[email protected] سمعت أحدهم منذ أيام يطل علينا عبر الشاشة بعد لقائه بلجنة المشاورات وهو يتحدث للصحافة التي اجتمعت حوله حديث الواثق من نفسه، حديث السياسي الكبير ذي )الشعبية الكبيرة ( و )الحزب الكبير(، وهو يقول للشعب الجزائري وكأنه الناطق باسمه، الماسك بعنقه، بل الحاكم بأمره، بأن على حزب جبهة التحرير الوطني أن يذهب للمتحف . وكأنني بهذا السياسي الذي نزلت عليه العبقرية السياسية والحنكة بقدرة قادر، وهو الذي يغيب دهرا ولا يظهر إلا في الانتخابات والحملات حيث ينطق كلاما هو أشبه ما يكون بالكفر، كلام لا يفهمه إلا هو، وبرنامج، وأي برنامج لا يعرف الواحد منكم محتواه ولا أوله من آخره. رأيناه يا سادة يظفر شعره كما تظفر ذات الحجال شعرهن، فظنناه غير ما ظنناه، فإذا بالبعض يقول لنا بأنه »رجل ذكر« وبأنه سياسي. نعم سياسي ويرأس حزبا وأي حزب، حزب حكم عليه الشعب بأنه »لا حزب«، لأنه لا تمثيل له، لكنه يصدر أحكاما بحق الجبهة التي يريد إدخالها إلى المتحف. هكذا قيل لنا والله، نعم لقد جاءت به الأقدار ذات يوم ليصبح وهو النكرة غير المقصودة شيئا في جزائر التسعينيات التي استأسد فيها البغاة ذات يوم، وكاد الرجال يحقرون ويدجنون، إذ لولا حكمة الرجال وثبات المؤسسات لكانت بلادنا بفضل أمثال ذلك الرجل في عداد اللادولة، وهي مسألة لا يرددها ذلك الرجل فقط بل سمعها نواب الشعب مؤخرا كذلك من طرف واحد قيل بأنه أستاذ حقوقي، وبأنه جاء »يحاضر« في نواب الشعب ويشتمهم في عقر دارهم بكلام لا أول له وآخر، كلام لا رائحة فيه للعلم ولا صبغة فيه للموضوعية، كلام أشبه بكلام مناضل قادم من زمن غابر وسحيق لا فكر له ولا حجة ولا منطق. ثم راح يقول بأن النظام في الجزائر يقوم على حكم العشيرة، بل راح يشبه بلادنا بإحدى الدول الشقيقة المجاورة الغارقة الآن في فوضى الديمقراطية المنقولة على ظهر الدبابات الغربية، وأنه لا وجود كذلك لمؤسسات في بلادنا وأن جميع القوانين في هذا البلد لا علاقة لها بالدستور. أي صنف من السياسيين صرنا نسمع في هذا الزمن التعيس الذي هانت فيه السياسة حتى صار يحاضر فيها أشخاص غيبهم الشعب في كل الاستحقاقات منذ دستور 1989، أشخاص يغيبون كما يغيب أهل الكهف سنوات معدودات وغير معدودات، ولكنهم يعودون كل مرة مع قرب كل استحقاق، فيجمعون حولهم نفرا من المزطولين والصبيان يملؤون لهم رؤوسهم المملوءة فعلا بخطابات لا سياسة فيها، وبأفكار ليست بالأفكار، وبتهجمات على بعض الأحزاب الفاعلة عبر تهم لم يعد الشعب يصدقها وهو الذي جرب هؤلاء وجرب معهم أصنافا أخرى مارست على الشعب الجزائري أفعالا قيل إنها سياسية، ذلك أن كل برامجها لا تعرف غير السباب والشتائم. ومن جراء ذلك أن انتهى الأمر بهذا الشعب إلى العزوف عن الانتخاب، بل والكفر بالسياسة وبهذه الحزيبات وبصانعيها وزعمائها الكرتونيين فحولهم إلى المزابل، و لم يسمح لهم بالدخول إلى المتحف، ذلك أن المتاحف لا يمكن أن تحتوي سوى الأشياء الجميلة من ذهب وفضة وتحف ومنقوشات ومفروشات جميلة تسر الناظرين وتحكي ماضي الأمة، ومجد الرجالات والنساء، وصانعي التاريخ كما قلت ذلك في أكثر من مهرجان أثناء تشريعيات 1997 بولاية الأغواط. هؤلاء النسيون المنسيون لا يمكن أن يدخلوا المتاحف مطلقا لأن المتاحف تحوي كل الأشياء الجميلة المعبرة عن حضارة الشعب وماضي الشعب، وعبقرية الأمة بما صنعته من تاريخ وأمجاد. فأية ثقافة صنع هؤلاء غير ثقافة السب والشتم والتشكيك حتى يكونوا من الذين يدخلون المتاحف ويذكرهم الناس بفعل جميل تميزوا به، أو قول مأثور رددوه، أو مجد صنعوه، أو تاريخ كتبوه، أو الإسهام في وطن من الاستعمار حرروه.. عليهم وقبل أن يروا غيرهم أن يروا وجوههم في المرآة إن كانت جميلة الأفعال حتى يراهم الناس الطيبون في المتاحف، وعليهم أن يراجعوا خطاباتهم حتى ينالوا ثقة الشعب، وعليهم أن يأتوا ببرامج تثبت جدارتهم السياسية والفكرية، لأنهم مازالوا خارج هذا الزمن، فمن سيذكرهم إذن إذا لم يذكرهم حتى هواة الفايسبوك والتويتر لأنهم خارج هذا الزمن، بما فيه هذا الزمن التكنولوجي. لقد سب الجبهة قبلهم رهط سياسي كثير ونكرات عديدة لكنهم بادوا جميعا وما سادوا، وأصبحوا نسيا منسيا بعد أن تجاهلهم الناس ولفهم النسيان وتجاهلهم التاريخ. وقد صرنا نصادف بعضهم وهم يركنون للحيطان في مقاه مهجورة تضم المنسيين والمزطولين، أو في الطائرات مسافرون للعواصم التي كانت تغدق عليهم المال ويمدونها هم بمعلومات مكذوبة مغلوطة عن البلاد والمؤسسات والرجال، ورأيناهم في الشوارع تائهون أو في الصالونات ضائعون، هم يعترفون بعظمة لسانهم بأن أية سياسة لن تقوم في هذا البلد دون حزب جبهة التحرير الوطني، وهم الذين كانوا يشتمون هذا الحزب صباح مساء في الساحات العمومية، في الشوارع، في المقاهي وحتى على شاشة التلفزة والإذاعة التي حررتها جبهة التحرير الوطني قبل حوالي خمسين عاما خلت. لقد كانوا يتوهمون بأنهم سيبنون مجدهم القادم على ثقافة السب والشتم ضد جبهة التحرير الوطني، فأوهموا من أوهموا في السلطة آنذاك بأن ذهاب الجبهة للمتحف هو الحل الوحيد لكل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي أصابت البلد، فإذا المصائب تنزل على البلد دفعة واحدة بفعل تلك النصيحة الغبية التي لولا المؤسسات وحكمة الرئيس الجبهوي عبد العزيز بوتفليقة لكان مصير الجزائر مثل مصير الأشقاء في الصومال التي أصبحت لا دولة في هذا العالم الذي لا يعترف إلا بالقوة. فانظروا وجوهكم يا هؤلاء في المرآة، فإن كنتم لا ترونها فإن الشعب يراها ويرى أشياء أخرى ربما لا ترونها أنتم، ودعوا الجبهة لرجالاتها ونسائها ومناضليها ولكل الذين يؤمنون بها من أبناء هذا الشعب الذي لن يخذلها على الإطلاق حتى ولو أخطا أمثالكم الهدف.