الشاعر الحقّ لا يموت.. الشاعر الحقّ الذي يصطف إلى جانب إنسانية الإنسان..حيث الحق والخير والجمال.. مهما ضاق الأفق حتما ستتسع الرؤيا.. من كان يتصور أن شاعرا وبعد سبعين عاما يعود ليتصدر شعار الثورة وقيمتها من قصيدته الشهيرة الرائعة: »إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر« عاد أبو القاسم الشابي إلى تونس وصدّر ثورة رائعة صارت مفصلية في التاريخ العربي المعاصر في ذاك اليوم من 17 ديسمبر الماضي وقضت في 29 يوما على النظام البوليسي وخلع الطاغية بن علي. كان لافتا أن الناس خرجت إلى الشوارع وكسرت حاجز الخوف والمطالبة بحقهم في حياة كريمة تسودها الحرية والديمقراطية والحريات.. فعلوا ذلك بمختلف فئاتهم العُمرية والمهنية ورددوا شعارا واحدا فاصلا جامعا أبهر العالم وقالوا بلسان واحد وهم يجوبون الشوارع: »إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر« كانت رائعة ثورة الشاعر في تونس وكذلك فعلت ثورة مصر.. الشباب ذاتهم بمستوى الوعي ذاته يغيرون التاريخ في منطقة عربية كبيرة ظلت مفتوحة على حسابات السياسيين ومصالحهم، ورفعوا الشعار الأوحد في ميدان التحرير يوم 25 يناير وأسقطوا نظاما بوليسيا عتيقا أهان كرامة الناس وأفسد حياتهم 30 سنة.. ردّدوا شعار الشاعر العربي: »إذا الشعب يوم أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر« كانت عودة الروح إلى الإنسان العربي الذي تحرّك في كثير من العواصم ويملأ صدورهم رغبة جامحة في التحرر والانعتاق من الظلم والاستبداد. عاد الشعر وعاد الشاعر الحق الذي لا يموت.. سبعون عاما من غياب الشابي في متون الكتب أعادت بعث كلماته حيّة في صدور الملايين الذين خرجوا للتظاهر وتصعيد الاحتجاج من أجل كسب معركة الكرامة العربية وتقويض عهود التذلل والمهانة في انتظار عواصم أخرى صدأت فيها الأنظمة وتجاوزها التاريخ. »ومن يأبى صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحُفر«