لم أجد أي مبرر للخروج بمبادرات تسمى تصحيحية أو تقويمية خارج الإطار الذي يجمع جميع مناضلي حزب جبهة التحرير الوطني والذين لهم الحق في طرح انشغالاتهم وانزعاجاتهم واقتراح البدائل بما يضمن للجميع حرية الرأي والممارسة الديمقراطية في إطار من الشفافية والوضوح. لا يمكنني أن أرمي مناضلا مجاهدا مثل صالح قوجيل خارج حزب جبهة التحرير الوطني يمارس المعارضة بطريقة تجعلنا نحس بالخجل لأن صوته لا يجب أن يسمع مهربا.. بل يسمع رسميا وعلى منبر حزب جبهة التحرير الوطني وفي اجتماع اللجنة المركزية أو أي صيغة أخرى لأنه لا أحد يرفض الحوار من أجل الحفاظ على وحدة الحزب وقوته قيادة ومناضلين. كما لا يمكنني أن أتصور حوارا عن بعد وتبادلا للشروط والمطالب وتوزيع وريقات تحمل هذا الرأي أو ذاك، حزبنا لم يكن وليد الأمس، بل إنه وهو سليل الحركة الوطنية بكل زخمها الوطني والسياسي، لا يمكنه أن يتعامل مناضلوه وقياديوه بهذا الأسلوب الذي يزيد من شقة الخلاف بدل التضييق منها والعودة إلى الصف الواحد. لا أعتقد أن الأمين العام أغلق أبواب الحوار لو تداعى العقلاء من قيادات تاريخية وسياسية إلى جميع الأطراف ووضع كل الخلافات على طاولة الحوار.. لخرج الجميع بالحل الذي يضمن للحزب وحدته وللعمل النضالي والسياسي فاعليته واتساع مجالاته وبكل أبنائه ومناضليه. إن ما يدور بين الطرفين قد يكون سجين حاجات شخصية أو نوعا من التعنت وعدم الرضوخ للضغوط، وقد يكون كل شيء، إلا مراعاة الطرفين النتائج المترتبة عن هذا الخلاف على الحزب كقوة سياسية الكل يترقب أية حالة ضعف للانقضاض عليه وإدخاله عنوة وتحت مسميات كثيرة إلى »المتحف«. كل هذا الجهد المهدور في التجمعات التعبوية لتقوية هذا الطرف على ذاك لا يخدم رسالة حزب جبهة التحرير الوطني الموجهة أساسا إلى الاستمرارية في بناء الدولة الجزائرية وفي التعبئة المتواصلة لربط الصلة بين الأجيال ليبقى وهج الثورة وتزداد مبادئ نوفمبر تجذرا. إن الإحساس بالتمزق هو ما يؤلم كل مناضل غيور على حزب جبهة التحرير الوطني، وإن الإحساس بأن الحزب متهم بممارسات لا تتلاءم مع رسالته الوطنية ما يزيد في إنكاء الجراح وتحطيم المعنويات وإطلاق الألسنة للتجريح في حزب هو العنوان الرئيسي لجزائر الثورة والعزة والبناء. ليس هناك من هو منزه عن الأخطاء والخطايا، ولكن أيضا ليس هناك من لديه الحقيقة المطلقة والكلمة التي لا ترد، ولذلك فإن الحوار الهادئ والمسؤول والبعيد عن الأنانية والذاتية والتجريح، بمعية مجموعة من العقلاء، وحده الكفيل بإنهاء هذه الحالة التي أقلقت كل مناضل غيور على حزب جبهة التحرير الوطني، لأنه في نظري لا يمكن المفاضلة بين هذا المناضل القيادي أو ذاك إلا بالقدر الذي يتحلى به الجميع من إيمان وإرادة لخدمة المصلحة العليا لحزب جبهة التحرير الوطني. ليست المرحلة مرحلة تصفية حسابات ولكنها مرحلة تصفية بعض الشوائب التي لحقت بالتركيبة السياسية للحزب نتيجة تصرفات أصبح من الضروري اليوم وضع حد لها، ليس نزولا عند رغبة هذا أو تصفية لحسابات معينة، بل إنقاذا لحزب لم يكن عبر تاريخه ملكا مشاعا ولا رهينة لأي مجموعة. لست ضد أي رأي مخالف ولا مع موقف مساند، ولكني مع كل جهد يخدم المصلحة العليا لحزب جبهة التحرير الوطني الذي وحده يبقى والجميع راحلون!!