الرد الرسمي والإعلامي على تصريحات الوزير الأول أحمد أويحيى سواء ما تعلق منها بقضية الحدود أو تلك المرتبطة بأكذوبة المرتزقة تؤكد كلها أن النظام المغربي لم يتعلم أي شيء من أخطائه السياسية والدبلوماسية السابقة، فكل تصريح يسمعه من أي مسؤول جزائري، إلا وتحول إلى مبرر لخوض حملة جديدة تستهدف الجزائر، واستعمل كحجة لتوجيه تهم جزافية ضد الجار الشرقي. بالأمس القريب خرج علينا العاهل المغربي محمد السادس بلهجة عدائية غير مسبوقة ردا على تصريحات رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ربط فيها بين الاحتلال المغربي للصحراء الغربية والاستعمار الغربي الذي كانت الجزائر إحدى ضحاياه، ولم يتوان محمد السادس عن اتهام الجزائر بالعمل على »بلقنة« المنطقة، ومصطلح البلقنة يعرف مضمونه ويدرك خلفياته حتى الإنسان البسيط الذي لا يفقه كثيرا في السياسة، فالكلمة تعني بالدرجة الأولى أن الجزائر تحولت إلى عامل لضرب استقرار جيرانها، وهذه كذبة لا يصدقها عاقل، ولا يمكن أن تنطلي على أي دولة من الدول الكبرى التي تعرف جيدا من هي الدولة التي تبحث عن التوسع وتطعن في حدود جيرانها وتحتل شعبا آخر. وبالأمس القريب أيضا اتهم المغرب الأمن الجزائري بالضلوع في تفجير فندق »أسني« بمراكش، وتسبب ذلك، خاصة بعدما فرضت الرباط التأشيرة على الجزائريين الذين يدخلون المملكة، في غلق الحدود وفي توتر العلاقات، بل وتعطيل حتى مسار البناء المغاربي، فالرباط حاولت ولا تزال محو شعب اسمه الشعب الصحراوي من خلال مزاعم تقول أن جبهة البوليساريو هي صنيعة جزائرية وأن الجزائر هي من يقف أمام إيجاد حل سلمي في الصحراء الغربية. وحتى وإن حاول وزير الاتصال المغربي خالد الناصري تلطيف الخطاب من خلال العودة إلى الحديث عن الأخوة بين الجزائر والمغربي، والقول أن الرباط ستظل تمد يدها للجزائر من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين، فإن ذلك لا يجعلنا نغفل حقيقة أن المغرب يشهد على المستوى الرسمي أو الإعلامي حالة من الشحن الكبيرة بعد التصريحات الأخيرة لأويحيى، فالنظام المغربي الذي يستعمل الأخوة للدعوة في كل مرة على إعادة فتح الحدود يظهر من حين لآخر عداوة منقطعة النظير تجاه الجزائر، وهذه العداوة، لا تبقى حبيسة الأطر الرسمية وإنما تنزل بشكل درامي إلى وسائل الإعلام ثم إلى الشعب المغربي، ومن يقرأ تعليقات المغاربة على الأنترنيت يكتشف هول هذا التجنيد العدائي خلافا لما هو عليه الحال بالنسبة لعامة الجزائريين الذين لا يقيمون وزنا لما يقال هنا أو هناك عن الحدود أو الصحراء الغربية، ناهيك عن التسلح أو عن »الحرب الوشيكة« بين البلدين والتي لا وجود لها إلا في عقول المغاربة التي قامت دعاية نظام المخزن بحشوها بكل أنواع الخريفات لجعل الشعب المغربي يغرق أكثر فأكثر في هواجس شيطانية لا أثر لها في الواقع وينسى مشاكله اليومية. أويحيى لم يأت بأي جديد حول وقوف لوبي مغربي وراء تلفيق تهمة المرتزقة للجزائر، فالقصة معروفة ولن يكفي ألف بيان للخارجية المغربية لتكذيبها، وأما القول أن إعادة فتح الحدود ليست في أجندة الحكومة حاليا، فإنه لا يعني بتاتا أن الجزائر ضد إعادة فتح الحدود، وإنما المقصود أن شروط هذا القرار لم تتوفر، والمغرب يعرف جيدا طبيعة هذه الشروط ولا داعي لأن يكذب النظام في المغرب على شعبه ويعدهم بالسراب خاصة وأنه لا يفعل الكثير لإعادة فتح الحدود، بل يشتغل في الاتجاه المعاكس لمثل هذا الهدف. يبقى أن نذكر المسؤولين في الرباط أن حشو عقول المغاربة بالعداوة للشعب الجزائري لن يخدم أي طرف، فلا الشعب المغربي يملك أن يغير الجغرافيا ولا الشعب الجزائري يملك ذلك، والعيش كجيران هو أقل ما يمكن أن يسعى إليه الجميع، ذلك أن مستقبل الشعبين الشقيقين هو أسمى من رغبات الماسكين بزمام السلطة ونزواتهم العابرة.