جمع اللقاء 20 صحفيا وإعلاميا في واد سوف، يوم قبل انطلاق قافلة الإعلام السياحي إلى تونس الخضراء، بمبادرة من الاتحاد الوطني للإعلاميين والصحفيين الجزائريين تنسيقا وتعاونا مع الفيدرالية التونسية للوكالات السياحة والأسفار. الساعة تشير إلى السابعة صباحا، التحضيرات على قدم وساق للإنجاح رحلة نحو بلد أقل ما يقال عنه أنه سياحي بامتياز. على بعد ساعتين من الزمن وصل الوفد إلى الحدود مع جارتنا الشرقية وانطلقت الرحلة في بلد استطاع استرجاع سواحه بعد ما عصفت بهم ريح ما عرف ب»الربيع العربي«. انتهت الاجراءات الجمركية على مستوى حدود الدولتين، لندخل الأراضي التونسية، نكمل الطريق على متن السيارات السياحية، من خلال المناظر شعرنا أنه لا شيء يوحي أنك في تونس إلا الحدود المرسومة سياسيا، فالصحراء جمالها من جمال وروعة الصحراء الجزائرية، أخذتنا المناظر الخلابة للكثبان الرملية والتلال التي كانت تسلم علينا من بعيد، للتوقف بنا السيارة في واحة شبيكة، التقينا بالدليل السياحي »سي صابر« وعدد من المسئولين المحلين بولاية توزر. الملفت في المكان هو الاهتمام الكبير في كل التفاصيل، والعناية بالمورث السياحي، يشعرك المكان وكأنه على أهبت الاستعداد لاستقبال السواح في أي وقت، بينما أترقب التفاصيل ونمضي لأخذ صور أمام شلال صغير، محاولة استكشاف المكان يقاطعنا صوت الدليل السياحي معرفا بالمنطقة. تقف أقدمنا على رمال واحة شبيكة، الواحة يرجع تاريخها إلى العهد الرماني » حيث استقر الرمان في المنطقة في الفترة الممتدة بين القرن الأول والقرن الخامس قبل الميلاد، وما أثار انتباهي من المعلومات التي كان يقدمها الدليل، تمثل في أن السكان الأصليون في المنطقة كانوا يستعملون المرآة كوسيلة للتواصل لمنع تقدم الأعداء في احتلال الواحة. ثماني كيلومترات نجد أنفسنا أمام الشلال الكبير بواحة تمغزة، ميزها توافد السواح بالحافلات الجماعية، لقبها الرومان ب »اتوراس« كما أنها كانت مستعمرة العرب، تزخر بجودة تمورها، يميزها مهرجان الواحات الذي تحيه أشهر الفرق الفلكلورية العالمية على مدار أربع ايام في شهر ديسمبر. جربة... جزيرة الأحلام شددنا الرحال إلى جزيرة الأحلام، جربة، مودعين الجنوب التونسي ولاية توزر بعد أن قضينا ليلتنا الأولى بها، لنتوجه في اليوم الموالي إلي جزيرة جربة. وفي الطريق نتوقف في مدينة مطماطة، ملامحها من بعيد يكشف أنها ضاربة في عمق التاريخ وتحمل كل زاوية من زواياها حدثا تاريخيا، تظهر بيوت ضاحية مطماطة تحدي الإنسان في العصور الماضية، تلك البيوت التي تعبر عن حفر في الصخور الجبلية الوعرة. في هذه الأثناء يتدخل الدليل السياحي ليقدم بطاقة تعريفية عن هذه البيوت التي بينت نحت الأرض، قائلا: دفع تهديد القبائل المتوحشة »بنو هلال، بنو سويليم« في القرن الحادي عشر، الموافق 1054 بسكان المنطقة إلى تأسيس وبناء بيوت تحت الأرض في مطماطة، للاختباء والاحتماء من خطر وتهديد هذه القبائل المتوحشة، كما لعبت هذه المنازل البربرية في مطماطة دورا كبيرا في فترة الاستعمار الفرنسي فقد كانت ملجئ المجاهدين. أكثر من ثلاث ساعات من سير الحافلة تستقبلنا شواطئ البحر لمدينة الجرف لتقيلنا العابرة البحرية إلى جزيرة الأحلام جربة. تقع جربة في الجنوب الشرقي لدولة تونس، تمزج هذه الجزيرة بين الطبيعة الصحراوية والمناخ المتوسطي، تنفرد شواطئها بجمال مميز قليل ما تجده في الشواطئ، وحين تطأ قدماك جزيرة »الأحلام« تفهم لماذا وصفت بجزيرة الحياة العذبة، فهي التي يعانق فيها سحر الصحراء نسمات البحر. جزيرة جربة الحالمة لم تكن مكتظة بالسواح كما يروج لها، فهي الملاذ الممتاز للعلاج بمياه البحر والاسترخاء، لما تتوفر عليه المن مرافق مخصصة للاستجمام. اكتشفنا روائع جربة السياحية أيضا من خلال حومة السوق أين يوجد »برج غازي مصطفى« الذي استرجعه التونسيون من الإسبان على يد الفاتح درغوث القرضان سنة 1560. حفاوة استقبال بالمدينة العتيقة صفاقس استقبلنا بحرارة من قبل السلطات المحلية لمدينة صفاقس، شعرنا بالعناية الكبيرة والحفاوة في الاستقبال، فبعد الرسميات تجولنا في شوارع المدينة، ليستوقفنا سور المدينة العتيقة مرفقة بشروحات من طرف رئيس جمعية المحافظة على تراث المدينة. ليستهل كلامه قائلا: فرنسا اقترفت خطأ فادحا في الجزائر تمثل في نقل العمارة الفرنسية بحذافيرها إلى الجزائر، ما جعل الشعب الجزائري يقاطع بشدة العمران الغربي المرتبط بحقب استعمارية، خطأ استدركه المستعمر الفرنسي في احتلاله لمدينة صفاقس. يضيف المتحدث معرفا بتاريخ المدينة، المدينة أدرجت في سنة 2012 في القائمة التمهيدية للتصنيف ضمن التراث العالمي لليونسكو. مساحة المدينة لا يتجاوز 600 متر في الطول وعلى 400 متر في العرض، ما يحي لك أن قيمتها تتمثل في النشاط الاقتصادي والتراث الذي يعطيها رونقا فريدا، بنيت صفاقس على نمط مدينة الكوفة العراقية، في القرن التاسع ميلادي في عهد الدولة الأغلبية التي كانت مهددة من البيزنطيين، فبنيت عدد من أبراج المراقبة لحماية نفسها من هذا الخطر البيزنطيين القادمين من البحر. أهم ما يميز المدينة هو الحجارة التي رممت بها أسوارها، حيث أخذت هذه الحجارة من المدن الرومانية القديمة، وللمدينة بابين، باب مطل على واجهة بحرية كان محميا بطريقة إبداعية، حيث غلف الباب الخشبي بالحديد لحمايته من الأعداء وباب من جهة الجبل، في هندسة معمارية تجتمع فيه كل مواصفات الأمن وحياة السلاطين الذين سكنوا المنطقة. من خصوصيات المدينة هته المتربعة على مساحة 24 هكتارا، أنها تتوفر على عدد كبير من المعابد الدينية. حافظ الاستعمار الفرنسي على النمط المعماري للمدينة عكس ما قاموا به في الجزائر- وفق الشروحات المقدمة لنا- حيث عمل المهندسين المعماريين الفرنسيين الذين انبهروا بالهندسة المعمارية الفريدة للمدينة العتيقة بصفاقس، والتي منها استلهموا هندسة البنى التحتية جميعها في المنطقة، فتجد -مثالا على ذلك- مدرسة بصومعة، مستشفى بصومعة ودار البلدية بصومعة. المنستير.. مدينة الاسترخاء والتراث مدينة غنية سياحيا، تجمع بين القيمة التاريخية للتراث والحداثة، حيث تكتشف في مدينة المنستير معالم تاريخية تسافر بك عبر التاريخ، وتجد فيها طيف جميل النسيج العمراني المعاصر يتجلى بالأخص في الفنادق الفخمة من حوالي البحيرات والمسطحات المائية التي هي أكثر ما يستهوي وفود السياح. يعود أسم المدينة »منستير« إلى البيزنطيين وتعني »الدير« وتنفرد رباط المنستير، التي تعتبر واحدة من القلاع الفريدة على السواحل المغاربية. عند دخولك الرباط تشعر وكأنك في متاهة ممتعة من الساحات والأبراج والجدران المسننة والمتراصة كالأهرامات، كانت في عصور غابرة قلعة صغيرة، تستعمل كخلوات تزهد للصوفيين وكان حراسها يتعبدون فيها، ويستقبلون الطلاب والعلماء، وتوكل إليهم مهمة الدفاع عن القلعة في حالة ما تعرضت للغزو، فكانوا يرسلون إشعارات من برج العالي إشعارات ضوئية للتحذير من الخطر القادم من البحر. فلا يمكنك »جزما« -يقول دليلنا السياحي- »زيارة المنسيتر دون زيارة ضريح الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة الذي يحاكي تاريخ هذا الرجل الرمز لدى التونسيين«. القيروان .. مهد الإسلام بالمغرب العربي تلقب بأول عاصمة إسلامية بالمغرب العربي، أول ما تقع أقدامك على أرض القيراون تشعر بعبق الحضارة الإسلامية وسماحة الدين الإسلامي، فأذان الصلاة يصدح من صوامع الجوامع، وأسواقها تعيدك إلى أجواء المدن الإسلامية التي عادة ما نشاهدها في الأفلام التاريخية القديمة. حسب المعلومات التي سردها الدليل السياحي تأسست مدينة القيروان سنة 670 ميلادي، أثناء الفتح الإسلامي لإفريقيا، وأصبحت واحدة من أهم المدن في البحر الأبيض المتوسط في عهد الأمراء الأغالبة في القرن التاسع، حيث تم بناء المسجد الكبير في شكله الحالي، الذي يعتبر نموذجا من المساجد التي شيدت بالأندلس. خلال جولتك في القيروان يستوقفك مبنى »البرويطة« الحاضن لبئر قديم يحظي بتبجيل المتساكنين، بداخله جمل يدور باستمرار لتحريك نظام قديم من العجلات والدلاء لسحب الماء، والملاحظ من زيارتنا له استقطابه لعدد كبير من الزوار. فزائر القيروان سيأسر حتما برؤيته فناء وقاعة صلاة مسجد عقبة ابن نافع، صرح ديني يبعث على السكينة وانتعاشا في الروح، عند دخولك ساحته الشاسعة والتي يخيم عليها الهدوء والوقار، لتلاقيك أعمدته الشامخة، حيث يروي لك كل عمود قصة من قصص الإسلام في مدينة القيروان. تعود النواة الأولى لتأسيس مسجد عقبة ابن نافع إلى قدومه سنة 50 للهجرة لمدينة القيروان، المسجد أعيد بناؤه عدة مرات، وأكثر ما يميز هذا الجامع هو الأعمدة والتيجان التي تزينه والتي تم استرجاعها من الرومان والبيزنطيين، أما صومعة المسجد فكانت تستعمل للحراسة بالإضافة للأذان. تركنا مسجد عبقة ابن نافع متوجهون إلى مطعم »البريجة« الواقع على سور من أسوار المدينة العتيقة ليكتمل جمال الرحلة بالأكلات التقليدية لتونس الخضراء. تواصلت القافلة السياحة للصحفيين والإعلاميين الجزائريين لمدة أسبوع كامل ليكون مسك الختام العاصمة تونس، أين حضينا باستقبال مميز من طرف القائمين على القطاع السياحي بتونس، كما وجهت لنا دعوة لزيارة مقر نقابة الصحفيين التونسيين، بالإضافة إلى لقاء مع وزير السياحة، وبالإضافة الى زيارات إلى أهم المدن بتونس العاصمة على غرار »سيدي بوسعيد«، الآثار الرومانية لقرطاجة، ومسرح قرطاج العالمي، لتكون محطتنا الأخير مدينة طبرقة الحدودية.