درج الساسة الفرنسيون على زيارة تاريخ بلادهم في الجزائر كلما اقترب موعد انتخابي، فالجدل الدائر في فرنسا هذه الأيام حول الاستعمار وما جرى في الجزائر لا يمكن أن ينفصل عن هذا الأمر. أول أمس خصصت قناة الفرنسية الثانية، وهي قناة عمومية، السهرة للتاريخ، فقد بثت شريطين وثائقيين، الأول حول الرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا ميتران ودوره في الإعدامات التي طالت المناضلين الجزائريين عندما كان وزيرا للعدل، والثاني حول تورط اليميني المتطرف جان ماري لوبان في عمليات التعذيب التي ذهب ضحيتها الجزائريون أثناء الثورة، ورغم أن الشريطين تضمنا شهادات مهمة ومادة تاريخية لا يستهان بها إلا أنهما لم يكونا بريئين من الناحية السياسية. العودة إلى ماضي فرانسوا ميتران في هذه الفترة يبدو وكأنه محاكمة للإشتراكيين الفرنسيين ككل، ومن الواضح أن التناول الإعلامي لقضية التعذيب والإعدام يميل إلى التشخيص من أجل تجنب الحكم على الظاهرة على أنها كانت سياسة دولة، وأن اللجوء إلى التعذيب بشكل آلي كان يشكل قاعدة في سلوك الجيش الفرنسي أثناء الثورة، ومن هنا فإن التركيز على ميتران في هذه الفترة بالذات، وهو أمر بدا أولا بإصدار كتاب ثم إنتاج فيلم وثائقي، لا يعتبر تحولا في الموقف الرسمي الفرنسي من قضية التعذيب أو من التاريخ الاستعماري، ولا يزال الأمر يقدم على أنه أخطاء أو انحرافات شخصية. الهجوم على جان ماري لوبان هو الآخر مرتبط بالحسابات السياسية، ورغم أن هذا اليميني المتطرف لا يخفي حقده على الجزائريين، ولم يتردد في الدفاع عن الجرائم الاستعمارية، إلا أن إعادة فتح الملف دون أي مستجدات يؤكد الخلفيات السياسية التي تحرك الجدل حول التاريخ، ورغم الإجماع الحاصل على الاستعمال الواسع للتعذيب ضد الجزائريين فإن النخب الفرنسية تعتقد أن تمجيد الاستعمار لا يزال يشكل ورقة انتخابية رابحة، ومن هنا فإن المشاكسات الداخلية الفرنسية حول هذه القضايا لا يمكن أن يكون البديل المناسب للجزائريين إن هم أرادوا فعلا أن يستردوا حقهم في الاعتراف والاعتذار، ومع ذلك سيكون هذا التدافع الفرنسي الداخلي من أهم المنافذ التي يمكن أن تخرج من خلالها بعض الحقائق إلى العلن.