دعا عدد من الخبراء والأكاديميين إلى ضرورة إعادة النظر في منظومة التكوين في الجزائر بشكل يسمح بتجاوز بعض الاختلالات الحاصلة على صعيد محاربة البطالة، كما طالبوا بفتح نقاش وطني حول موضوع »التشغيل والتكوين« وتجاوز اعتماد ما أسموه »سياسات مستوردة من الخارج« لا تتواءم مع واقع الجزائريين، وهناك من حذّر من تأثير تزايد عدد خريجي الجامعات سنويا على مخططات الحكومة في التشغيل. اعترف وزير التكوين والتعليم المهنيين، الهادي خالدي، خلال مداخلة مقتضبة له أمس في أشغال اليوم الدراسي بمجلس الأمة حول موضوع »التشغيل والتكوين«، بأن مسألة »التوجيه« تبقى من بين أكثر الإشكالات المطروحة في منظومة التكوين بالجزائر، لكنه مع ذلك لم يُنكر الجهود التي قامت بها السلطات العمومية من أجل تجاوز هذا العائق، مؤكدا أن تشخيص وتقييم هذا الواقع يتطلب تدخل مختلف الفاعلين بمن فيهم علماء الاجتماع وعلماء علم النفس التربوي وكذا خبراء الاقتصاد. جاء كلام الوزير تعقيبا على عدد من المداخلات التي أدرجت في جدول أعمال هذا اليوم الدراسي الذي وقف خلاله عدد من الخبراء والأكاديميين على تقييم مدى استجابة منظومة التعليم إلى تحديات سوق الشغل في بلادنا. واللافت أنه حتى المدير العام بالنيابة للوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب »آنساج«، محمد الطاهر شعلال، أبعد المسؤولية عن هذه الهيئة وعن مصالح وزارة العمل في تحمل ثقل توفير مناصب الشغل، معتبرا أن الإشكال الأساسي المطروح يكمن في الجامعة، وصرّح في هذا الشأن: »لا بدّ من إعادة الاعتبار للشهادة المهنية في الجامعة على حساب الشهادة الأكاديمية«. ولم يبتعد تحليل الخبير والمستشار الدولي، الدكتور عبد الكريم بن أعراب، كثيرا عما ورد على لسان مدير »آنساج« كونه انتقد بدوره بعض الخيارات التي تبنتها الجامعة الجزائرية في السنوات الأخيرة، مستندا في ذلك إلى ارتفاع نسبة البطالة وسط حاملي الشهادات الجامعية على عكس المؤشر العالمي، وقال إن هذه النسبة تصل إلى 18 بالمائة في وقت تتجاوز 13 بالمائة وسط حاملي شهادات التعليم المتوسط. وحسب إفادات الأستاذ بكلية العلوم الاقتصادية بجامعة قسنطينة فإن نسبة البطالة في الفئة العمرية بين 16 و24 سنة تتجاوز 48 بالمائة. وانطلاقا من هذا التشخيص السلبي أشار إلى أنه أصبح من الأولوية فتح نقاش وطني حول التعليم العالي في الجزائر، وذهب أبعد من ذلك لدى تأكيده أن »لا بدّ من الابتعاد عن تقليد المنظمات التعليمية الأجنبية لأنها لا تتواءم مع منظومتنا ولا مع واقعنا..«. وبنفس الحدّة تعامل الخبير الاقتصادي ومدير معهد التنمية البشرية بجامعة وهران، الدكتور محمد بهلول، في قراءته لواقع التكوين والتشغيل في الجزائر، حيث اعتمد مقاربة يدعو فيها هو الآخر إلى فتح ما أسماه »نقاش وطني جاد« يكفل »وضع نظام اقتصادي وطني جديد.. مع مرافقة ذلك بإعادة النظر في منظومة التربية والتعليم«. وتابع يقول: »نحن بحاجة إلى منظومة تربوية تتجاوز فكرة تعلم القراءة والكتابة إلى منظومة تضمن تعلّم المعرفة«، وبرأيه فإنه »كلما تزايد عدد حاملي الشهادات كلما واجهنا مخاطر كبرى بسبب ارتفاع معدّل البطالة«. أما عضو مجلس الأمة، الدكتور عبد الكريم قريشي، فقد بنى مداخلته حول التكوين في الجزائر على إشكالية رئيسة أوجزها في التساؤل: »لماذا هناك نفور من التكوين المهني في الجزائر رغم وجود 300 تخصّص في مدونة القطاع؟«، ورغم أنه لم يُقدّم أية إجابة فإن المتحدّث أعاب على الجامعة الجزائرية فشلها في القضاء على المشاكل والأزمات المتفشية داخل المجتمع وفي مقدّمتها انتشار البطالة وسط الشباب، وشدّد من لهجته »لا بدّ من وضع خطط رشيدة بعيدا عن الحلول الشكلية«. وحصر السيناتور قريشي الحل في بعض المقترحات التي تحفّظ في اعتبارها »إستراتيجية«، مكتفيا بالتأكيد على ضرورة إجراء عملية تقييم نوعية التكوين ومراجعة منظمة التكوين المهني بشكل خاص »حتى تكون مرنة ومتماشية مع حاجيات سوق العمل«، وحذّر من تدفق المتخرّجين من الجامعات على حساب النوعية، كما لفت إلى أنه من أصل 150 ألف متخرّج من الجامعات في 2010 يوجد 52 ألف متخرج من تخصّصات العلوم، في وقت يزيد عدد الخريجين في تخصّصات العلوم الاقتصادية والاجتماعية عن 92 ألف.