منذ خطاب الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر إثر حرب 1967، لم تنتظر الشعوب العربية، من المحيط إلى الخليج، خطابا من حاكم عربي كما انتظرت خطاب حسني مبارك ليلة الخميس 10 فبراير 2011. * الأجواء التي سبقت الخطاب، خاصة البيان رقم واحد الصادر عن القيادة العليا للجيش وكذلك مواصلة التلفزيون المصري، طوال ساعات، الإعلان عن خطاب هام يلقيه الرئيس حسني مبارك؛ هذه الأجواء، إضافة للعدد المتزايد للمتظاهرين والمضربين في كل مدن مصر، جعلت كل الناس في العالم العربي ينتظرون أن يعلن حسني مبارك عن انسحابه النهائي والتام من الحكم؛ لكن الخطاب لم يحمل ما كان منتظرا منه أن يعلنه للشعب المصري والشعوب العربية، بل أكثر من ذلك، فقد حمل شحنات كبيرة من الأنانية المفرطة والوصاية الأبوية واتهام مغلف بالتآمر على مصر.. الخ. * من خلال تحليل محتوى الخطاب يتضح أنه اشتمل على العناصر التالية: * أولا، الوصاية الأبوية: بحيث يفتتح حاكم مصر خطابه بعبارتين يضع من خلالهما نفسه في موضع الأب، فهو يتوجه إلى الشباب المرابطين بميدان التحرير وغيره من ميادين وساحات المدن المصرية قائلا: "الأبناء شباب مصر وشاباتها.." من خلال هذه العبارة الأولى يستولي الرئيس المصري على صلاحيات الأب (في المجتمع الشرقي) الذي له كل الحقوق في توجيه الابن ونصحه وحتى تأديبه إن اقتضى الأمر. * العبارة الثانية، جاءت مؤكدة للأولى مع شيء من العاطفة حيث يقول: "أتوجه إليكم جميعا بحديث من القلب، حديث الأب لأبنائه وبناته.. أقول لكم أنني أعتز بكم رمزا لجيل مصري جديد..". الرئيس، يتنازل هنا عن دوره كرئيس لمصر ليتقمص دور الأب الذي يتفتح بالحديث مع أبنائه من جهة ويفاجأ، من جهة أخرى، بقدرة الأبناء على القيام بأشياء لم يكن يتصور أنهم يستطيعون إتيانها، لذلك فهو يعترف، بشيء من اللوم، أنه يعتز بهم. * العجيب، أنه من خلال العبارتين السالفتين، يظهر وكأن المتكلم ليس حسني مبارك بل أنور السادات، فهذا الأخير تعود، خلال الأشهر الأخيرة من حكمه، على استعمال مثل هاتين العبارتين عندما يتوجه بخطبه إلى الشباب أو إلى أفراد القوات المسلحة؛ وحتى صبيحة مقتله، عندما طلبت منه زوجته أن يرتدي الصدرية الواقية من الرصاص قبل ذهابه إلى العرض العسكري، رد عليها قائلا: لا داعي لذلك فأنا سأكون مع أبنائي. * نزعة الأبوة هذه، ليست خاصة بحسني مبارك بل هي حالة ذهنية يكاد يشترك فيها معظم الحكام العرب الذين ينظرون إلى شعوبهم، وخاصة الشباب منهم، بأنهم غير ناضجين بعد وعليه فهم في حاجة مستمرة لآباء يوجهونهم ويسيرون أمورهم ويتحكمون في ثوراتهم. * من جهتها، وسائل الاتصال العمومية في العالم العربي تساهم بدور كبير في غرس فكرة الأبوة هذه من خلال إبراز الحاكم في دور الأب الرحيم الذي يسهر على راحة أبنائه والذين بدورهم لا يستريحون ولا يشعرون بالهناء إلا بوجوده وبقوة سلطته. * حسني مبارك، الذي لم يدخل الجامعة ولا تعرف على الأفكار والمبادئ الكبرى التي حركت الشعوب الأوروبية ودفعت بها إلى السير نحو النهضة، هذا الجنرال الآتي من الثكنة العسكرية، والذي تربى، منذ الأكاديمية العسكرية على الطاعة والانضباط، لا يدرك معنى العقد الاجتماعي كما لا يستسيغ فكرة أن يثور عليه المواطنون ويطالبونه بالرحيل –أو يحاسبونه على سياسته- لذلك فهو ينظر إلى الأمر على أنه "زعل عيال" أي مجرد غضب أطفال سيعودون إلى رشدهم بمجرد تدخل الأب بحديث فيه إغراء وصرامة في نفس الوقت. * ثانيا، الأنانية والتسلط، حيث يبدو أن الرجل يسير أمور البلد، حتى في أصعب مراحلها، كما يسير ثكنة عسكرية، فهو يستعمل ضمير المتكلم في خطاب مكتوب باللغة العربية الفصيحة وليس خطابا مرتجلا وباللغة العامية. رؤساء الدول عندما يتوجهون لشعوبهم –خاصة إذا كان الخطاب مكتوبا- يتكلمون في صيغة الجمع (نحن قررنا، نحن نريد أن نفعل كذا وكذا). الحديث في صيغة الجمع يعطي إيحاء بأن النظام السياسي ليس فردا بل جماعة ومؤسسات. الرجل الذي يستعمل عبارة (أنا قررت أو أنا فعلت كذا وكذا) يعطي الإيحاء بأنه وحده من يقرر وانه لا يعترف بفصل السلطات ولا يحترم مؤسسات الجمهورية. * في خطابه، استعمل حسني مبارك ضمير المتكلم من بداية الخطاب حتى الفقرة ما قبل الأخيرة، ويذهب إلى أبعد من ذلك عندما يجعل الأمر مرتبطا بطرفين فقط: هو (الأب) من جهة والشباب المطالب بالتغيير من جهة أخرى: "أقول لكم إن استجابتي لصوتكم ورسالتكم ومطالبكم هو التزام لا رجعة فيه وأنني عازم كل العزم على الوفاء بما تعهدت به بكل الجدية.." * يتبين من خلال هذه الجملة أن الرجل هو وحده فعلا من يقرر في الشأن المصري وقد قرر أن يستجيب لمطالب الشباب. كما يتضح من خلال نفس الجملة أن الرجل يشك في قدرته على إقناعهم لذلك فهو يؤكد على التزامه بالوفاء وبكل جدية. * لعل دراسة لخطب شخصيات عالمية أخرى، أثناء أزمات مماثلة، تبين ما إذا كانت هذه الشخصيات قد وصل بها الحد إلى هذا المستوى من فقدان الثقة في النفس، لأن حسني مبارك يبدو هنا في صورة الرجل الذي لم يعد أحد يصدقه فهو تعود على الكذب وبالتالي فهو يكاد يقسم باليمين بأن كل ما يقوله سينفذه. لعل السؤال الذي يطرح في هذه الحالة هو: مادام يستطيع الاستجابة لمطالب الشارع ويمكنه إصلاح الأمور فلماذا لم يقم بذلك منذ زمن بعيد، فهو في الحكم منذ ثلاثين سنة، ثم إن كان فعلا مقتنعا بضرورة الإصلاح فمعنى ذلك أيضا أن هناك فسادا وقع في زمنه وتحت سلطته، فهل يستطيع الفاسد أو من سمح بالفساد بإصلاح ما أفسد خلال عقود من الزمن. * لا يمكن تصور أن حسني مبارك يدرك كل هذه الأمور فطبيعة تكوينه تجعل منه أكبر عدو للنقد الذاتي أو لتقبل آراء المخالفين له، لذلك فهو قد يكون غير دارك للأخطار التي جعل مصر تتعرض لها. * ثالثا، التنصل بشكل سافر من المسؤولية، بحيث يعلن صراحة تبنيه لمطالب الشباب الثائر ويظهر ذلك من خلال التأكيد على أن الضحايا هم شهداء وأنه سيسهر شخصيا على معاقبة الذين تسببوا في قتل المواطنين المصريين المتظاهرين: " أقول لكم قبل كل شيء إن دماء شهدائكم وجرحاكم لن تضيع هدرا وأؤكد أنني لن أتهاون في معاقبة المتسببين عنها بكل الشدة والحسم وسأحاسب الذين أجرموا في حق شبابنا بأقصى ما تقرره أحكام القانون من عقوبات رادعة..". هذه الجملة تبرز بوضوح التناقض الكبير في خطاب الحاكم المصري. الرئيس لم يختر كلمة "شهدائنا" بل فضل "شهدائكم"، مما يعني أنه ينظر إلى ما وقع من فوق وكأنه غير معني تماما بما حدث ولا مسؤولية له في ذلك، كما أنه يبدو، من جهة، وكأنه الوحيد من يقرر ومن يمنح العفو ومن يعاقب في مصر، ومن جهة أخرى، يتحدث عن معاقبة المتسببين في ترويع المواطنين. أليس هو من آمر باستعمال كل وسائل القمع ضد المتظاهرين؟ * هذه الجملة تفضحه كرجل يحاول أن يظهر في صورة الرجل القوي المتماسك والمتحكم في الأمور. إنه يهرب من مسؤولياته بالبحث عن كبش فداء مع أن العالم كله يعرف بأن لا احد في مصر يستطيع أن يتخذ قرارا يتعلق بالأمور الأمنية دون العودة إلى رئيس الجمهورية أو ولده جمال مبارك. * رابعا، التكبر والتعجرف، ويظهران من خلال تأكيده على أنه لا يجد "حرجا أو غضاضة أبدا في الاستماع لشباب" بلاده. فإن لم يستمع الحاكم لشباب بلاده فمن يستمع إليهم وإلى من يستمع هو؟ * هذه الجملة تبرز هي أيضا طبيعة العقلية السائدة لدى الحكام العرب. هو يتصور أن مجرد الاستماع لفئة من فئات المجتمع فيه تواضع من طرفه. * حسني مبارك، يقدم الأمر وكأنه يمن على شباب مصر عندما يستمع إليهم. إنها حالة مرضية تصيب الحكام وتجعلهم يعتقدون بأنهم أعلى من كل البشر. لعل علماء النفس يعرفون جيدا الحالة النفسية لهذا النوع من الناس. * يبدو أن وسائل الاتصال العمومية والمتملقين يفقدون الحاكم صوابه بحيث ينسى من أين جاء ويتحول إلى إله يريد من الجميع أن يعبدوه. * خامسا، الكذب على الشعب، من خلاله تأكيده على أنه لا يقبل الإملاءات من الخارج، حيث يقول: "العيب وما لم - ولن - أقبله أبدا أن أستمع لإملاءات أجنبية تأتى من الخارج أيا كان مصدرها وأيا كانت ذرائعها أو مبرراتها". * تصديق مثل هذا الكلام يعني أن مبارك لا يستمع أبدا للإملاءات الخارجية مما يعني أن كل القرارات التي اتخذها طوال الثلاثين سنة من حكمه هي قرارات صادرة عن السلطة المصرية التي اتخذتها بكل حرية. في هذه الحالة فأن الأسئلة العديدة التي تطرح هي: * - ما فائدة مصر من المشاركة بقوة عسكرية في تدمير العراق وتسهيل عملية احتلاله من طرف أمريكا؟ * - ما فائدة مصر من تفتيت الصف الفلسطيني وضرب الحصار الكامل على قطاع غزة وتجويع أطفال الفلسطينيين وحرمان الرضع من الحليب والدواء؟ * - ما فائدة مصر من السعي إلى التضييق على المقاومة في لبنان ودعم كل المشاريع التي تستهدف نزع سلاح المقاومة؟ * - ما فائدة مصر في مواجهة إيران والتحالف مع الولاياتالمتحدةالأمريكية في محاصرة هذه الدولة الإسلامية؟ * - ما فائدة مصر من تقسيم السودان؟ * - ما فائدة مصر من تعطيل دور جامعة الدول العربية من خلال رفض كل محاولات إصلاح هذه الجامعة؟ * هذه الأسئلة وغيرها تؤكد على أن مصر تحولت، في زمن حسني مبارك، إلى قاعدة أمامية لإسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية وأن الدور المنوط بها هو مواجهة حركة التحرر والتقدم والعصرنة في هذه المنطقة لإبقائها منطقة متخلفة وتابعة للغرب. * الكذب، يظهر أيضا من خلال ادعائه أنه رفع علم الانتصار في سيناء: " اسعد أيام حياتى يوم رفعت علم مصر فوق سيناء..". * الرئيس يزور التاريخ في نفس اليوم الذي توفي فيه البطل الحقيقي لحرب أكتوبر، الفريق سعد الدين الشاذلي الذي كان رئيس الأركان العامة للجيش المصري وقت حرب أكتوبر وهو من هندس للحرب وهو من قادها، لكن الإعلام المصري وزبانية النظام حرفوا التاريخ بحيث أن الزائر لمتحف الجيش المصري يصدم عندما يصل إلى الجناح الطويل والعريض المخصص لحرب أكتوبر، يصدم من الغياب التام لصور بطل مصر والعرب: الفريق سعد الدين الشاذلي. بطل العبور الحقيقي. * الإعلام المصري دأب على إطلاق تسمية "بطل العبور" على حسني مبارك مع أنه كان وقت حرب أكتوبر قائدا لسلاح الطيران، وآخر عسكري في أي جيش يعلم بان قائد الطيران لا يشارك في الحرب، فمكانه أثناء المعارك هو قاعة العمليات ليدير المعركة منها، فكيف تسنى لحسني مبارك أن يقود طائرته ويحارب وهو في نفس الوقت قائدا للطيران؟ وحتى إذا اعتبرنا أنه شارك في المعركة فكيف تمكن من النزول من طائرته ورفع علم مصر فوق سيناء؟ أن الذي رفع علم مصر هو الجندي المصري وكذلك الضابط الذي قاد حرب أكتوبر حقيقة وجعل منها واحدة من أكبر الحروب التي لا بد أن يعتز بها كل عربي، قبل أن يحولها أنور السادات إلى هزيمة عسكرية وسياسية، إنه البطل الفريق سعد الدين الشاذلي رحمه الله. * كما كذب الرئيس من خلال أدعائه بأن هناك حوارا مع الشباب وأن الحوار أدى إلى نتائج: " لقد بدأنا بالفعل حوارا وطنيا بناء.. يضم شباب مصر الذين قادوا الدعوة إلى التغيير."، بينما المعروف أن الشباب رفضوا أي حوار قبل ذهاب مبارك. * سادسا، المن على الشعب المصري، وهذه ظاهرة منتشرة كثيرا بين الحكام العرب، حيث يبدون وكأنهم (عاملين مزية) في شعوبهم لأنهم يحكمونهم. حسني مبارك، الخارج من ثكنة للجيش (نذكر مرة أخرى)، يتكلم، في خطابه عما قدمه من تضحيات لمصر: ".. مكتفيا بما قدمته من عطاء للوطن.. لأكثر من ستين عاما.. فى سنوات الحرب والسلام." * هو يظهر هنا وكأنه ليس من سعى للحكم والبقاء فيه، بل يوحي بأنها كانت تضحية كبيرة منه عندما حكم لمدة ثلاثين سنة، ومثلها قضاها في الجيش. * بعد ثلاثين سنة من الحكم الفردي، وبعد كل ما بذله من مجهودات لإنجاح مشروع التوريث، يأتي حسني مبارك ليقول لشعبه: "لم أسع يوما لسلطة أو شعبية زائفة.." * في الجملة التالية من الخطاب يظهر الرئيس وكأنه تخلى عن كل قوته وجبروته ليستجدي الشعب المصري شيئا من الرحمة. هو يريد أن يحرك عواطف الشعب المصري تجاهه عندما يذكره بما قدمه للوطن قائلا:".. أفنيت عمرا دفاعا عن أرضه وسيادته.. شهدت حروبه بهزائمها وانتصاراتها.. عشت أيام الانكسار والاحتلال وأيام العبور والنصر والتحرير.. واجهت الموت مراتا عديدة..". * حسني مبارك يعود من خلال هذه الجملة للعب دور الأب الذي ضحى بالكثير من أجل تربية أبنائه ولما كبروا بدأوا يتنكرون للجميل، لذلك فهو يذكرهم بما قدم لهم، وبالتضحيات التي تكبدها من أجلهم. * هي لحظة ضعف أرادها عن قصد لإثارة عواطف الأغلبية الصامتة تجاه شخصه وتجاه سنه وشيخوخته، فهو يأبى أن يتخلى عن فكرة أنه الزعيم المحبوب من شعبه وأن من ينادون برحيله هم مجرد أقلية: "أثق أن الأغلبية الكاسحة من أبناء الشعب يعرفون من هو حسنى مبارك.. ويحز فى نفسى ما ألاقيه اليوم من بعض بني وطنى." * هي عقلية الأبوة والوصاية على الشعب المصري تعود من جديد في هذه الجملة من الخطاب، فهو يوجه اللوم لمن جرحوه بعد كل ما قدمه لهم، ناسيا إن من حق كل مواطن حر أن يوجه النقد للحاكم ويحاسبه على أخطائه. هذه إحدى معاني العقد الاجتماعي المغيب في النظم السياسية العربية. * حالة المن هذه لا نجد مثيلا لها في الدول الغربية حيث يعتبر المسؤول، مهما كانت درجة مسؤوليته، أنه يقوم بواجبه مقابل مبلغ مالي معين، ومادام قبل بالمهمة فعليه أن ينجزها على أحسن وجه. * سابعا، التهديد بتدخل القوات المسلحة. هذه القوات هي في منظور الرئيس وسيلة لإقناع المتظاهرين وتخويفهم في نفس الوقت: " وفق توافق وطنى عريض ومتسع القاعدة.. تسهر على ضمان تنفيذه قواتنا المسلحة الباسلة." * هذه حيلة أخرى من حيل الريس المصري، فهو يدرك بأن للقوات المسلحة المصرية حظوة ومكانة عند الشعب، كما يدرك بأن قيادة هذه القوات هي في مجملها مضمونة له وفي خدمته، فكل الجنرالات الموجودين على رأس المؤسسة العسكرية المصرية هو من أختارهم، على مدار الثلاثين سنة الماضية، وهو من رقاهم وأوصلهم إلى المراتب التي بلغوها، كما انه سهر، بمساعدة خبراء أمريكيين، على تصفية كل العناصر المشكوك في ولائها للنظام من صفوف الجيش وذلك منذ مقتل السادات من طرف الضابط الإسلامبولي؛ لذلك فهو يستعمل آخر ملجأ له لجعل الشعب يطمئن على الإصلاحات التي يزمع القيام بها وتخويف كل من يرفض هذا المسعى لحل الأزمة لأن المؤسسة العسكرية هي الضامنة. * حسني مبارك لا يكتفي، في تهديده للشباب، باللجوء إلى القوات المسلحة فقط، بل يهددهم بالمصير الأسود لأنه، في نظره، لا يوجد حل آخر غير الحل الذي يقترحه وإن لم يوافقوا عليه فسيتضررون كثيرا: "إن مصر تجتاز أوقاتا صعبة.. لا يصح أن نسمح باستمرارها فيزداد ما ألحقته بنا وباقتصادنا من إضرار وخسائر.. يوما بعد يوم.. وينتهى بمصر الأمر لأوضاع.. يصبح معها الشباب الذين دعوا إلى التغيير والإصلاح أول المتضررين منها". * هذا كلام ديكتاتور أعمته السلطة إلى درجة أنه لا يرى أي حل خارج إرادته وان كل محاولة أخرى، خارج ما يدعو إليه هو، ستجعل البلد ينهار على ساكنيه. * ثامنا، هي مؤامرة تحاك ضد مصر. كذلك يراها مبارك، الذي يبدو أن مؤهلاته العقلية لا تمكنه من إدراك الواقع، ولا شك أن ثلاثين سنة في الحكم جعلته يرى المؤامرة في كل مكان ووراء كل نشاط أو حركة سياسية أو اجتماعية. لكن المؤامرة ليست موجهة ضد شخصه بل ضد مصر كلها مما يستلزم تضافر جهود الجميع، بما فيهم هو، لإنقاذ الوطن، خاصة وأن الجميع في خندق واحد: " إن اللحظة الراهنة ليست متعلقة بشخصى.. ليست متعلقة بحسني مبارك.. وإنما بات الأمر متعلقا بمصر.. فى حاضرها ومستقبل أبنائها إن المصريين جميعا فى خندق واحد الآن.. ". * المؤامرة التي يتحدث عنها حسني مبارك لن تستطيع مصر الخروج منها إلا إذا سمعت لأقواله ووافقت على مشروعه وعادت، كما كانت جزءا من إرادته، فهو ينهي فقرته الأخيرة من الخطاب باستعمال ضمير الجمع (نحن) مؤكدا بأنه من خلال ذلك " سترد كيد الكائدين وشماتة الشامتين * .. سنثبت أننا لسنا أتباعا لأحد.. ولا نأخذ تعليمات من أحد.. وأن أحدا لا يصنع لنا قراراتنا.. " * ختاما، قد يكون هذا آخر خطاب يلقيه حسني مبارك قبل ذهابه، كما قد ينجح في تفتيت حركة الجماهير فيبقى ليشرف شخصيا على انتقال السلطة لمن يختاره هو فيستمر النظام الذي سهر حسني مبارك على بنائه على مدار الثلاثين سنة الماضية. * إن كان هذا آخر خطاب لحسني مبارك فسيدخل التاريخ كخطاب لم يعرف صاحبه كيف يستغل فترة إلقائه لينسحب قبل أن تجرفه الأمواج البشرية. * في الحالتين، هو خطاب ينبئ عن عقلية هذا الحاكم ونظرته لمستقبل مصر التي أراد توريثها لولده جمال دون الأخذ بعين الاعتبار بأن المواطنين لا يورثون وأن الرعية وحدها هي من تورث، ولا شك أن شباب مصر يعلنون اليوم عاليا إنهم مواطنون وليسو رعية؛ كما أن حركة شباب مصر ستمتد إلى بلدان عربية بقت راكدة لحد الآن فتتحرك فيها الرعية مطالبة بحق المواطنة مسقطة بذلك كل مشاريع التوريث في العلم العربي.