يقدم عصام اليوسفي مدير المعهد العالي للفن المسرحي من خلال هذا الحوار تشريحا وافيا لمجال التكوين بالمعهد العالي للفن المسرحي الذي يديره بالرباط ،كما يكشف عن جدلية صراع الأجيال وإشكالية قتل الأب في المسرح المغربي ، ويتناول بالتحليل أزمة المسرح العربي حيث يرى أنه من الضروري إعادة حساباته و يبتعد عن الدوران في حلقة مفرغة، كما وقف على واقع المسرح الجزائري من خلال العروض التي شهدتها الطبعة الجديدة للمسرح المحترف ** هل يمكننا بداية أن نتعرف أكثر على المعهد العالي للفن المسرحي بالرباط الذي تديرونه؟ المعهد هو مؤسسة فتية تم إنشاءها في الموسم الجامعي لسنة (1986-1987) تقع تحت وصاية وزارة الثقافة، يستمر فيها التكوين لمدة أربعة سنوات، وفي نهاية يتخرج الطالب بشهادة معادلة لشهادة ليسانس، المعهد هده السنة في دفعته ال18. أما عن شروط الالتحاق بالمؤسسة هي أولا الحصول على شهادة البكالوريا لا يهم تخصص، وبعد ذلك يخضع المترشح إلى مباراة أو مسابقة صارمة تدوم خمسة عشر يوما، حسب عدد المترشحين الذي يصل في بعض الأحيان إلى 300 مترشح . تكون المسابقة أولا على شكل مقابلة تتعلق بالثقافة عامة والمسرحية، الإضافة إلى تقديم موقف مرتجل أمام اللجنة، وتسمح هذه المرحلة بغربلة أولى للمترشحين . في المرحلة الثانية نمر إلى مواد كتابية خاصة ب"الدراماتواوجيا" والثقافة العامة ومادة الترجمة وهي أساسية لان التكوين في المعهد يتم باللغتين العربية والفرنسية، بالإضافة إلى تهيئة مشهد من "الربيرتوار الكلاسيكي" . أما في المرحلة الثالثة التي تسفر عن حوالي 35 إلى 40 مترشح تكون في شكل ورشات تطبيقية مركزة، تخصص الأولى للصوت والجسد أما الثانية فهي خاصة بالتشخيص والارتجال، ورشة ثالثة خاصة بالسينوغرافية والرسم تدوم ثلاثة أيام وبعد انقضاءها نقوم باختيار حوالي 20 طالب للالتحاق رسميا بالمعهد. *بعد الالتحاق رسميا بالمعهد كيف يتم التكفل بالمترشحين و ماهي التخصصات التي تدرس بالمعهد؟ بالنسبة للتكون، السنة الأولى هي جدع مشترك تدرس خلاله جميع المواد، في السنة الثانية هناك ما يسمى التوجيه حيث يتم الاحتفاظ بالجذع المشترك في الفترة الصباحية على أن تدرس مواد التخصص في الفترة المسائية. اما فيما يتعلق بالتخصصات فهي اثنان، أول السينوغرافيا والديكور وثانيا التشخيص أو التمثيل، وفي أغلب الأحيان يتجه ثلاث أجزاء المترشحين للتمثيل وجزء واحد للسينوغرافيا والديكور وهذا يتقرر حسب طلبات السوق. وشعبة التمثيل هي بدورها تملك فرعا بحيث هناك مواد تصب في الإخراج والكتابة المسرحية والدراماتولوجيا وكذا الإدارة المسرحية. نفس الشيء بالنسبة لتخصص سينوغرافيا فالتكوين القاعدي هو سينوغرافيا لكن تندرج تحته تخصصات أخرى كمسرح العرائس، الصوت والإضاءة والملابس بحيث هناك مادة تطبيقية في تصميم الملابس والخياطة، ذلك لأننا نحرص على أن نكون متفتحين ومتعددين. ** لكن ماذا عن رغبة المترشح وميولاته ؟ أكد أن اختيارات المترشحين تأخذ بعين الاعتبار،لكن هناك توجيه وتأطير، كما أنه لا يمكننا مثلا أن نغرق السوق بالسينوغرافين في حين أن طبيعة العمل المسرحي تحتاج سينوغراف واحد والكثير من الممثلين ،لذلك فأن قسم السينوغرافيا عادة ما يضم بين ثلاثة إلى خمسة مترشحين فقط، أما التمثيل فعادة ما يضم 15 مترشح . ويتم التفكير جديا في خلق ماجستير خاص بالإخراج يكون مختلف عن الماجستير الموجود في الكليات المغربية والقائم في أغلبه على الجانب النظري، الشيء الذي يجعل خرجي المعهد يرفضون الالتحاق بهذه الكليات رغم أنهم يملكون رغبة في مواصلة الدراسة لأنهم يجدون أنفسهم يدرسون الآداب وغيرها من المسائل النظرية بخلافا لمسارهم الذي هو بالأساس مهني حرفي، لذلك نحن نسعى إلى خلق ماجستير يقوم على مواد تطبيقية للحفاظ على هذا البعد المهني والاحترافي. ** وبعد التكوين هل هناك وجود لخرجي المعهد على الساحة الفنية العملية المغربية ؟ قطعيا نعم، لأنه وحسب إحصائيات فان مستوى نسبة مشاركة خرجي المعهد في الأعمال الفنية الوطنية سواء في المسرح أو السينما أو التلفزيون وحتى البرامج الترفيهية مرتفعة جدا، وهناك اعتراف حتى من أولئك الذين كانوا متخوفين ومتحفظين من التجربة في بدايتها،ذلك لان أفواج المتخرجة من المعهد لم تشارك فقط في تنشيط الساحة وإنما ساهمت أيضا في خلق معطيات جديدة على مستوى التصور وإدارة الممثلين وكذا السينوغرافيا التي كانت رهان أساسي، رغم وجود بعض الصراعات القائمة أساسا على صراع الأجيال وإشكالية قتل الأب التي هي دائما حاضرة . **تحدثتم عن علاقة التكوين الفني باحتياجات السوق هل هناك دراسات سوق تقومون بها في هذا لاتجاه مع مختلف الشركاء؟ بصراحة ليس هناك إطار معقلن قائم على شركات لكن هناك طلب كثير، كما أن إستراتيجية التكوين تسمح لنا بمعرفة احتياجات السوق بحيث أنه ابتداء من السنة الثالثة والرابعة القانون الداخلي للمعهد يسمح للطالب إمكانية المشاركة في أعمال خارجية لكن بترخيص، وبذلك فان الطلبة لم يكونوا بعيدين عن السوق، كما أننا في بعض الأحيان نقوم بتنظيم "كاستينغ"مع مخرجين مسرحين وسينمائيين للاجتماع بالطلبة وهذا يسمح لنا بمعرفة ما يريده السوق أيضا. كذلك فان للمعهد لديه الأولوية لكن طبعا هناك خروقات وتجاوزات واقتناص للفرص. ** مشكل النص يطرح نفسه بقوة على خشبة المسرح العربي بشكل عام، لماذا في رأيكم ؟ أخشى أن يكون في رأي نوع من التطرف، لكنني أؤكد انطلاقا من الواقع الموجود في المغرب انه وعلى مستوى التشخيص أو التمثيل ليس هناك مشاكل فممثلينا يملكون قدرات عالية وبإمكانهم الاندماج في أي عمل عالمي بدون مشكل بالنسبة للسينوغرافيا نفس الشيء،المشكل المطروح هو على مستوى النصوص والكتابة والإخراج وأنا أعتبر هذا رهانا من الضروري التعامل معه بشكل عقلاني عن طريق تكوين يكون مهني واحترافي يسمح للفنان أن يمتلك أدوات التعبير والإبداع . أما بالنسبة للعالم العربي فانا اعتقد –وممكن أن أكون مخطأ – أن المشرق مازال يحمل بعض الأوهام ويجتر بعض الأسئلة التي لم تعد مطروحة في العلاقة مع التراث والأصلة والهوية ومن تم يبقى خطابه مجردا لا يحمل علاقة مباشرة مع الواقع ولا يبحث عن أساليب جديدة للتعبير عن الحاضر، عمليا نجد خطابات تنفر الجمهور من المسرح في حين أن دور المسرح هو البحث عن أشكال وأساليب تتكلم عن الحاضر عن الواقع المشترك مع الجمهور وهذا هو الرهان ، للأسف المسرح العربي يحوم في حلقة مفرغة، لذلك أنا اعتقد أنه لابد من إعادة تقيم التجربة واعتماد نوع من العقلانية والموضوعية ،فالمسرح لم يعد مجرد مزايدات بقدر ما هو امتلاك لأدوات مهنية. ** وماذا عن وضعية الفنان في المغرب ؟ هل هناك قانون يحفظ حقوقه ؟ تبقى أجوبة نسبية لأننا في صيرورة تطور، هناك بعض المطالب وبعض المكتسبات بالنسبة للساحة الفنية على المستوى المهني والعلاقات بين جميع الأطراف، في العمل الفني هناك عقد واضحة. بالنسبة للمكتسبات هي تسير بوتيرة بطيئة هناك اليوم بطاقة فنان والضمان الاجتماعي، ودعم للأعمال الفنية، وترويج بعض العروض...وهذا قليل نسبة إلى ما ينتظره الفنان، ليس هناك حتى الآن مسؤولية أخلاقية على مستوى الممارسة الفنية مازالت الدولة لا تتحمل مسؤولياتها الكاملة في تخطيط وخلق إطارات واضحة في التعامل تكون فيها مسؤولية وقوانين واحترام لحقوق جميع الأطراف يحترم خصوصية الساحة الفنية المغربية، وأنا أعتقد أن المسؤولية مشتركة بين الدولة التي تملك قرار سياسي وبين الفنان ليرقى ويكون نموذج وقدوة على مستوى السلوك الاجتماعي وقيمة ما يقدمه من فن. ** كتب المخرج المغربي الكبير عبد الكريم برشيد مؤخرا رسالة نعى فيه المسرح المغربي ما رأيك؟ الكلام في هذه المسالة هو نوع من التورط لان هناك مواقف مختلفة ومعطيات ربما هي غائبة عن العالم الخارجي، فالأستاذ برشيد أعطى الكثير للمسرح المغربي وقدم تراكما بالنسبة للنصوص وتصور شكل من أشكال المسرح الذي هو المسرح الاحتفالي بنوع من الاحترافية، كما أن حضور الأستاذ برشيد كبير في العالم العربي لكن في نفس الوقت هناك أسماء أخري وشباب أيضا يعملون ، ونحن نسعى إلى الاعتراف بالتعددية و نتجاوز المركز وتقديس شخص واحد و الخروج من خلق أسطورة حول شخص معين.صحيح هناك رواد لكن هناك شباب يشتغلون ولا بد الاعتراف بأعمالها و وإعطاءه مكانته. هناك نقطة أخرى هي القدوة نحن نفتقد هذه القدوة بحيث يظهر لنا نوع من النقاط السوداء في هذه القدوة أو تلك وهو مات يخلق نوع من البلبلة. ** تحدثتم عن الدعم الذي تقدمه الدولة للمسرح هناك من يعتقد أن هذا الدعم هو نوع من الطوق الذي يكبل حرية المبدع ؟ بالنسبة لعملية الدعم قبل ثمانية سنوات تم خلق لجنة دعم التي تقوم بدراسة مجموعة من المشاريع من اجل تحديد إمكانية حصول أي مشروع أو لا عن دعم أنا شاركت لمدة ثالثة سنوات كعضو في هذه اللجنة وكنا نقوم بدراسة ملفات و قراءة نصوص و دراسة تصور اخراج متابعة العروض. هناك نوعين من الدعم : دعم على أنتاج و دعم في الترويج. أما فيما يخص الرقابة بصراحة وبشكل موضوعي ليست هناك رقابة، ممكن أن الموجود هي الرقابة الذاتية ليس هناك تعليمات واضحة اللجنة تعمل بشكل حر انطلاقا من معاييرها. هناك مسالة أخرى بالنسبة للدعم وهي المؤسسات التابعة للبنوك التي تدعم بعض المشاريع من خلال شراء عروض، وزارة الثقافة أيضا تقوم بشراء عروض خلال المهرجانات، وكذا مسرح محمد الخامس . بالإضافة إلى ما يسمى بالإنتاج المشترك إما مع فرنسا أو ألمانية أو اسبانية أو مشاريع مشتركة مع منظمات أجنبية لكن هذا النوع يبقى مجرد مبادرات فردية ومبادرات محدودة غير مؤطرة قانونيا. ** كيف تقيمون مستوى العروض الجزائرية مقارنة بالمغرب أولا وما ينتج على الخشبة العربية بشكل عام؟ هي بصراحة صعب الحكم على الأحكام لأنمه بالأساس يبقى حكم قيمة التجارب أنا على العموم شاهدت تجارب مسرحية جزائرية في المغرب وفرنسا تركت لدي انطباعا جد جميل عندي ،أما بالنسبة لما شاهدته خلال هذا المهرجان بشكل موضوعي المستوى كان جد متوسط ربما هذا الظرف لا يمكنني من تكوين فكرة عامة، كما أنني أضن ومن الممكن أن أخطأ هو أن نقص على مستوى التصور السينوغرافي وهذا ربما مرتبط بتكوين متخصص مهني العروض التي رأيتها لا تمكنني من أعطاء نظرة كاملة،و باعتبار أن المهرجان خاص بالمحترفين فالمطلوب مكنهم هو أكثر من هذا، ويبقى هذا الحكم نسبي قابل للتغير لأنني لم أشاهد سولا ثلاثة عروض، وما شاهدته في فرنسا والمغرب كان يحمل نضج اكبر على مستوى جماليات المسرح على مستوى العلاقة بالجمهور وخاصة ما كان يثيرني في المسرح الجزائري هو قربه من الواقع وخلق إحساس بان المسرح بالفعل هو يدمج المجتمع ويجد ذاته فيه هذه الجدلية الأساسية كان إحساس الذي كان مرتبط بمعطيات اجتماعية و تاريخية تسمح لنا بالفهم .