من كان يصدق أن تنقلب كثير من الموازين والقيم وقواعد التعامل الشبه منطقية بين الأفراد والجماعات..؟ ماذا تغير في العالم، ما هو الثابت، وما هو المتغير..؟ السيد عبد العزيز بلخادم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، نبّه مشكورا وفي لحظة صدق وصفاء في الرؤية دون تكلف أو مزايدات، وكان أحسن تذكير،بان الجزائر قد قاومت الحلف الأطلسي، ولم تسلم من شرّه إبان ثورة نوفمبر المباركة، لكنها لم تستعن به ..، كان ذلك من خلال لقائه مع المشاهدين مع الحصة الأسبوعية )حوار الساعة(، هذا اللقاء الذي ترك انطباعا طيبا لدى المشاهدين يعتبر مؤشر خير إن شاء الله، من أن نقاء وصفاء معدن الشعب الجزائري لم تلوثه بعض السنون العجاف والمحن القاسية التي ألمت بالجزائر بعد استقلالها، فبقى شعبا ثوريا عن بكرة أبيه، ومتجاوبا مع صدق أبنائه... ماذا تغير في العالم العربي ؟ لم يعد خافيا اليوم من أن شيئا ما، يكون قد تغير في المجتمع العربي تحديدا، قد تختلف مداركنا وضبطنا لمواقع التغيير بسبب قلة إمكانياتنا العلمية المتوفرة الآن، وقلة تجربتنا في مثل هذه الدراسات والاستنتاجات، كل ذلك وغيره لا يسمح لنا بضبط الأسباب بدقة ووضعها في إطارها النظري والعلمي، كما أن مخابر الدول الأجنبية المهتمة، والمتتبعة للشأن العربي هي الأخرى قد يكون ما تتوصل إليه أيضا ناقصا ولا يعكس صحة الواقع، ويجانب الحقيقة إلا في جانب منها لاعتبارات مرتبطة بخلفيات وميول استعمارية واستعلائية، وصليبية لا يمكن لهم التنصل منها قد تحجب الحقيقة العلمية والأكاديمية المطلوبة في مثل هذا المقام، مضافا إليها صعوبة الإلمام بالواقع العربي في شمولياته وخصوصياته، حتى ولو حرصوا وجدّوا واجتهدوا فذلك ما يصعب إدراكه، ولعل المحاولات العديدة السابقة التي قام بها علماؤهم، ومفكروهم، وسياسيوهم قد جانبت حقيقة دراسة الأوضاع لبعض الدول العربية والهزات التي عرفتها خلال النصف الثاني من القرن العشرين، فكانت وصفاتهم ومبرراتها يكذبها ابسط عقل عربي، وقد فشل قبلهم الرحالة الأوربيون والمستشرقون، والمبشرون فكانت خلاصة أعمالهم لا تتعدى الدراسة الوصفية والمتعة السياحية، والاكتشاف لعادات وتقاليد تجهلها مجتمعاتهم الغربية فتمثل بالنسبة إليهم توثيقا مهما، أما فائدتها العلمية والنفعية بالنسبة إلينا كشعوب وباحثين ومهتمين فإن قيمة ذلك تشبه وضع عاري القدمين الذي يشتري مرآة فيكون نفعها عليه هي أنها لا تزيد عن عكس لصورته التعسة بأمان لا أكثر ولا اقل. ولعل الشعور بالنقص أمام الأجنبي يجعلنا نرفع ونقدر عاليا من شأن ذلك العمل ويصبح بمثابة الحقيقة المقدسة سواء تعلق ذلك بتاريخنا أو بديننا أو بعاداتنا وتقاليد مجتمعاتنا الخ.. وبالرجوع إلى واقعنا العربي هنا وهناك، وفي خضم العراك العنيف والفوضى العارمة التي أصبحت تتخبط فيه جلّ دول أشقائنا، لا يختلف اثنان من أن آراء المحللين السياسيين، والباحثين الأكاديميين مختلفة ومتباينة حول مسببات هذه الفوضى، والحراك، والثوران، والتي أعطاها أغلب الإعلاميين العرب وفي مقدمتهم إعلاميو: الجزيرة، العربية، الحرّة، وفرنسا 24 الناطقة باللغة العربية، وصف الثورة بالنسبة لظاهرة الفوضى والانفلات الأمني، وبالنسبة للمتظاهرين، والمنشقين، والمعارضين وصف الثوار...يا سلام..؟ أما الإعلام الغربي في عمومه فقد أعطى لهذا الحراك، وهذا العراك العنيف ومحركيه ومدبريه الوصف الحقيقي الذي لا يرقى إلى وصف الثورة الذي عندهم له مواصفاته المضبوطة التي لا يمكن الإحادة عليها، وتعاريفه العلمية الدقيقة، وأهدافه المحددة سلفا التي لا يمكن تجاهلها. ربما قد تكون العولمة أينعت في ديارنا على غفلة منا، فأنضجت عقلا عربيا ليبدع وينتج هذا المفهوم الجديد للثورة، والثوار، وبذلك نكون قد دخلنا في مرحلة تأريخ جديدة مع مطلع القرن الواحد والعشرين من إنتاج، وابتكار موقع جغرافيته العالم العربي..وبذلك تطوى صفحة الفكر القديم بمفاهيمه القديمة إذا ما نظرنا إلى التاريخ الحديث مثلا: الثورة الفرنسية التي قامت من أجل قيّم وأهداف واضحة، كحصر السيادة في يد الشعب وحده، واعتناق فكرة القانون الطبيعي كموجه لسيادة وسلطة الشعب، وما يسمى بحقوق الإنسان الطبيعية التي تلزم القوانين الوضعية بالاعتراف بها وكفالة احترامها وضمان تمتع الأفراد بها الخ..وان هذه القيم منذ الإعلان الرسمي لما يسمى آنذاك بحقوق الإنسان والمواطن سنة 1789 والذي في غالبه أصبح يمثل الآن ما يسمى بحقوق الإنسان الذي تتزعم فرنسا الدولة والمجتمع فرض وصايتها عليه بطريقة أو أخرى، بل وأصبح مقياسا تتحكم في ضبط موازينه الدولة الفرنسية، وقد زاد من جسارتها وجرأتها في محاكمة الأنظمة ووصفها بما تراه وترضاه، وتعزز كل ذلك بتواجدها كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي..ويضاف إلى ذلك ثلاثيتها المشهورة والمنقوشة على أبواب مؤسساتها الرسمية ووثائقها الإدارية والمتمثلة في الحرية، الأخوة، المساواة لا يخفى أمر ذلك على احد.. وإذا ما انتقلنا إلى الثورة الأميركية، فإننا نجد هذه الدولة الأميركية الفتية قد نشأت متأثرة بفكر الفقيه والفيلسوف الإنجليزي جون لوك صاحب الكتاب المشهور الذي عنوانه »شرح الحكومة المدنية«. يطلق على هذا الفقيه أيضا بشير الثورات الفردية، إذ مهد بفكره هذا للثورة الأميركية التي كانت أراضي الولايات الأميركية مصرحا لها بين الغربيين أنفسهم خارج قارتهم، وأقاليمهم الأصلية، وانتهى الاقتتال في النهاية باستقلال هذه المستعمرات التي ناضلت من اجل الاستقلال حتى تحققت لها الحرية والسيادة وانفصلت عن انجلترا كما هو معروف. كما أصبحت أفكار هذا الفيلسوف أساس حركة التنوير في فرنسا، وتمثل بلا منازع الاتجاه الجديد للفكري الثوري وقاعدة عامة للتأمل الفلسفي السيكولوجي، ومن جهة أخرى ارتبط جون لوك بالثورة البورجوازية ضد الحكم الملكي المطلق في انجلترا، مستندا هو الآخر إلى نظرية العقد الاجتماعي لكي يصل إلى نتائج معاكسة لآراء أستاذه توماس هوبز، الذي كان منطلقه أيضا العقد الاجتماع في تبرير السيادة المطلقة للسلطان أو الحاكم الخ.. جاء الدستور الأمريكي عام 1789، ملبيا لرغبات الشعب وكان في ذلك متأثرا بكتابات جون جاك روسو في القانون الطبيعي، وعن السيادة الشعبية والإرادة العامة، وكذلك بكتابات مونتسكيو عن فصل السلطات. أصبحت قيّم و مبادئ وأهداف الولاياتالمتحدة الأميركية تمثل صلب المذهب الفري، من الناحية السياسية والاقتصادية والفلسفية بصفة عامة، وأصبحت قرارات مجلس الأمن الدولي لا تكاد تخلو في استنادها ومرجعياتها إلى قيّم ومثل الثورتين الفرنسية والأمريكية لتبرير هذا الموقف أو ذاك، حسبما تقتضيه مصالحهما وإستراتيجيتهما في اغلب الأحيان. وبرجوعنا إلى ثورة نوفمبر 1954، الخالدة التي شرفت الشعب الجزائري، والأمة العربية من مشرقها إلى مغربها، بل وكانت منارة العالم الثالث والدول المستعمرة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وفاتحة طريق الحرية والاستقلال للمستضعفين في الأرض. قامت هذه الثورة على معايير وقيّم إنسانية، من حرية واستقلال وكرامة ومساواة، وحشدت لذلك وسائل مشروعة من أساليب النضال، والجهاد، من اجل الوصول إلى أهداف واضحة المعالم، على مرأى وملاحظة العالم الحرّ الذي آزر وساند الثورة الجزائرية حتى تحقق النصر، وانهزم الاستعمار الفرنسي، واندحر معه الحلف الأطلسي بجحافله، ومعداته أمام إرادة الشعب الذي أراد الحياة. وإذا كانت مثل وقيم ثورة نوفمبر ونهجها الواضح من اجل الحرية والكرامة مثّل محور استنساخها كتجربة فريدة لدى الكثير من الثورات في العالم، بل وملاذا للشعوب المستضعفة والمقهورة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، فإنها ما لبثت لاحقا أن حملت لواء النضال السلمي أمام المحافل الدولية من اجل الحق في الحياة الكريمة والعدالة والتنمية للشعوب الفقيرة وإصلاح مفاسد النظام الاقتصادي الرأسمالي الجشع. يحتاج هذا الكم الهائل من القضايا العادلة التي كانت محور ثورة الجزائر الرائدة وتضحياتها في الحرب والسلم وكذا باقي دول العالم التي سلكت نفس الطريق تحتاج اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى الالتفاف حول هذه القيم والمبادئ الإنسانية كمطلب شرعي يعمم فكره على سائر الدول المستضعفة في هذا العالم المختل والجائر. نظرت في بعض هذه الثورات التي لم يكن ذكرها شيئا عرضا ولم تمر بالكون حينا لتندثر، فأردت بذلك التذكير ووضع هذه المقارنة الخاطفة لعل وعسى نهتدي ونتوصل إلى وضع ما حل بالعالم العربي في موضعه الصحيح، ونضعه في صياغه وصيرورته التاريخية كحتمية في مسار التاريخ بوجه عام، وحينها لا نخطئ الطريق في تحديد الأسباب والمسببات والنتائج الحاصلة والمنتظرة، أما القراءة الموجهة تارة، والانفعالية العاطفية تارة أخرى فان الاعتماد على نتائجها سيضاعف من الأزمة بل ويبقى عليها كسرطان لا ينتهي وجوده إلا بهلاك ضحيته وحينها فعلى الدنيا السلام. إن مصطلح الثورات الجديد الذي مسبباته يعرفها الداني والقاص في كل بلد على حدا، بل وفي حي أو شارع حدثت فيه، في هذا البلد أو ذاك، والعام والخاص يعرف سب انتقال العدوى بين مدن البلد الواحد، وكيف ظهرت المطالب وكيف تطور سقفها الخ ..وكيف تلقفها الإعلام، ودور بعض القنوات في توجيه الغضب وإذكائه، وكذا الأيد الناعمة التي تشير في الخفاء، وتضغط، وتفتح وتغلق، ومن وراء ذلك انبعثت تصفية حسابات إقليمية، وتحركت أطماع غربية وجدت الفرصة المناسبة للتفريج عن أوضاعها الاقتصادية المنهارة، والنتائج الأولية في الدول التي خارطة أنظمتها السابقة تغيرت أو في طريق التغيير الجذري كما تدعو إلى ذلك الغوغائية، تعيش اليوم انزلا قات خطيرة اشد من الفتنة والحرب الأهلية، فأحيت أوجاعا ومتاعب كان يفترض في العهد الجديدان يتكفل بها في الإطار الديمقراطي، إن مثل هذه الوقائع الآنية كافية كدليل لإعادة النظر في القراءة الراهنة والهرولة خلفها بمباركة أنظمة الغرب والتي تطلب كل مرة هل من المزيد، والتي اتخذت من سلوك مجتمعاتها وحضارتها مقياسا لتفكير وتصرف شعوب مازالت تلهث وراء لقمة العيش، والظفر بمنصب شغل منتج يقي صاحبه من أن يبقى عالة على المجتمع أو الكون، والاستراحة من العناء والشقاء تحت سقف لبيت به مكان محترم لقضاء الحاجة فيه أو التبّرز مثل باقي البشر المتمدنين، ونحن في القرن الواحد والعشرين إلى أين يا عرب..؟ عندما تقرر جامعة الدول العربية وكسابقة خطيرة في تاريخها منذ نشأتها بطلب التدخل الرسمي لمجلس الأمن من في الشأن الليبي، أو بالأحرى لنزع السيادة والحق لدولة عضو في الأممالمتحدة في ممارسة مظاهر السيادة على إقليمها وفي فرض سلطة القانون وتحقيق الأمن والسكينة على شعبها ، مثل هذا المآل يحتاج إلى أكثر من سؤال؟ عندما تعلّق بيت العرب عضوية احد أعضائها خلافا لميثاقها، ونظامها الداخلي مثل هذا القرار يحتاج إلى سؤال؟ عندما تتحول قاعدة التداول على غير العادة في اتخاذ القرار هنا الأمر يدعو إلى أكثر من سؤال؟ عندما الجامعة العربية تمتنع عن كل محاولات للصلح بين ذات البين، أو القيام بتقصي عن حقيقة ما يجري فعلا فذلك يدعو أيضا إلى طرح السؤال؟ عندما يصبح مصدر المعلومات واليقين بناء على مصدر إعلامي غير نزيه مكلف بمهمة مشبوهة، ومشهود له بحبك الفتن وفبركة الأحداث والوقائع، أو نسبة وقائع خطيرة لأقوال شاهد لم ير شيئا، أو استنادا إلى ما ينشر في الفيسبوك أو الأنترنيت أو غيرهما من شبكة الاتصال المعروفة، والأمر يتعلق بدولة وشعب، فذلك أمره اغرب من الخيال.؟....... للحديث بقية