عاد ملف التشغيل ليحتل صدارة النقاش الوطني الدائر حول مسببات التململ الاجتماعي الذي تعرفه البلاد مؤخرا، حيث انصب الجدل على مدى فعالية الإجراءات التي اتخذتها الحكومة طيلة السنوات الماضية لإدماج أصحاب الشهادت واحتواء الطلبات المتزايدة لسوق العمل، وامتصاص البطالة، وقد دفع مجلس الوزراء الأخير المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة النقاش بعيدا من خلال مطالبته الحكومة بمراجعة الآليات المعتمدة أو تفعيلها وأيضا تبسيطها. تبرز الإحصائيات التي تقدمها وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، أن هناك ضغطا متزايدا على سوق العمل، سيما من حاملي الشهادات الجامعية، حيث تسجل المصالح المختصة ما لا يقل عن 120 ألف طلب للتشغيل سنويا من قبل حاملي الشهادات، 72 بالمائة منهم أعمارهم أقل من 30 سنة، ومعنى هذا من وجهة نظر الخبراء المهتمين، أن الخصوصية التي يتمتع بها المجتمع والمتمثلة في ارتفاع العنصر الشبابي يفرض على الحكومة تحديات كبيرة جدا لاحتواء هذا الملف خاصة أن نسبة خريجي الجامعات والمعاهد في تزايد مستمر، ناهيك عن الذهنية الجزائرية التي تميل إلى البحث عن وظائف قارة في مؤسسات عمومية أو خاصة بدل الاستثمار في مشاريع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة سواء بصفة فردية وجماعية. فماهو واقع التشغيل بالجزائر؟. تقول الحكومة من خلال وزارة العمل، أنها تمكنت من استيعاب 530.917 شاب بطال منهم 130 ألف متحصل على شهادات جامعية العام المنصرم وحده مثلما صرح بذلك الوزير الطيب لوح يوم 27 جانفي بالمجلس الشعبي الوطني في رده على سؤال شفوي، وبشئ من التفصيل الذي يهدف إلى إبراز نجاعة الآليات المعتمدة، أوضح أن 60133 منصب شغل تم استحداثها في إطار الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب، في حين تمكن صندوق التامين على البطالة من تشغيل 15804 شاب أما 181839 فتم تشغيلهم ضمن إطار الوكالة الوطنية للتشغيل، ومن هنا سجل الوزير أن نسبة البطالة استقرت في 10 بالمائة. إلا أن المتشائمين من الوضعية الاجتماعية، يذهبون إلى القول أن هذه الأرقام سياسية ولا تعكس الواقع الاجتماعي الذي زادت من حدته تفاقم نسبة البطالة، وللتأكيد على صدقية طرحهم، يستندون إلى دعوة رئيس الجمهورية الحكومة إلى مراجعة آليات التشغيل، مما يؤكد أن هناك خلالا في السياسة المنتهجة، ذلك لان البيروقراطية وتعقيد الإجراءات وتنامي المحسوبية والمحاباة فضلا عن ثقل البنوك في معالجة الملفات وشروطها التي لا تتناسب مع وضعية البطالين، يحدث هذا في الوقت الذي عجزت قنوات الاتصال الرسمية في تبليغ الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتحريك ملف التشغيل، إذ لا غرابة أن تجد العشرات من البطالين يجهلون أن هناك امتيازات عديدة توفرها لهم بعض الإجراءات المتخذة، منها على سبيل المثال ما ينص عليها المرسوم التنفيذي رقم 10 -157 الصادر في 20 جوان 2010 والتي تتيح للشباب إمكانية الحصول على قروض تفوق أل 5 ملايين دج مقابل مساهمة لا تزيد عن 5 بالمائة وهناك مستويات عديدة لمثل هذه الصيغ، التي تصحبها امتيازات في مجال الإعفاء الضريبي وغيرها كثير. لكن بعيدا عن لغة الأرقام التي تروج لها الجهات الوصية و الانتقادات التي تسوقها أطراف حزبية أو جمعوية، يبقى الواقع المعاش وحده الكفيل بالدعوة إلى مراجعة السياسة الاجتماعية وبالأخص في شقها المتعلق بالتشغيل، وذلك من خلال تثمين الإجراءات الفعالة وتقديم بدائل واضحة للصيغ التي تشكل مادة للسخط ومنها عقود ما قبل التشغيل، إلا أن الصرامة في محاربة المحسوبية والرشوة والمحاباة والثقل الإداري والشروط التي تفرضها المؤسسات المالية يجب أن تحظى بالأولوية لنجاح أي إجراء جديد.