تفشى العنف الممارس عند المرأة في مجتمعنا بشكل بارز واتخذ أشكالا ومظاهر أخذت في التطور والتغير مع الوقت، بات يستعمل فيه الرجل ضد المرأة أبشع الوسائل الممكنة تصل في أحيان كثيرة إلى حد القتل. تبعا للتقرير الذدي أعدته الوزارة المنتدبة المكلفة بشؤون الأسرة وقضايا المرأة لسنة 2008 يظهر أن امرأة من بين 10 نساء تتعرض للعنف بشكل يومي، وتتراوح أعمار السيدات الضحايا بين 19 و64 سنة. وهناك نسبة 16٪ من النساء يتعرضن للإهانة و5٪ يتعرضن للضرب. بالاضافة إلى أشكال كثيرة من التهديد والعنف كالطرد من المنزل باستعمال القوة والعنف اللفظي. بالإضافة إلى الدراسة التي أعدتها قيادة الدرك الوطني الجزائري تحت إشراف الملازمة ب - وهيبة التي أكدت أن عدد قضايا الاعتداءات ضد النساء الجزائريات ارتفع خلال الفترة الممتدة بين جانفي وفيفري سنة 2008 حيث تم تسجيل 530 قضية تأتي على رأسها قضية الضرب والجرح العمدي وقضايا أخرى منها اقتحام المنازل والتعدي على النساء في البيوت وقضايا التهديد بالقتل ضد النساء. وتضيف ب- وهيبة أن القانون الحالي لا يحمي النساء حماية حقيقية لأن التغيرات الخطيرة تجعل بإمكان المعتدي أي الرجل أن يخرج بريئا من اعتداء خطير ضد المرأة بالخصوص الاعتداءات الجسدية التي في الغالب تم التبليغ عنها في وقت متأخر، مما يجعل إيقاف المعتدي مبنيا على احتمالات، في غياب مواد قانونية صارمة تعاقب المغتصب كما تعاقب القاتل وكل من يحاول تهديد المرأة بشر مهما كانت الأسباب. جعلت الظروف المتغيرة في الجزائر سواء الاجتماعية أو المادية أو الثقافية أو حتى الأخلاقية المجتمع الجزائري يغير في بعض أفكاره وسلوكاته التي انعكست سلبا على فئة من الاشخاص أو بالأحرى الجنس اللطيف، والذي يؤسف له حقا هو سماعنا ومشاهدتنا يوميا بعض الاحداث الغريبة التي تواجهها المرأة الجزائرية. أما الرجل الجزائري فأصبح يعاملها بشدة وقسوة وعنف بشكليه الجسدي والنفسي، وقد يكون أحيانا العنف النفسي أشد خطورة من سابقه. فعلاقة الرجل بالمرأة أصبحت في مهب الريح حيث تكاد تنعدم فيها المودة والأخوة والرحمة خاصة وأن ديننا الحنيف يأمرنا بالرفق بالمرأة ذلك المخلوق الحساس الذي يحمل بداخله عواطف الحب والحنان والمودة، ولكن هيهات بين ما نقوله وما نشاهده على أرض الواقع. الضرب والشتم وسيلتان تعوّدت عليهما نبيلة انتقلنا إلى أحد أحياء العاصمة بباب الواد حيث تتواجد السيدة نبيلة، وهي متزوجة وأم لطفلين، حيث استقبلتنا ونبرات الخوف والاضطراب في عينيها ونصحتنا بضرورة الذهاب من المنزل قبل مجيء زوجها لأنها ستتلقى الضرب المبرح إن تحدثت في هذا الامر. وتضيف السيدة نبيلة أن زوجها يعاملها معاملة الإنسان للحيوان ''فإذا تكلمت معه في شؤون البيت فإنه يصرخ علي ويهاجمني بالسب والشتم ويتطاول علي بالضرب بأنبوب طويل نخفيه في الخزانة، وكلما غضب علي يخرجه لضربي حتى يدخل بعض الجيران لفك النزاع''. ثم تضيف السيدة نبيلة أن زوجها يعاملها تلك المعاملة أمام ابنيها الصغيرين، ''ومن شدة ما يرياه من عنف وسب أصبحا يبكيان دون سبب وأصبحا يتبولان في فراشهما هذا ما جعلني أفكر في أن ألجأ إلى طبيب نفسي ليعالج حالتهما''. ثم ترينا السيدة نبيلة آثار الضرب مزرقة على كتفيها ورجليها وتقول ''لقد تعودت على هذا الامر صبرت معه لأجل ابني وخاصة أني يتيمة ولا ملجأ آخر لدي فما عساي أن أقول إلا حسبي الله ونعم الوكيل''. ولا يقتصر العنف على النساء المتزوجات فحسب بل قد يتعدى أحيانا إلى المراهقات والشابات والواقع خير دليل على ذلك، فكم من فتاة تسبب أخوها أو أبوها في انتحارها أو هروبها من بيتها العائلي جراء الضرب والمعاملة الخشنة والإساءة في الفعل والقول. الكي بالنار والربط بالحبل كانا سببا لوشوكي على الانتحار سامية فتاة في 18 من عمرها، ماكثة في البيت، تسكن بضواحي العاصمة. تعيش مع 3 إخوة ذكور ووالدتها، أما أبوها فمتوفى. تذكر أن أخاها ''سفيان'' الذي يبلغ 24 سنة أكثر حقدا عليها ''فكان يغار مني منذ الصغر وكبرت غيرته وحقده معه فأصبح يتتبع كل حركاتي فإذا خرجت من المنزل للشراء أو مقابلة إحدى صديقاتي فإنه يتتبع خطواتي''. وتضيف الآنسة سامية ''في أحد الايام بينما أنا أمشي في الطريق فإذا بي أصادف شقيق صديقتي فتوقفت وسألته عن أخبارها لعدم رؤيتها منذ وقت طويل. وفجأة رأيت أخي من بعيد فجأة مسرعا إلي وأمام الملأ أمسكني من شعري وبدأ يجرني إلى أن أوصلني إلى البيت، ثم بدأت أحلف له أن ذلك الشاب لا توجد أية علاقة بيني وبينه كل ما في الأمر أنه شقيق صديقتي ولكنه لم يصدقني وبدأ ينعتني بالساقطة وبكلمات لا يمكن النطق بها، وبما أن أمي مريضة ولم تستطع حمايتي قام بأخذي إلى المطبخ ثم ربطني على كرسي بإحكام وأنا أصرخ وأترجاه ألا يؤذيني، ولكنه لم يسمع كلمة لما قلته له بل راح للسكين يسخنه على النار ثم وضعه على يدي فصرخت بأعلى صوتي ثم رمى السكين وانصرف وكأن شيئا لم يكن''. ثم سألناها عن ردة فعل أخويها الآخرين فأجابت أنهما قد شجعا أخاهما على فعلته وقالا بنبرة الحقد ''شه فيها لو كان غير قتلتها''. ثم قالت سامية بيأس شديد ''لو لم تكن أمي مريضة وتحتاج إلي لما بقيت ثانية في هذا البيت''. فالبرغم من قسوة الاخوة على سامية إلا أن قلبها مازال ينبض حبا وإشفاقا على أمها فهي صابرة حتى يأتي الفرج. رفضي الزواج بصديق أخي جعل أبي يحلق شعري ويكسر مقدمة أسناني قصة ''نوال'' مؤثرة جدا لما لقيته من عذاب وشتم من أبيها الذي من المفروض أن يكون أكثر تفهما وتعاطفا مع ابنته، خاصة وأن شريعتنا السمحاء تؤكد على ضرورة قبول المرأة أو عدم قبولها في الزواج لأن الزواج شيء مقدس مبني على الحب والمودة والتفاهم. إلا أن الاب عثمان لم يعط اهتماما لهذه التعاليم بل المهم في الأمر أن يزوج ابنته ليتخلص منها ولا تهمه أخلاق الزوج. فنوال فتاة جميلة جدا تفوق جمالا قريناتها في الحي هذا ما جلب إليها العرسان، وكان في مقدمتهم شاب يدعى فاتح، وهو يملك سيارة آخر موديل وشقة في حي راق وأموالا كثيرة، إلا أن أخلاقه كانت منحطة فهو زير نساء ومدمن على شرب الكحول. وكان أهل الحي قد نصحوا أبي بعدم قبوله كزوج إلا أنه لم يسمع نصيحتهم بل راح يقنعني على الزواج به ولكنني رفضت كل الرفض وذكرت أن الانسان بدينه وخلقه لا بماله الذي لا نعلم مصدره إن كان حلالا أم حراما، وخاصة كنت أعلم بعلاقاته المتكررة مع بنات كثيرات ومعاشراته المتكررة للساقطات. ولكن الذي أدهشني كثيرا إصرار أبي على تزويجي إياه طمعا في ماله وعندما أكدت لأبي أني لن أتزوج به قام بحمل كرسي من الخشب وضربني به، فقام بكسر يدي هذا مازادني كرها لذلك الشاب فاتصلت به وذكرت له عدم قبولي بالزواج به، فقام بإخبار أبي بذلك، بعدها جاء أبي والغضب يملأ عينيه فشدني من شعري وأدخلني غرفة أخي ثم ربطني وقام بضربي على فمي والدم يسيل منه إلى أن أسقط بقدمه أسناني، وقال هذا درس لك حتى تتحدثي مرة ثانية مع الغرباء دون إذني ثم أحضر المقص وحلق لي كل شعري، ثم ذهب إلى أمي المسكينة وهددها بالطلاق إذا فكت قيودي. العنف النفسي قد يكون أحيانا أبشع من العنف الجسدي بما أن المحاكم الجزائرية لا تخلو من القضايا المتعددة والمتنوعة في مشاكلها، قصدنا محكمة عبان رمضان بالجزائر العاصمة قسم الاحوال الشخصية حيث وجدنا السيدة مليكة تنتظر دورها للوقوف مع زوجها أمام القاضي بغرض الطلاق. جلسنا بجوارها لتروي لنا قصتها فقالت متنهدة إنها تزوجت منذ أكثر من 10 سنوات، ''حيث كان زوجي لا يملك مالا ولا عملا ولا حتى بيتا ولكن الحب والتفاهم قد جمعنا، فأنجبت معه ابنا واحدا ثم لم أستطع الانجاب بعد كل ذلك لظروفي الصحية. ولكن بالرغم من فقره لم أشعر يوما بذلك. ونظرا لانني عاملة كنت أعطيه كل مالي حتى لا يشعر بالنقص أو الإساءة. وبعد سنوات قلائل تعرف زوجي على أشخاص فأدخلوه في مشاريع جعلته ينتقل نقلة مادية عظيمة فمن يأس وإحباط إلى غنى ورفاهية. ولكن الشيء الذي تغير فيه أنه أصبح يشرب الخمر ولا يدخل بيته إلا في ساعات متأخرة من الليل والذي طعنني في الصميم هو علاقاته غير الشرعية مع نساء أخريات، فأصبح يتباهى بما يفعله معهن إلى درجة أنه قال لي يوما إنه ندمت على الزواج بي، كما هددني بالزواج مرة ثانية خاصة والمال أصبح في قبضته وذلك بحجة إنجاب أولاد آخرين فكان ينعتني بالعاقر، زد على ذلك فإن بعض النساء اللواتي لهن علاقة بزوجي يأتين إلى البيت للبحث عنه وهذا قصد إغاضتي. وكان هذا التصرف يريده افتخارا بنفسه، فيرد على تصرفه بأنه من حقه فعل ما يريد وإذا لم يعجبني الأمر فلأرحل من البيت، هذا ما جعلني قد أصبت بانهيار عصبي ومازلت إلى يومنا هذا أعالج تحت رعاية طبيب نفسي وكان الحل الوحيد هو الانفصال''. لتصرفات الأزواج بعنف خلفية لحياتهم في الصغر توجهنا إلى عيادة الطبيبة النفسانية فاستقبلتنا الطبيبة ليندة بن طالبي، وهي مختصة في الامراض النفسية، حيث وضحت لنا الاسباب العلمية والحقيقية التي تجعل الشخص يلجأ للعنف وبالتحديد عند المراهق والراشد، حيث أرجعته الطبيبة إلى أسلوب المعاملة القاسية للوالدين أو أحدهما إضافة إلى اللجوء إلى ضرب الطفل بقساوة وإذلاله وإهانته وعدم احترامه وحرمانه، ويفسر الوالدين هذه المعاملة بتقويم لسلوكه ليبني بهذه الطريقة شخصيته ليصبح بدوره في يوم ما ربا لأسرة يأمر وينهي دون نقاش. ولكن الابحاث النفسية الحديثة أكدت، تقول الطبيبة بن طالبي، أن قساوة وخشونة المعاملة ستعزز من السلوك العنفي للطفل في الكبر وستولد عنده الكره والضعف وسينعكس هذا السلوك على الاخرين وخاصة من هم أضعف منه وهو في حقيقة الامر نابع من كراهيته لأبيه. استفسرنا الطبيبة بن طالبي عن أثر العنف عند الطفل مقارنة مع المراهق، وما هو الأثر الأعمق عند الطفل أم عند المراهق. فأجابت الطبيبة أن عددا كبيرا من الباحثين النفسانيين وأيضا الحالات التي واجهتها في عيادتها تؤكد أن التعامل مع الاطفال بقساوة وخشونة، قد يكون لها تأثير تدميري أكبر مقارنة مع المراهقين يؤدي إلى ترك آثار عميقة في نفوسهم، وتبقى هذه الاثار على المدى الطويل لتكبر فتصبح سببا للجوء إلى العنف. أما المراهق إذا تعرض إلى الاذلال والتحقير من طرف الغير فسوف يؤدي ذلك لشعوره بالخجل فيكون سببا للجوء إلى العنف. ثم أوضحت السيدة ليندة بن طالبي سبب انقلاب الخجل إلى عنف فعللت لنا أن تحقير الشخص والحط من قيمته والضحك عليه أو تجاهله يؤدي إلى تدمير مشاعر الفخر والاعتزاز بالنفس، فيلجأ إلى أحد الطريقين وهما اللجوء إلى قبول التحقير والإذلال والدونية وما يرافق ذلك من جرح نفسي عميق في داخلي. أم مجابهة الآخرين بهجوم مقابل المعاملة التي يتلقاها، سألنا الطبيبة بن طالبي ليندة عن نتائج هذه المعاملة فذكرت أن الرغبة الشديدة في الانتقام وعندما يمارس العنف بدوره يكون مقتنعا بأنه حقق العدالة لنفسه ولا يشعر بأي ذنب وهذا العنف الذي يواجهه المراهق مثلا ينعكس على نفسية ليخلق عنفا من نوع آخر، فتخلق في داخله اضطرابات سلوكية ونفسية وحتى عقليه. والعنف أنواع، حسب الطبيبة ''بن طالبي''، فهناك عنف يسببه الشخص للاخرين فيتلذذ به ولا يندم عليه فيكون ميالا للسلوك العدواني، وقد يكون أحيانا العنف في العلاقات الزوجية فيشعر العنيف في معاملاته بعدم الامان مع شريكه وبالغضب الشديد تجاهه وتأخذ عملية العنف في الازدياد والتضخم إذا استخدم ذلك أو تعاطي الشخص لبعض المواد السامة والمهلوسة كالمخدرات والخمور. ثم قامت الطبيبة ''بن طالبي'' بتفسير هام للعنف النفسي الذي يعد أشد أثرا وأخطر حدثا على العنف الجسدي، فعلى سبيل المثال توجيه بعض الالفاظ - كما سبق وذكرنا- الخشنة وغير الودية أو استخدام التهديد بالعنف الجسدي أو أية محاولة في إحداث الرعب والإكراه أو السيطرة، فتسبب هذه الأقوال اثار أو جروحا عميقة تبقى حية في ذاكرة الضحية وتسبب له آلاما نفسية لمدى طويل، فيشعر بالدونية وتفاهة قدره لفترات طويلة، ويكون أكثر حساسية وتحوطا حيال سلوك الاخرين مقارنة مع الذين لم يتعرضوا للاعتداء الجسدي أو الجنسي، وحساسيته تلك تجعله مندفعا ويلجأ إلى ردود أفعال وخيمة يضر بها نفسه ومن يحيطونه ويتعدى إلى مجتمعه.