من الجدير بالذكر أن يوم الخميس القادم الثامن مِنْ شهر مارس، يوافق ذكرى يوم المرأة العالمي، ونحن في كل مناسبة نبين وجهة نظر الإسلام كي يكون المؤمن على بينة من أمره، وألف تحية للمرأة الفلسطينية، وكل النساء المخلصات العاملات لخدمة العقيدة والوطن، ألف تحية إلى كل أم، وزوجة، وبنت، وأخت، ألف تحية إلى كل الرجال والنساء العاملين المخلصين لدينهم ووطنهم. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :"فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ". جاء في كتاب صفوة التفاسير للصابوني في سبب نزول الآية:"عن أم سلمة قالت قلتُ : يا رسول الله، لا أسمع الله ذَكَرَ النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى"، كما جاء في تفسير الآية السابقة : "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى" أي أجاب الله دعاءهم بقوله إني لا أُبْطِلُ عَمَلَ مَنْ عَمِلَ خيراً، ذكراً كان العامل أو أُنثى، قال الحسن : ما زالوا يقولون ربنا، ربنا ، حتى استجاب لهم "بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ" أي الذكر من الأنثى ، والأنثى من الذكر، فإذا كنتم مشتركين في الأصل فكذلك أنتم مشتركون في الأجر". ومن المعلوم أن المرأة قد شاركت بدورٍ مهم في الهجرة النبوية الشريفة، مما يُعطي انطباعاً أكيداً بأنه لا غنى للمرأة والرجل عن التكامل في الحياة، فقد لعبت المرأة المسلمة دوراً عظيماً أثناء الهجرة النبوية، وكان لهذا أثره في نجاح الهجرة، حيث قامت السيدة أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنهما – الملقبة بذات النّطاقين بدور مهم جداً ، فكانت تتحمل مشاق إعداد الطعام وتوصيله للرسول – صلى الله عليه وسلم - وصاحبه الصديق أبي بكر – رضي الله عنه - . تكريم الإسلام للمرأة إن ديننا الإسلامي الحنيف قد سبق الأنظمة الوضعية بقرون عديدة في تكريمه للمرأة، فقد حفظ لها كرامتها وشرفها وإنسانيتها وأكرمها بما لم يُكْرِمْهَا به أحدٌ سواه، والمرأة في ظلّ الإسلام إما طفلة في المَهْدِ لَهَا الحنان والحب والرحمة والرعاية الكاملة، أو فتاة مهذبة تُحافظ على كلّ قيم الشرف والعفاف، أو زوجة كريمة تَبْني مع زوجها أسرة سعيدة ومستقبلاً حسناً لأبنائها، أو أُمًّا فاضلة تحرص مع زوجها على تنشئة أبنائهم التنشئة الإسلامية السليمة، كما تحرص على تحقيق السعادة لها ولأسرتها، ومن مظاهر تكريم الإسلام للمرأة: *أن القرآن الكريم قد اشتمل على آيات عديدة أنصفت المرأة، ومنحتها حقها، كما في قوله تعالى:"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ". * أن الله جلَّ ثناؤه أكرمها بتسمية سورة من سور القرآن الكريم باسم النساء خاصة، بَيَّنَ فيها كثيراً مِمَّا لهنَّ من حقوق وما عليهنّ من واجبات. *وجعل لها نصيباً معلوماً في الميراث، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى : "يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ". *وأعطى الإسلام المرأة-بكراً أو ثيباً–حقّ اختيار الزوج،كما جاء في الحديث:"لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ،وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ". *كما أعطى الإسلام المرأة حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وحق العمل، والعلم، والتملك، والاحتفاظ باسم عائلتها بعد الزواج. النساء شقائق الرجال أخرج الإمام الترمذي في سننه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : "إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ"، فالمرأة شقيقة الرجل، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن المرأة والرجل في الجزاء والثواب سواء، فقال سبحانه وتعالى:"إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا"، كما أن الشريعة الإسلامية الغرَّاء وضعت المرأة مع الرجل في إطارٍ واحد في إبداء الرأي وفي التكاليف . لقد شاركت النساء في نصرة الدعوة الإسلامية والدفاع عن ديننا الإسلامي، وفي بناء الحضارة الإسلامية، وفي الغزوات، كما شاركت النساء في الهجرة إلى الحبشة، وَكُنَّ مِمَّن بايع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بيعة العقبة قبل الهجرة، كما سَاهَمْنَ في نشر العلم والنور في المجتمع ، والتاريخ الإسلامي مليء بالمواقف المشرفة للمرأة المسلمة ، فأول شهيد في الإسلام كانت امرأة إنها سمية أم عمار – ولفظ شهيد يطلق على المذكر والمؤنث -، وأول من آمن بالنبي- صلى الله عليه وسلم -كانت امرأة، إنها زوجه خديجة – رضي الله عنها – ، وعند دراستنا للسيرة النبوية الشريفة وكتب الصحابة وسِيَرِ الأعلام، فإننا نجد أن المرأة المسلمة قد سَطّرت صفحات مشرقة كُتبت بماء الذهب في سجل التاريخ. دور المرأة في المحافظة على القدسوفلسطين فلسطين أرض الإسراء والمعراج وأرض المحشر والمنشر ، وقد أخذت مكانتها من وجود المسجد الأقصى ، وتاريخها مرتبط بِسِيَرِ الرسل الكرام -عليهم الصلاة والسلام- ، وهي عزيزة علينا، دنيا ودينا ، قديماً وحديثاً ، ولن نفرّط فيها أبداً مهما كانت المغريات ومهما عظمت التهديدات، ومن الجدير بالذكر أن المرأة اهتمت بمدينة القدس عبر التاريخ، حيث شاركت الرجل في تحمل المسؤوليات، فالحديث يشهد للنساء الاهتمام الكبير ببيت المقدس والتفكير فيه كالرجال. *من ذلك ما جاء في الحديث الشريف أن بيت المقدس هو أرض المحشر والمنشر، والذي روته ميمونة مولاة النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: قلتُ: "يَا رَسُوَلَ اللهِ، أَفْتِناَ فِي بَيْتِ الْمَقِدْسِ، قَالَ:" أَرْضُ الْمَحْشَر ِوالْمَنْشَر... الحديث". *وكذلك ما جاء في الحديث الشريف عن فضل الإهلال بالحج والعمرة من المسجد الأقصى المبارك بالقدس، والذي روته أم المؤمنين أم سلمة-رضي الله عنها-زوج النبي– صلى الله عليه وسلم- أنها سمعتْ رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول:"مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ "وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ". ومن المعلوم أن المرأة الفلسطينية لم تكن بمنأى عن التضحية والفداء والصبر والمرابطة، فهي أم الشهيد، وزوجة الأسير، وشقيقة الجريح، وابنة المبعد عن وطنه ، ولم تسلم المرأة الفلسطينية من الاعتقال والاستشهاد والإصابة، وهدم البيوت، ومن أمثلة ذلك : *أمينة بدر الخالدي : ابنة المرحوم بدر مصطفى الخالدي من مواليد القدس سنة 1855م، والدها من أعيان مدينة القدس وصاحب عقارات وأملاك كثيرة، وقفت جميع ما يخصها وقفا خيريًّا إسلاميًّا لإنشاء مستشفى خيري في القدس يُعرف باسم مستشفى أمينة الخالدي،وكان ذلك سنة1942م. *عائشة إبراهيم أبو خضرة،وابنتها مكرم سليم أبو خضرة: كانتا من سكان المحلة الغربية في مدينة غزة هاشم، ورثتا أراضي وعقارات وأموال كثيرة، واحتساباً لوجه الله تعالى وقفتا ما يزيد على ثلاثين ألف جنية فلسطيني نقداً، بالإضافة إلى جميع أملاكهما والتي تُقدر بمئات العقارات، لإقامة مستشفى خيري إسلامي ومسجد مجاور للمستشفى في مدينة غزة. * وأم كامل الكرد رفضت كل الإغراءات المالية التي تقدر بملايين الدولارات، كما رفضت كل التهديدات والاعتداءات وبقيت متمسكة ببيتها وبحقها ، مرابطة في مدينتها المقدسة، لذلك فقد قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء عائلة الكرد وطردها من منزلها في حي الشيخ جراح بالقدس؛ بهدف السيطرة على هذا البيت والبيوت الأخرى المجاورة من أجل تهويد المدينة المقدسة. فألف تحية للمرأة الفلسطينية، وكل النساء المخلصات العاملات لخدمة العقيدة والوطن، ألف تحية إلى كل أم ، وزوجة ، وبنت ، وأخت ، ألف تحية إلى كل الرجال والنساء العاملين المخلصين لدينهم ووطنهم "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ".