يتأكد يوم بعد يوم أن آثار العشرية الدموية التي عاشتها البلاد كانت كارثية بكل المقاييس، وأن تداعياتها الأخطر مسّت نسيج المجتمع وفكّكت أواصره النفسية وشبكة علاقاته الاجتماعية وقيمه السلوكية. وليس من المبالغة في شيء الاعتراف بأن العنف الجسدي واللفظي والسلوكي صار سمة الفرد الجزائري مهما كان مستواه أو فئته العمرية أو المهنية، ومن اللافت حقا أن العنف أصبح ظاهرة يومية في معظم الأماكن والأوقات كما أن مؤسسات الدولة ومراكز البحث والجامعة لم تنتبه لخطورة الأمر وبقيت تتفرّج عليه بإفلاس كبير. ولعلّ أسوأ ما في المسألة كلها هو هذي الاحتجاجات الجماعية التي تنتشر هنا وهناك لسبب أو لآخر، وربما أمكن تفهّم الضرر الذي يعانيه الشباب من حيث البطالة والسكن وهو ما بدا في حدود ما هو مشروع بتعبير بوتفليقة حتى وإن دعا إلى ترك العنف وسيلة للاحتجاج، غير أن ما يثير الهلع هو دون شك بروز العنف الجديد مؤخرا وأعني إحراق البلد لأتفه الأسباب..! صرنا نرى مدائن تتحوّل إلى خراب وحرائق في دقائق معدودات بسبب كرة القدم أو الزواج أو حتى بسبب إلغاء حفل غنائي.. تحترق المدن أو تدمّر المنشئات العمومية لسبب أو لآخر، ولم يعد الشباب يكترثون للأسباب، فكل المؤشرات تدعو للقلق من الغد، وليس مجديا حالة الغلق الإعلامي والاجتماعي التي تجعل القضية وقد استفحلت كأنها مجرد أحداث عابرة. لقد برز إلى العلن عنف جديد يتخذ أسبابا بالية أو تافهة أو هكذا يبدو، لكنه في الحقيقة يعبّر عن أزمة اجتماعية نفسية وثقافية عميقة تهزّ المجتمع الجزائري برمّته وتفتح عليه أبواب المخاطر الجادة والشروخ المقلقة. آن أن نفتح النقاش الوطني حول هذه القضية الكبيرة لأن الهروب إلى الأمام لن يجدي نفعا أبدا.. " والليالي حُبالى" مثل عربي [email protected]