تناقلت الصحف والفضائيات أنباء تؤكد أن القوات الأمريكية تستعد لتسليم أمن العراق للقوات العراقية، وتناست الأخبار أن شركات الأمن الأمريكية المنبثقة من »بلاك ووتر« ستظل تمارس نشاطها وكأن شيئا لم يكن، لكن من الواضح أن العملية تبدو كفرار من مأزق دموي رهيب سقطت فيه أمريكا بوش، وكانت مبرر تولية "باراك أوباما" ليخلص أقوى قوى العالم من مستنقع دموي وأخلاقي يمكن تسميته الفيتنام الثالثة، والفيتنام الثانية هي أفغانستان، وتذكرت مقال الدكتورة داليا سعودي. كانت نقطة انطلاق تلك الأحداث كلها عندما اصطدمت طائرتان ببرجي نيويورك في 11 سبتمبر 2001، واتهم إسلاميون من السعودية ومصر بتنفيذ العملية، وإن كانت واشنطون عجزت عن إقناع العقلاء بصحة مزاعمها، التي كانت مبرر غزو كل من أفغانستان والعراق، بعد أن رفع الرئيس الأمريكي السابق لواء الحرب الصليبية ضد ما أسماه الإرهاب. وتعود إلى ذاكرتي أحداث فيلم قدمه مايكل مور بعنوان »فهرنهيت«، ووجدته منسجما مع يقيني تجاه التفجيرات التي لم أقتنع يوما بالرواية الأمريكية عنها، ومن هنا فإن الفيلم، وبعد مرور نحو تسع سنوات على التفجيرات، يستحق وقفة متأملة لحجم رهيب من الأكاذيب لم يعرفها تاريخ العلاقات الدولية، وربما كان آخرها ما اعترف به وزير الخارجية الأمريكية الأسبق كولن باول شخصيا، وأسماه »سقطته التاريخية«. والواقع أن نظرة الفيلم تؤكدها نظرة أخرى جاء بها شريط وثائقي أمريكي شاهدته، وكان من بين الشخصيات الذي تحدثت فيه هنري كيسنجر وألكسندر هيغ، وأعاد إلى الذاكرة قصة نزول »آرمسترونغ« يوم 21 يوليو 1969 على سطح القمر، وهو ما اندفع بعض محترفي الفتاوى الدينية عندنا إلى إنكار حدوثه، مستثيرين بذلك الاستهزاء والسخرية، لكن الشريط، وهو يؤكد المغامرة الأمريكية الكبرى في الفضاء، يعترف بأن الصور التي جرى بثها كانت صورا مفبركة أعدت في ستوديو »كوبرنيك« في لندن، بعد أن تأكدت »النازا« أنها عاجزة عن إرسال الصور فعلا من سطح القمر، وقامت مجموعة من الباحثين الجادين بإثبات هذا الرأي بفحص الصور وتأكيد وجود اتجاهات ضوء متعددة، في حين أن على سطح القمر هناك مصدر واحد هو الشمس. وإذا كانت أمريكا حاولت إقناع العالم باللقطات التي قدمت عن مغامرة القمر وكل شركات السينما في العالم مرتبطة بقواعد السينما الدولية، فما الذي يمنع أن تكون قصة برجي نيويورك ملفقة من أساسها، وهنا أعود لفيلم »فهرنهيت«. فأهم ما يؤكده الفيلم، وبالاعتماد على شهادات موثقة، هو أن عملية ضرب العراق كانت مقررة قبل انهيار برجي التجارة العالمية، والذي قدّم على أنه عمل انتحاري قامت به مجموعة عربية، لم يثبت بالدليل القاطع أنها كانت مؤهلة للقيام بعمل يتجاوز قدراتها وإمكانياتها، ولم تجرؤ واشنطون على القيام بمحاكمة بعْدية لمن اتهموا بارتكاب الجريمة، والذين كان من الدلائل التي استعملت لتجريمهم جواز سفر لأحدهم عُثر عليه في حطام المبنى الذي احترق عن آخره، وكان غريبا أن ينجو جواز سفر بلاستيكي الغلاف من جحيم الانفجار. وتقول تحليلات كثيرة أن التفجير تم بتوجيه لاسلكي من مواقع أرضية معينة جعل قائدي الطائرتين عاجزين تماما عن التحكم في أجهزتها )ولن أتحدث هنا عن طائرة »البنتاغون«، التي يقول الباحث الفرنسي »تيري ماسون« بأنها لم توجد قط، وبأن صورة رامسفيلد أمام وزارة الدفاع صورة ملفقة(. وتجسدت صورة الشيطان منذ ذلك اليوم في رجل ملتحٍ اسمه أسامة بن لادن، تكاد الرواية الأمريكية توحي بأنه اكتشاف جديد لم تسمع به قبل سقوط البرجين ومبنى المخابرات الثالث، وتتتابع الأحداث وكأنها سيناريو هوليوودي يستلهم في حقيقة الأمر أفكار برنارد لويس وتلميذه هنتنغتون وراعيهما مستشار الأمن الأمريكي بريزنسكي. وإذا كان كل متتبع للأحداث العالمية يعرف بأن واشنطن هي المحرك الرئيسي للحرب ضد السوفييت، والتي تمت تحت راية الجهاد ضد الإلحاد والشيوعية ومولتها بالكامل دول عربية خليجية، فإن مايكل مور يقول لنا بأن أسرة بوش وأسرة بن لادن ترتبطان، منذ سنوات وسنوات، بروابط مالية لا علاقة لها بالمبادئ والعقائديات والأفكار النبيلة. كان جورج بوش الصغير خلال رئاسة والده واحدا من العناصر العاملة في إطار شركات بترولية تدار بأموال بلد عربي بترولي معروف، وتمكن، بعد سلسلة من الإفلاسات المتتالية وبفضل دعم أسرة بن لادن، من أن يكون عضوا في مجلس إدارة شركة »هاركن« للطاقة، وباع من أسهمها ما قيمته 848 مليون دولار، لتعلن الشركة إفلاسها بعد عدة أسابيع بخسارة قدرها 23 مليون دولار. وعلى الفور وجد له أصدقاء أبيه موقعا في شركة أخرى تدعي »كارلايل« )Carlyl(، وهي شركة متعددة الجنسيات حققت أرباحا هائلة بعد تفجيرات سبتمبر )أقول ..بعد(، وكان من بين المستفيدين من هذه الشركة السادة جيمس بيكر )وزير الخارجية الأمريكي الأسبق والمكلف السابق بملف الصحراء الغربية( وجون ميجر )رئيس الحكومة البريطانية السابق( وشفيق بن لادن، الأخ الشقيق لأسامة بن لادن وغيرهما من أعضاء الأسرة. كانت الشركة توظف أموالها في قطاعات متعددة من أهمها قطاع الدفاع عبر شركة »يونايتد دفنس« )United Defence( التي تصنع مدرعة »برادلي«، )وسميت بذلك تيمنا باسم الجنرال عُمَر برادلي قائد القوات الأمريكية في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية(، وحققت الشركة في الشهر الموالي للتفجيرات، أقول المُوالي، أرباحا تتجاوز 20 مليون دولار. واختفت أسرة بن لادن بعد الأحداث، فقد أمّنت لها إدارة بوش إمكانية الفِرار في نفس الوقت الذي كانت كل الرحلات الجوية قد أوقفت، وظل بوش الأب محتفظا بموقعه في الفرع الآسيوي لشركة »كارليل« لعامين متتاليين وعلى علاقة متواصلة وطيبة بأسرة بن لادن. ويقول ريتشارد كلارك بأن بوش طلب منه حرفيا أن يُحَمّل العراق مسؤولية ما حدث، ويستنتج من ذلك: »أنهم كانوا يخططون لشيء ما ضد العراق قبل وصولهم إلى سدة الحكم«، )ولا بد من التذكير هنا بأن النتائج الأولية للانتخابات الأمريكية تحدثت عن فوز آل غور، نائب كلينتون، ولكن الأمور تغيرت فجأة نتيجة لتسريبات إعلامية خصوصا عبر تلفزيون »فوكس«، وتحدث كثيرون عن لعبة قذرة جرت ممارستها لفرض بوش الصغير، الذي نجح برنامج أراغوزات الأخبار )Les guignols de l'Info( الفرنسي في تقديم أقرب الصور إلى شخصيته، موضحا أنه لم يكن أكثر من مهرج مضحك، لا يفهم لا في الحرب ولا في السلم(. ويورد كلارك، بالصوت والصورة، حواره مع دونالد رامسفيلد )الذي أذكّرُ بلقاءاته الودية مع صدام( وحاول أن يشير إلى أهمية قَنبَلة البُنَى التحتية في أفغانستان، ولكن الوزير ومساعده بول وولفوتيز يقولان له بأنه : »ليست هناك أهداف جيدة في أفغانستان، والأفضل أن يُضربَ العراق«، وتأكد أن ذلك كان ضرورة أمريكية لعدة أسباب، أولها أنه كان البلد الوحيد في المشرق العربي الذي يمكن أن يكون تهديدا حقيقيا لإسرائيل، لا بالأسلحة أيا كان نوعها وإنما بمستوى البحث العلمي الذي وصل إلى مراحل متقدمة، خصوصا في الميدان النووي. والسبب الثاني هو السبب النفطي، وهو معروف ولن أتوقف طويلا عنده. والسبب الثالث لا يقل أهمية عما سبق ولعله الأكثر أهمية، وهو الاستفادة من تجربة إقامة إسرائيل على أرض المشرق العربي، وبالتالي إقامة دولة تنتزع من العراق الواحد، وتعطى لها كل إمكانيات القوة لمساومة للجيران في سوريا وإيران وروسيا. ويرتبط بهذا الهدف تحجيم الإسلام السني في العراق وخلق توازن مصالح بين الدول الراعية للشيعة وتلك الرائدة للسنة، وربما استكمال تقسيم العراق نهائيا. وهكذا نُدرك بأن الحرب على أفغانستان كانت خطوة نحو تدمير العراق، لأن التركيز على وجود بن لادن في أفغانستان جعل من الصعب إقناع الشعب الأمريكي والأمم المتحدة بالاتجاه مباشرة لبلاد الرافدين، الذي تأكد أنه لا دخل لها في الأمر من قريب أو بعيد، كما يقرر ريتشارد كلارك، تماما كما أنه لم تكن تملك أسلحة دمار شامل على الإطلاق. لكن ذلك لم يكن كل شيئ بالنسبة لأفغانستان، التي كانت الحرب الأهلية تطحنها منذ سنوات طويلة، إلى أن تمكنت طالبان من ترسيخ وجودها والقيام بما عجزت عنه الحكومات الأفغانية المتتالية، وهو تدمير زراعة المخدرات نهائيا. وبعد نحو عشر سنوات حشدت فيها أقوى القوات العسكرية الغربية بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية كل جهودها للقضاء على حفنة من العراة الجائعين يبدو الفشل الذريع مطلا برأسه ساخرا من جنرالات الحلف الأطلسي ودهاقنة السياسة العالمية، وإلى الدرجة التي تجعل أقوى دولة في العالم تطرح إمكانية التفاوض مع طالبان. يتبع. انطباعات عابرة * - تلقيت تعليقات كثيرة مؤيدة لمضمون المقال الماضي، واتفقت الأغلبية معي في رفض مجيء »أخينا« باستثناء تعليقين طريفين من آنستين اتفقتا على الترحيب بمجيء علاء مبارك، وبررت جليلة اعتراضها بأنه ذلك سوف يُعطيه صورة عن كرم الضيافة الجزائرية، أما فوزية فقد بررت ذلك بأن علاء »وجْه نحس« على فريقه، الذي خسر في أم درمان ولم ينجح في انتزاع الفوز المأمول في القاهرة، وهكذا فإن وجود علاء يبشر بفوز فريقنا. * - للأمانة، الفتاوى التي نسبت للرئيس ساركوزي في صحيفة جزائرية ناطقة بالعربية غير صحيحة، اختلقها خيال مدوّن مغربي على سبيل النكتة، ونقلها موقع )CNN( بالعربية. * - تعبير »أن يكون المرء بوابا في سويسرا خير من أن يكون وزيرا في الجزائر« كان نكتة قالها مولود قاسم للرئيس بومدين وكنت حاضرا مع آخرين، وضحك الجميع، وهذا يعني أنها لم تكن، كما زعم أحدهم، موقفا غاضبا من الوزير للرئيس، فالوزير كان دائما، كغيره، وديعا أمام »الموستاش«، رحم الله الجميع.