استقبلت مصلحة الاستعجالات لمستشفى مصطفىباشا الجامعي مؤخرا حالة عجوز في الثامنة والسبعين من عمرها ، تعرضت لكسر على مستوى الأضلاع ، بعد أن انهالت عليها كنتها بالضرب المبرح ، وإذا عرف السبب بطل العجب ، لقد سئمت من تواجد والدة زوجها معها ، مع أن لديها من الأبناء والبنات خمسة وظلت العجوز ممددة على سرير الإسعاف في رواق الاستعجالات إلى مطلع الفجر وكلما سئلت عن أبناءها أجابت بأنهم كلهم "خدامين "، وقد رفضت أن تذكر شيئا للطاقم الطبي خوفا على سمعة ابنها الذي كان مسافرا في مهمة ... لم يكتب لهذه العجوزالضحية –التي توفيت مؤخرا إما متأثرة بجراحها او بعد توقف قلبها بسبب هول مالحق بها من ذل ومهانة –أن تنعم بقانون حماية المسنين الذي تم الإفراج عنه مؤخرا ، والذي جاء بالعديد من التدابير الإيجابية لصالح ذات الفئة التي يزيد عددهم في الجزائر عن 7ملايين شخصا ، منها تقديم الدولة لمنح وإعانات للمسنين المحرومين، مقابل استفادة العائلات التي تحتفظ بالمسنين سواء كانوا من أقاربهم أو غرباء، من إعانات تحدد قيمتها حسب حالة كل عائلة والحالة الصحية والإعانة الطبية التي يحتاجها المسن المتكفل به. كما يجبر المشروع الأبناء على الاحتفاظ بأوليائهم وعدم قبول وضعهم في دور العجزة، إلا في بعض الحالات القاهرة، وأقر أيضا بمجانية النقل للمسنين المعوزين بجميع أنواعه. من جهة أخرى تضمنت الوثيقة عقوبات تتراوح بين السجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات، وغرامات تصل حتى 200 ألف دينار لمن يلحق ضررا بفئة المسنين أو يعرضهم للخطر. القانون ايجابي في مضمونه ويمكن أن يضمن لهذه الشريحة الواسعة من المجتمع الراحة والكرامة ، ويجنبهم ذل السؤال والحاجة في أرذل العمر، لكن إذا مارافق هذا القانون المتابعة المستمرة من قبل مصالح الشؤون الاجتماعية لمختلف البلديات ، والوقوف على حالة هؤلاء حالة بحالة ، لأن الواقع يؤكد أن هذه الفئة من المجتمع تعاني الأمرّين جراء الإهمال وعدم النفقة ، ناهيك عن سوء المعاملة التي أصبحت تلازم هؤلاء . مصالح الأمن تؤكد أن عدم الإبلاغ يحدث الكارثة طفت ظاهرة اعتداء الأبناء على الآباء والأمهات بالضرب والاهانة على السطح في مجتمعنا ، فهي رغم كونها دخيلة إلا أنها تحدث بشكل شبه يومي ، مما جعل مصالح الأمن والدرك في كل مرة يشيرون إليها مع التأكيد على أنها آخذة في الانتشار بشكل ملفت للانتباه خاصة في الآونة الأخيرة هذا رغم تشديد العقوبة القضائية على المتورطين في مثل هذه القضايا حيث وصلت عقوبة الاعتداء الجسدي إلى 5سنوات سجنا نافذا في بعض الحالات. واستنادا إلى الإحصائيات فإن الأولياء يتعرضون إلى مختلف أشكال الاعتداء انطلاقا من سوء المعاملة إلى الاعتداء الجسدي الذي يصل بعضه إلى حد إحداث عاهة مستديمة ، والتهديد بالقتل إلى القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد . وفي كل مرة يحضر فيها الحديث عن هذه الظاهرة الخطيرة التي ارتبط وجودها بتراجع القيم في المجتمع ككل تؤكد المصالح الأمنية على انتشار الظاهرة بشكل ملحوظ إلا أن الأرقام لاتعكس الواقع وهذا بسبب مشكل عدم التبليغ فكثيرا مايفضل الآباء احتواء الأمر داخل الأسرة خوفا على سمعتها وحرصا منها على عدم إيصال أسرار العائلة إلى المحاكم ، ويختار هؤلاء التكتم على الأمر والتزام الصمت ، فيما تبقى القضايا التي تتعلق بالضرب والاهانة الموجهين للآباء والأمهات اكبر من أن تحصى . ذلك الخيط الرفيع الذي يربط الآباء والأبناء ماعاد موصولا في حياة الكثير من الناس الذين يبدو أنه لم يعد يربطهم بآبائهم سوى ثلة من الكروموزومات وعبارة كتبت على إحدى صفحات الدفتر العائلي ابن فلان وفلانة . المخدرات والخمر وراء مآسي الأولياء تحت تأثير" الزطلة " المهلوسات ، الكحول ، أو بسبب البطالة يتعرض العديد من الوالدين لمختلف أشكال العقوق الذي لا يتوقف عند حد الاهانة وسوء المعاملة بل يتعداه إلى الضرب والجرح العمدي الذي يصل إلى درجة محاولة القتل ، وتأتي الأمهات في مقدمة الضحايا ، وهذا ماتؤكده التقارير الأمنية التي تتحدث عن وجود مايزيد عن 800 سجين بتهمة الاعتداء على الأصول ، وقد أكدت مصالح الشرطة القضائية أن الظاهرة تأخذ أبعادا خطيرة بعد أن اقتحم فئة القصر هذا الشكل من الإجرام. فإذا كنا في وقت بعيد نسمع عن أبناء يتحاشون مجرد التلفظ بكلمة" أف" التي هي كلمة بسيطة تتكون من حرفين وهي تدل على الضجر وعدم الرضا ، ورغم هذا فقد جاءت الشريعة بالنهي عن قولها للوالدين ، وكيف كانت نظرات الاحتقار والاشمئزاز تلاحق "عاصي الوالدين " ، لكن وعلى مايبدو أصبحنا نسمع ، نقرأ ونشاهد على أرض الواقع من تجاوز هذه الكلمة إلى ماهو أعظم من ذلك فوصل الأمر إلى حد الضرب والسب والشتم والاهانة والطرد من المنزل والزج بأحد الوالدين أو كلاهما بدار العجزة ، وليت الأمر يتوقف عند هذه الممارسات السلبية التي تشمئز لها النفوس بل هناك من لم يتوان لحظة في الاعتداء الجسدي على والديه أحدهما أو كلاهما ، ووصل بعضه إلى حد إلحاق عاهة مستديمة بالضحية أو التهديد بالقتل والتصفية الجسدية فعلا . فكل الدلائل والمعطيات تؤكد على أن الإدمان على المخدرات يعتبر من أقوى أسباب انتشار هذه ظاهرة الاعتداء على الأصول ، كونه في حد ذاته مرض اجتماعي خطير يهدد فئة الشباب على وجه التحديد وعلاجه مرتبط على مدى رغبة المدمن في ذلك ، والحاجة إلى المخدر تجعله يبدو مستعدا للدخول إلى الجحيم من أجل جرعة من السموم ، وطبعا ليس هناك مجال للتفكيرعن الضحية ودرجة القرابة حتى ولوكان من أقرب الناس اليه ، كما أن للبطالة تأثير سلبي على في حياة الأفراد لمايتولد عنها من الرفض الكلي للبطال من قبل الأسرة فينجم عنها الدخول في خلافات و صراعات مستمرة لاتنتهي أحيانا إلا بحدوث جريمة ، وهذا ما أكدته محاضر الشرطة القضائية التي دونت الكثير من هذه الحالات نذكر على سبيل المثال لا الحصر قضية الشاب "ج،ج" الذي يبلغ من العمر 28 سنة ببرج الكيفان الذي انساق وراء المخدرات فقتل أمه ، التي أرادت فقط أن تصلح من حاله وتطمئن على مستقبله قبل أن تفارق الحياة خاصة وأنه أصغر أبناءها وأحبهم إلى قلبها ، فراحت تلومه على تعاطي المخدرات والكحول والجلوس إلى رفقة السوء ، هذا الكلام لم يعجب الابن العاق الذي لعبت المهلوسات برأسه فراح يركل أمه بقوة إلى أن ارتطم رأسها بحافة السرير الحديدي فلفظت أنفاسها متأثرة بجراحها ، وقضية الأم التي تقطن بحسين داي التي تبلغ من العمر 72 سنة التي تعرضت للضرب بإستعمال العصا ارضاء لزوجته ، هذه الأم تقدمت بشكوى ضد ابنها الأصغر الذي قالت أنها ضاقت المر من اجل تربيته ، وكان حلمها الوحيد أن يتزوج ، فاختارت له ابنة الجيران ، ومن شدة فرحها به اقتنت له كل شيء رغم انه كان عاملا بسيطا ، مرت الأيام الأولى مع الكنة الجديدة في سعادة لكن سرعان ماظهر الوجه الحقيقي لزوجة الابن ، حيث أصبحت تمضي معظم أوقاتها داخل غرفتها ولا تخرج منها إلا قبل دخول زوجها بلحظات قليلة ، وتترك كل أعباء المنزل لعجوز في أرذل العمر ، ورغم ذلك صبرت العجوز كماقالت ، مرت الأيام والعجوز دائما صابرة إلى أن تطاولت عليها زوجة الابن ذات يوم بالشتم والسب ، بمجرد أن خرج الزوج من المنزل ، هذا الأخير سمع صوت زوجته من الخارج ، فدخل إلى المنزل ليجد ها وهي في كامل هيجانها ، والأم واقفة بعد أن عقدت الدهشة لسانها ، وما أن رأت الزوجة زوجها حتى شرعت في البكاء ، وبدل أن يسأل الزوج عما حدث ويستفسر الأمر ، أخذ عصا المكنسة وانهال على والدته ضربا ، حتى سقطت على الأرض ، ووصلت القضية حقا إلى بعد أن أصرت الأم على عدم التخلي عن حقوقها ، وفعلا تم إنصاف الأم الضحية حيث قضت هيئة المحكمة بسجن الابن لمدة ثلاث سنوات . وآخر حاول قتل والدته لأنها رفضت زواجه لأنه بطال فطلبت منه أن يبحث عن عمل حتى يتسنى له "فتح بيت "، وقضية الابن الجاني الذي قتل والده "74 سنة" بتبسة باستخدام لحاف لا لشيء إلا لأنه لامه على تردده على الحانات ورفقاء السوء وإدمانه على المخدرات ، وآخرها الجريمة التي ارتكبها الجاني في العنصر بوهران والذي قتل والدته ودفنها في فناء المنزل . وإذا كانت مصالح الأمن تؤكد على أن ظاهرة الاعتداء على الأصول بكل أشكاله في تزايد مستمر ،وأن 7بالمائة من الجناة الذين يتسببون في العنف ضد الأمهات هم الأبناء ،نجد أن الأرقام لاتعكس الواقع بسبب عدم التبليغ فالكثير من الآباء والأمهات يفضلون الموت على أن يصل الأمر إلى أقسام الشرطة وقاعات المحاكم ، وإذا كان هذا حال العنف الجسدي فكيف يكون الوضع عندما يحضر الحديث عن حالات الإهمال ورفض الإنفاق ناهيك عن سوء المعاملة .