كنت أظن أن العرب هم وحدهم الذين ابتلوا بآفة النسيان في زمننا هذا، لكن الحقيقة غير ذلك. شعوب الدنيا كلها، على ما ألاحظه، تنسلخ عن بعض الحقائق التاريخية التي سرعان ما تنبعث حية في وجدان هذا الشعب أو ذاك. ألمانيا في أيامنا هذه تتفنن في مساعدة الكيان الصهيوني على سبيل دفن تاريخها القريب، ذلك الذي جعل منها بلدا مجرما، مغرقا في الإجرام، ما بين 1939 و 1945. ولكأننا بهذا البلد العجيب يريد أن يدفع بشعوب العالم إلى أن تصفح عنه، وتضرب صفحا عن جرائمه في حق اليهود والعرب والأوربيين والأفارقة وكل الذين ابتلوا بنيران الحرب العالمية الثانية. واليابانيون يفعلون نفس الشيء عندما يرسلون التهديدات تلو التهديدات باتجاه كوريا الشمالية دون كوريا الجنوبية على سبيل درء الأخطار النووية التي تهددهم وتهدد جانبا من القارة الأسيوية. وينسى اليابانيون في غمرة ذلك ما فعلوه من مجازر في الكوريين جميعا خلال الحرب العالمية الثانية وقبلها. وما زالت الصور الوثائقية البشعة تقف وقفة الفاضح لسلوكهم الأرعن ذاك. الصفح أمر جميل في هذه الدنيا، لكن، أن يتم على حساب هذا الشعب أو ذاك، فإنه أمر غير مقبول. ألمانيا تريد أن يصفح العالم عنها، ولكن، تفعل ذلك على حساب الفلسطينيين والعرب جميعا. وقفتها مع المجرمين الصهاينة في إسرائيل، ومع الولاياتالمتحدة والعالم الغربي كله، لا يمكن أن تسحب غطاء النسيان عليها، وتجعلها بلدا نقي اليدين والسريرة. واليابانيون يرفعون عقيرتهم بالشكوى في منابر الأممالمتحدة وغيرها من المنابر الأخرى عبر العالم، ويزعمون أن كوريا الشمالية تهدد أمنهم واستقرارهم، ويطالبون بضرورة تسليط العقوبات عليها. وسلوكهم السياسي هذا ليس حبا في الأمن والاستقرار بقدر ما هو محاولة لتمرير المنشفة على السبورة حتى لا يبقى عليها أي أثر من آثار التعذيب والتنكيل التي أحدثوها في كوريا التي لم تكن شمالية ولا جنوبية، بل كانت كورية واحدة إلى غاية عام 1951. فهل من طبيعة الشعوب أن تنسى تاريخها بعد أن صار مدونا في الكتب ومصورا في الأفلام الوثائقية ومنقوشا في وجدان شعوب أخرى طالتها أسباب الإذلال والهوان؟ وهل تتوجه هذه الشعوب كلها إلى محفل دولي ذات يوم، وتوقع صكا على بياض معترفة بما ارتكبته في حقوق شعوب مجاورة لها، وتطلب الصفح والمغفرة، وتتعهد أمام البشرية كلها بأنها لن تعود إلى سابق سلوكها؟ الأمر مشكوك فيه، ولعل سبب الحروب والتناحر والتدابر كامن في هذه النقطة بالذات، تلك التي يريد البعض فرضها على البعض الآخر، أي الامتناع عن النظر إلى الماضي القريب، خاصة ما إذا كان هذا الماضي حالك السواد. وأحسب أن من حق الشعوب العربية أن تكف عن السير في هذا الخط. لقد أخطأت يوم وقفت إلى جانب الحلفاء الغربيين في هجمتهم على العراق، ونسيت ما فعله العالم الغربي من أفاعيل في حقها. ومرض النسيان هو المرض الذي ينبغي أن نتخلص منه في العالم العربي كله.