قدر خبراء في مجال القرصنة البحرية، وتحديداً تلك التي تجري في خليج عدن، أن تكلفة الهجمات التي تستهدف السفن التجارية التي تشكل الوسيلة الأساسية لتبادل البضائع في العالم تتجاوز 16 مليار دولار سنوياً، مشيرين إلى أن قراصنة الصومال تمكنوا خلال 2009 من جمع 100 مليون دولار على شكل فدى. وقال عدد من قادة القوات الدولية العاملة في تلك المنطقة لحماية خط النقل البحري أن الهجمات مرشحة للتصاعد في الفترة المقبلة، رغم تزايد صعوبة تنفيذها، محذرين من تأثير ذلك على التجارة الدولية، حيث توجد 25 سفينة حربية تعمل لمكافحة القرصنة قبالة الصومال، وبسبب اعتماد التجارة الدولية على البحار فإن مياه خليج عدن تعتبر ممراً دولياً حيوياً، وأدى ذلك إلى تزايد نشاطات القرصنة التي شهدت عام 2009 قفزات بمعدل 70 في المائة طمعاً بالعائدات الضخمة التي تدفع كفدى للإفراج عن المخطوفين وحمولة سفنهم. وقد ارتفعت القيمة المتوسطة للفدية إلى ما بين 3.5 و4 ملايين دولار وهو ما حول نشاطات القراصنة إلى تجارة رابحة، حيث حقق القراصنة خلال 2010 مكاسب تعادل 120 مليون دولار، وذلك بسبب ارتفاع قيمة الفدى التي يطلبونها. سواحل الصومال تتعرض للغزو وفي دراسة قام بها باحث صومالي أكد خلالها أن ظاهرة القرصنة انتشرت منذ انهيار الدولة الصومالية عام 1991 وسيطرة عصابات أمراء الحرب ومليشياتهم القبلية على أجزاء الصومال المختلفة، ولم يتمكن هؤلاء من ملء الفراغ الذي تركه انهيار الدولة، بل بدأت حرب أهلية مدمرة وفرت فرصة لسفن الصيد الأجنبية لغزو شواطئ الصومال في وقت مبكر لنهب الخيرات الوفيرة في البحر، حيث كان الصيادون المحليون يشكون من أن شباكهم الصغيرة وغيرها من معدات صيد الأسماك تتعرض للتدمير من قبل السفن الأجنبية العملاقة مرارا وتكرارا مما أثار المواجهة المباشرة بين السفن الأجنبية والصيادين في المناطق القريبة من الشاطئ الصومالي، وهو ما أدى ببعض الشباب إلى التفكير في الانتقام وحاولوا مطاردة هذه السفن باستخدام زوارق سريعة وبنادق مما يدافعون بها عن أنفسهم في فوضى الحرب الأهلية. وهنا لجأت الشركات المتسللة إلى تغيير أساليبها في مواجهة هذا التحدي فسعت إلى استصدار تراخيص تمنحهم حق صيد الأسماك على طول الساحل من أمراء الحرب الذين سهلوا المهمة في مقابل ملايين الدولارات التي تمنح لهم من طرف هذه الشركات. فقد كانت كل منطقة تخضع لأمير حرب ومليشياته القبلية، وكانت كل مجموعة تجوب المنطقة التي تخضع لها مدعية أنها تقوم بدور خفر السواحل، وهكذا تمكنت هذه السفن من ممارسة عملها دون خوف من الشباب المحليين. وكانت تمخر البحر تحت حماية مليشيات تابعة لأمراء الحرب المنتفعين وتمنع الشباب المحليين من التعرض لها، وإذا حدث أن اقتربت السفن الكبيرة جدا إلى الشواطئ بحيث تحرم قوارب الصيادين المحليين من رزقهم اليومي فإنهم يضطرون عندئذ لمقاومتها، في مقابل ذلك كانت السفن الكبيرة تواجههم بعنف مبالغ فيه بالأسلحة النارية الثقيلة وبخراطيم ضغط المياه لقلب قواربهم الصغيرة. وبعد أن أصيب الشباب بالإحباط بعدما تولت مليشيات أمراء الحرب حماية سفن الصيد، تحولوا إلى السفن التجارية بدل سفن الصيد، وأصبح الهدف بعد ذلك سهلا باستخدام زوارق سريعة مسلحة بمجموعة من الأسلحة، فبعد الاستيلاء على السفينة التجارية وطاقما يطلبون الفدية مقابل إطلاق سراحهم، وقد انضمت إليهم لاحقا مليشيات أمراء الحرب بعد أن رأى رجالها أن هذه الطريقة أسرع في الكسب من العمل لدى أمراء الحرب، وهنا بدأت القرصنة تنحرف عن مسارها لتتعرض للسفن التي تقوم بإيصال المساعدات الغذائية من برنامج الأغذية العالمي للصوماليين أنفسهم الذين تتعرض حياتهم للتهديد جراء الكوارث الطبيعية والحروب الأهلية. ومن بين الأسباب التي أدت إلى انتشار ظاهرة القرصنة في الصومال هو محاولة الشركات الأوروبية التخلص من النفايات الخطيرة بالصومال بتكلفة أقل من 2.5 دولار بينما يكلفهم الأمر 250 دولار في أوروبا وتلقى الشركات نفايات اليورانيوم المشع والمعادن الثقيلة كالزئبق والكاديوم والنفايات الصناعية والكيميائية ونفايات المستشفيات، كما لم تكتف الشركات الغربية باستغلال الوضع بممارسة الصيد المحرم دوليا بل قامت بإلقاء النفايات الخطرة في الصومال خلال الحرب الأهلية الصومالية. مليشيات أمراء الحرب وبخصوص الأشخاص الذين يمتهنون القرصنة، فيتعلق الأمر بالمليشيات التي كانت تعمل لدى أمراء الحرب وهم يشكلون القوة العسكرية، إضافة إلى الصيادون المحليون وهم يشكلون الخبرة اللازمة بالبحر، وكذا مجموعة من التقنيين الذين يجيدون التعامل مع الأجهزة المتطورة التي يستخدمها هؤلاء، وهذه المجموعة الأخيرة هي التي تقوم بالتواصل مع العالم الخارجي والتحدث إلى الطاقم كونها تجيد اللغات الأجنبية، فيما أشارت مصادر إلى أن عددا من قوات الشرطة في بونت لاند وعددا من المدرسين والمحامين تركوا عملهم والتحقوا بالقراصنة. وتتم عملية القرصنة من خلال احتجاز كل السفن المختطفة في مناطق مثل »أيل« و»غرعدي« في »بونت لاند« أو منطقتي »حرطيري« و»هبيو« الخاضعتين لقبيلة الهوية، ويملك القراصنة عددا من السفن الأم حيث يخزنون الأسلحة والوقود والإمدادات الأخرى على متنها، وعندما يجدون صيدهم الثمين من السفن الكبيرة فإنهم ينطلقون إليها بقوارب سريعة مجهزة بأسلحة ورجال يحملون بنادق متطورة ويتسلقون على متنها مستخدمين سلالم حبالية مفتولة حيث يصعدون بها إلى متن السفن الكبيرة. ومن جملة الأهداف التي ينشدها القراصنة هو البحث عن صلة بين المقاومة والقرصنة والتي تهدف إلى تشويه صورة المقاومة وتحميلها مسؤولية الإضرار بالأمن في ممرات البحر الأحمر والمحيط الهندي حتى يسهل تبرير توجيه الضربات إليها دون أن تحرج أحدا، حيث لم يعلن ولو لمرة واحدة عن هدف سياسي للخاطفين ما عدا الفدية التي يعلنونها والمساومة عليها.