرى على عدم جدوى التدخلات والأنشطة العسكرية الأجنبية في المنطقة لما لذلك من تأثيرات سلبية على الأمن والاستقرار الجهويين. *ما هو موقف فرنسا أمام الرأي العام الدولي بالنظر إلى فشل هجومها على القاعدة؟ هذا الفشل قد ينعكس سلبيا على الخطاب الرسمي لفرنسا بالنظر إلى عدم قدرتها على تحرير رهينة واحدة محتجزة من طرف جماعة إرهابية جعلت من القاعدة اسما تسويقيا كتكتيك يعوض اندثارها كتهديد أمني في المنطقة، ومن ناحية أخرى فهذا الفشل سيجعل دول المنطقة تسعى إلى تطوير إستراتيجية عملية مشتركة للمكافحة المستديمة للإرهاب والجريمة المرتبطة به. *ما هو حجم التهديدات الأمنية في منطقة الساحل؟ هناك تضخيم للخطر الإرهابي في المنطقة، فقلة نشاطات هذه الجماعات منذ اختطاف الرهائن الألمان سنة 2003 تؤكد ضعفها على المستوى العملياتي ولكن الشساعة الجغرافية لدول المنطقة وكذا ضعف المقدرة الخاصة بهذه الدول على مستوى الإدارة الأمنية لإقليمها ومع تنامي سوقين كبيرين »الأسلحة الخفيفة والمخدرات« واللذان يشكلان مصدرين إضافيين لتمويل الإرهاب، فلذا يجب التعامل مع التهديد الإرهابي في سياق عام وشامل يضم أيضا الجرائم المرتبطة به. فتحول الساحل إلى أكبر منطقة عبور للمخدرات الصلبة القادمة من أمريكا اللاتينية عبر خليج غينيا نحو أوربا تجعلها محل اهتمام الجماعات الإجرامية، خاصة مع تنامي القيمة النسبية لهذه المنطقة على المستوى الطاقوي، فلا يجب أن ننسى أن شركة »أريفا« الفرنسية المتخصصة في استغلال مناجم الأورانيوم قد تطورت في تمويل أنشطة حركة الشباب الديمقراطي للنيجر للتمرد على السلطة وهذا ما يجعل ارتباطات الطاقة والاستراتيجيات والجرائم موجودة ومؤكدة ولذلك أصبح من الضروري النظر إلى أبعد من الجماعات الإرهابية مع التركيز على ارتباطاتها الأخرى. *ما هو دور الجزائر في مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل؟ يشكل الساحل العمق الاستراتيجي للجزائر والبطن الرخو لأمنها الوطني، ليس فقط بالنظر إلى شساعة الحدود وصعوبة تغطيتها، بل أيضا بسبب ضعف الأداء الأمني لجيراننا في الجنوب، هذا ما جعل الجزائر تبادر على ثلاثة مستويات وهي منطق الأمن بالتنمية من خلال مبادرات النيباد وكذلك مختلف الإقرارات الرسمية بضرورة دعم مساعي دول مثل مالي، موريتانيا والنيجر للرفع من أداءاتها التنموية لضعف إمكانيتاها وتفاقم مديونياتها وتبعيتها المالية والاقتصادية لفرنسا. كما تعمل الجزائر على خلق تفاهم سياسي حول ضرورة العمل على تجريم الإرهاب وكل أشكال تمويله انطلاقا من القرار الإفريقي بسيرت الصادر في جويلية 2009 والقرار الأممي رقم 04-19 الصادر في ديسمبر 2009 اللذين بادرت الجزائر بهما جهويا ودوليا. وأخيرا عملت الجزائر على إنشاء أرضية تفاهم عملياتية من اجتماع قيادة الأركان بتمنراست في أوت 2009 وصولا إلى مأسسة هذا التفاهم بتمنراست في أفريل 2010، فالجزائر كما أقره نائب كاتب الدولة الأمريكية للشؤون الإفريقية »كالسون« في نوفمبر 2009، هي فاعل ريادي للأمن في المنطقة، ولها دور إيجابي وفعال ومحوري لتشكيل إستراتيجية ناجعة حول مكافحة الإرهاب والجرائم المرتبطة به في المنطقة.