الإسلام من أكثر الأديان تأكيدا لقيم الشورى وتكريس المبادئ السامية في العلاقات الإنسانية بين الرجل والمرأة، وجعلها قائمة على التعاون والمشاركة والرحمة، ومع ذلك فإن البعض يثير الشبهات حول موقفه من المرأة ومكانتها في الأسرة ودورها في المجتمع، ونسبوا إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- أنه قال في شأن النساء: »شاوروهن وخالفوهن«، واتخذوا منه دليلا للزعم بأن موقف الإسلام فيه تمييز للرجل على المرأة وانتقاص لها. محض ترهات يقول الدكتور محمد داود، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، إن المناقشة الهادئة للأباطيل التي يروجها البعض حول الإسلام وموقفه من المرأة، تكشف بجلاءٍ زيفَها وضعف دليلها، وأنها محض ترهات، لأن الحقائق التاريخية تؤكِّد أن الإسلام كرَّم المرأة، وكفل لها حق الحياة، ونهى عن الجرائم التي كانت تُرتكب في حق الإنسانية من وأد البنات، ومنح المرأة كافة الحقوق التي رفعت مكانتها وأعلت من شأنها. وأوضح أن النصوص الدينية سواء في القرآن الكريم أو السنة الشريفة تؤصل وتؤكد مبدأ المساواة التامة بين الرجل والمرأة في التكاليف والعبادات والواجبات، يقول الله تعالى: »إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات« (35 الأحزاب)، فالخطاب للرجال والنساء معا. ويضيف أن عظمة الإسلام تتضح في حدبه على المرأة وتكريمه لها؛ بوصفها أماً؛ حيث منحها مكانة سامية في الجنة. كما أن الخطاب القرآني يؤكد أن طبيعة المرأة من نفس طبيعة الرجل، وأنهما من أصل واحد، يقول الله تعالى: »يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء« (النساء 1). كما أكد في آيات كثيرة التكافؤ والتكامل بين الرجل والمرأة، يقول الحق سبحانه: »للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن«. وحذّر من خطورة اتهام الإسلام وتشويهه بلا دليل. وقال إن المقولات الظالمة التي يروجها البعض يدحضها منطق الإسلام وثوابته الواردة في نصوصه المحكمة، التي تؤكد احترام رأي المرأة وعقلها. والثابت هو أن رأي المرأة لا يقل عن رأي الرجل. كما أن مسؤولياتها تتساوى مع مسؤوليات الرجل وتشترك معه في الأمر والنهي في المجتمع الإسلامي، ومصداق ذلك قوله تعالى: »المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله« (الآية 71 التوبة). احترام رأي المرأة وقال داود إن تمسك البعض بأقوال منسوبه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في شأن النساء لا يقيم حجة على الإسلام والعلماء، مؤكدا أن »شاوروهن وخالفوهن« حديث موضوع لا قيمة له ولا وزن من الناحية العلمية، حيث ضعّفه السخاوي في »المقاصد الحسنة«، والشوكاني في »الفوائد«، وحكم عليه بعض العلماء بالوضع. وأضاف أن الشورى في الإسلام تكليفٌ ديني وفريضة شرعية مقدسة يتوجب الأخذُ بها وعدم تركها أو التنازل عنها، والله تعالى يقول: »وشاورهم في الأمر« (آل عمران، الآية 159). ومن ثوابت الإسلام أن الحديث لا يمكن أن يخالف القرآن فلا يصحُّ نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن هنا فمشورة المرأة مشروعة، وهي الأصل في العلاقات الإنسانية بين الرجال والنساء، لتزداد الألفة والمحبة، ويتعزز بها توافقهم وانسجامهم. وأوضح أن السنة النبوية احتوت الكثير من الأحاديث والمواقف التي تؤكد الشورى واحترام رأي المرأة، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - شاور زوجته أم سلمة في أمر من أهم أمور المسلمين، وأشارت عليه، فأخذ برأيها راضيا مختارا، فمعلوم أنه بعد صلح الحديبية أمر الرسول - عليه الصلاة والسلام - أصحابه أن يحلقوا ويقصروا ويتحللوا من إحرام العمرة، ليعودوا بعد اتفاقية صلح الحديبية. ولكن الصحابة عز عليهم وشق على أنفسهم وقد خرجوا بنيَّة العمرة، وبنيَّة العبادة أن يتحللوا ويعودوا دون أن يؤدوا المناسك، فلم يتقدم أحد منهم، ليتحلل من إحرامه ويقص شعره أو يحلقه ويخلع ملابس الإحرام. ودخل الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أم سلمة يشكو إليها ما صنع أصحابُه ويقول: »هلكَ الناس«، أي: عصوا أمر رسول الله. وما كان من »أم سلمة« إلا أن أشارت عليه قائلة: »يا رسول الله، اخرج فلا تكلم أحداً، واطلب من يقصر لك شعرك ويحلقه أمامهم، وتحلل من الإحرام أمامهم، ولا تفعل غير ذلك«، فخرج النبي- صلى الله عليه وسلم - واستدعى الحلاق ليقصِّر له شعره، وتحلل من إحرامه. وقال الناس: »كيف لم نفعل ما فعل رسول الله؟!«، ففعلوا، وكان ذلك بفضل رأي أم سلمة. شقائق الرجال ويقول داود إن مكانة المرأة تتضح في الحديث النبوي الشريف: »النساء شقائق الرجال«. والشقيق هو الأخ من الأب الذي يتساوى في جميع الحقوق. وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم: »كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته«. والرسول - صلى الله عليه وسلم- استخدم في الحديث كلمات راع ومسؤول ليصف الرجل والمرأة ومهمة كل منهما. وأوضح أن الإسلام يأمر أتباعه بالحرص على الاستشارة في معضلات الحياة والتروي في المواقف والبحث عن الرأي الصواب. والحكمة تقضي بأخذ رأي المرأة إذا كان سديدا وموافقا للحق. وقد أخذ نبي الله شعيب برأي ابنته حين قالت: »يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين«. وفي الصحيحين من حديث أم عطية رضي الله عنها عندما غسلت زينب بنت النبي- صلى الله عليه وسلم - قال لها النبي-صلى الله عليه وسلم - »اغسلنها خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك«؛ فرد الرأي إليهن في ذلك. كما أن امرأة ردت على عمر - رضي الله عنه - رأيه، وهو يخطب على المنبر، فلم ينكر عليها، بل اعترف بصوابها وقال: »كل الناس أفقه من عمر«.