أكدت الجزائر أمس أن قضية فتح الحدود مع المغرب لا يمكن معالجتها بمعزل عن المسائل الأخرى العالقة بين البلدين، وقال وزير الدولة وزير الداخلية السيد نور الدين يزيد زرهوني أن قضية الحدود هي جزء من جوانب عديدة بحاجة اليوم الى المعالجة· وأوضح الوزير، في أول رد رسمي جزائري على دعوة المغرب الجزائر باسم "الصداقة والأخوة التي تجمع البلدين" إلى فتح الحدود، أن هذا الطرح لا يجب أن يتم بصفة منعزلة وإنما يجب أن يكون في إطار عام يشمل كافة الملفات الأخرى العالقة بين البلدين، وأضاف في تصريح على هامش إشرافه على انطلاق دورة تكوينية لفائدة رؤساء البلديات نقلته الإذاعة الوطنية أمس ان الجزائر التي تبقى متمسكة باستكمال بناء وتفعيل الصرح المغاربي ترى أن قضية الحدود مع المغرب يجب ان تعالج في سياق اشمل ولا تناقش بشكل منفصل عن المسائل العالقة بين البلدين والتي هي بحاجة إلى متابعة ومعالجة دقيقة وتتطلب التفكير في آليات أنسب لتحقيق ذلك· وذكّر بان مبادرة غلق الحدود لا تقع على كاهل الجزائر وأن المواطنين المغاربيين "يؤيدون مسعى موحدا ومنسجما ومتكاملا"، وأكد ان بناء الصرح المغاربي لا يتعلق فقط بالجزائر والمغرب "بل ينبغي أن تجد كافة الشعوب المتواجدة ضمن هذه المجموعة مكانتها"، وأشار وزير الداخلية إلى أن "طموح المواطنين المغاربيين إنما يتمثل في رؤية ذلك مجسدا على أرض الواقع" · ويذكر أن وزارة الخارجية المغربية أصدرت بيانا الخميس الماضي عبرت فيه صراحة عن رغبة المغرب في أن تفتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ 14 سنة، معتبرة ان الأسباب التي أدت الى غلقها قد زالت دون أن توضح ذلك· ولكن توضيحات وزير الداخلية يزيد زرهوني تؤكد مرة أخرى أن الجزائر غير مستعدة لمثل هذا الإجراء ما دامت أسباب غلقها لم تعرف طريقها الى المعالجة، وهذا التصريح يطابق ما أعلن عنه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة قبل ايام في حديثه لوكالة رويترز للأنباء، حيث قال في رده على سؤال بخصوص الموضوع أن اعادة فتح الحدود بين البلدين تظل "مرتبطة بالظروف التي أدت الى غلقها وأن هاته الخطوة ستتم عندما تذلل كل العقبات التي تحول دون ذلك حاليا" · ويقرأ من بيان وزارة الخارجية المغربية من منطلق انه صدر أسبوعا فقط بعد تصريحات الرئيس بوتفليقة أنه "استفزاز متعمد"، في محاولة للبحث عن متنفس وساحة أخرى للمناورة بعد ان حمّله اكثر من طرف دولي مسؤولية تعثر الجولة الرابعة من المفاوضات المباشرة مع جبهة البوليزاريو التي تم بعثها بغرض انهاء صراع دام 33 سنة ورهن ليس مستقبل الشعب الصحراوي فقط ولكن مستقبل كل شعوب المنطقة المغاربية التي تشكك من حين إلى آخر في رؤية الحلم المغاربي يتحقق· بيان الخارجية المغربية أشار الى "زوال الأسباب التي ادت الى غلق الحدود" في "تكذيب" للموقف الجزائري، وهذا دليل اخر على ان الوتر الذي تلعب عليه المغرب ليس "أخويا" كما حرصت على الاشارة اليه في البيان ولكنها تفضل إلقاء المسؤولية على الجزائر والبحث عن مخرج أو متنفس يقلل من عبء وثقل الحصار الذي تتعرض له بفعل الاهتمام الدولي بالقضية الصحراوية، ومن ثمة "التمويه" والهروب عن حقيقة الوضع في الصحراء من خلال توجيه الأنظار نحو مسألة الحدود المغلقة بين البلدين· وما يدعو أكثر للتساؤل حول "الخرجة" المغربية الجديدة هو التوقيت الذي جاءت فيه، فالدعوة الى فتح الحدود ليست وليدة اليوم في اطار العلاقات الثنائية التي ما لبث المسؤولون المغاربة يقدمونها في كل مناسبة تتاح لهم، لكن أن تثار في هذا التوقيت بالذات فهنا نقطة الاستفهام، إذ تزامنت كما سبق مع فشل الجولة الرابعة من المفاوضات· وقبل أيام تحامل المسؤولون في المغرب على الجزائر ووصل الحد بوزير الداخلية ورئيس الوفد المغربي المفاوض مع البوليزاريو السيد شكيب بن موسى إلى القول أن الملف الصحراوي لا يمكن حله الا اذا شاركت الجزائر في المفاوضات كطرف في القضية، في وقت تؤكد لوائح الاممالمتحدة ان طرفي النزاع هما البوليزاريو والمملكة المغربية· ووجد المغرب في اطار هذه المفاوضات نفسه محاصرا إلى درجة ان مقترح ما يسمى بالحكم الذاتي لم يكن "الورقة الحل" كما كان يراهن مهندسو استراتيجية تثبيت الاستعمار المغربي في الصحراء بل سجلت كوثيقة أضيفت الى مقترح جبهة البوليزاريو· وألحقت إرهاصات مسار المفاوضات الذي تم بعثه في جوان الماضي ضربات كبيرة للمستعمر، ليس على مستوى محيط المفاوضات ولكن في المحيط الإقليمي أيضا، حيث لاحظ المتتبعون تغيرا في الموقف الموريتاني بعد فوز السيد سيدي ولد الشيخ عبد الله بالرئاسيات في هذا البلد، واستقبل مسؤولون موريتانيين مسؤولين في الجمهورية العربية الصحراوية كما شارك مسؤول عن الحزب الحاكم في مؤتمر جبهة البوليزاريو المنعقد شهر ديسمبر الماضي· ولم تتوقف "النكسات" التي أصابت المغرب عند التغير في الموقف الموريتاني ولكن زحفت قليلا الى دولة السنغال المجاورة وشكلت مشاركة الحزب الاشتراكي في مؤتمر جبهة البوليزاريو وتصريحات زعيمه الداعمة لكفاح الصحراويين ضربة دبلوماسية أدت الى ازمة دبلوماسية بين البلدين بلغت حد استدعاء السفراء· وإذا كان الصراع في الصحراء هو الذي يغذي المناورات المغربية تجاه الجزائر فان المؤكد أيضا هو ان العلاقات الثنائية أصطدمت في أكثر من مرة بسلوك مغربي خرج عن الأطر الدبلوماسية واتسم بنظرة فوقية، والدليل على ذلك أن السلطات المغربية شرعت في سنوات التسعينات رغم وجود قنوات للحوار والتشاور في مطاردة الجزائريين المقيمين بطريقة غير شرعية فوق ترابها كما عرف المستثمرون الجزائريون نفس المصير واصطدموا بعراقيل دفعتهم الى التخلي عن مشاريعهم واستثماراتهم هناك· وواصلت السلطات المغربية اتخاذ مثل هذه الإجراءات غير العقلانية والغريبة عن ممارسات العرف الدبلوماسي، حيث بادرت بفرض تأشيرة دخول على المواطنين الجزائريين الى أراضيها وأقدمت بعد ذلك على إلغائها في 30 جويلية 2004 دون استشارة الجزائر في الامر· ورغم لقاء القمة المنعقد بالجزائر بين الرئيس بوتفليقة والعاهل المغربي الملك محمد السادس بعد القمة العربية المنعقدة في مارس 2005 والتي توجت بإعادة تطبيع العلاقات الثنائية وقامت الجزائر على اثرها بإلغاء التأشيرة على المواطنين المغاربة الى أن الرباط فاجأت الجزائر في بداية عام 2006 بإلغاء زيارة كان يعتزم رئيس الحكومة آنذاك السيد احمد اويحيى القيام بها الى المغرب لبحث سبل تطوير التعاون الثنائي، واثبتت تلك الخطوة مرة أخرى حسب المتتبعين الحسابات المغلوطة للدبلوماسية المغربية ونواياها الغامضة· وعلى ضوء كل هذه التطورات يبقى الحديث عن فتح الحدود البرية بين البلدين رهين معالجة الملفات العالقة فهناك مشكل تهريب المخدرات والأسلحة من المغرب نحو الجزائر إضافة إلى الهجرة غير الشرعية·