إنه رمضان حزين.. رغم لذة مائدة الإفطار.. التي عندما توضع يكون بعض إخواننا يسقطون قتلى أو جرحى أو ثكالى أو أرامل أو يتامى .. لا أحبذ الحديث عن الحزن، فقد شربنا منه حتى الثمالة في عشرية الدم والدموع.. ورمضان الذي فضله الله تعالى على سائر الشهور وفضلنا به على سائر الأمم والشعوب، يجب أن يكون شهر الفرحة، فهو أطول مناسبة دينية في تاريخ البشر جميعا وفي جميع الأديان.. شهر الفرح رغم بعض المتاعب والمشقة والصبر الذي يتكبده الصائمون، والتي تعد »بنة رمضان« ونكهته، فلولا قرصة الجوع ولفحة العطش والشعور بالتعب والعياء لكان رمضان شهرا عاديا وأيامه كسائر الأيام. لكن من سنن الحياة أن نستذكر الأحزان في خضم الأفراح.. نتذكر الفقراء والمساكين الذين يعانون مشاق الحياة ويصارعون من أجل اللقمة والرغيف، فنبادر بما استطعنا للتخفيف عنهم ودعمهم باليد اليمنى واليسرى أيضا.. ونستذكر الأحبة الذين فارقونا إلى الأبد لندعو لهم بالمغفرة والرحمة ونتذكر الموت التي تهزم اللذات، ونزداد يقينا بأننا يوما ما سائرون إلى حيث ساروا، فيزداد جنوحنا لفعل الخيرات ومزيدا من الطاعات والعبادات. وكذلك نستطلع واقع المسلمين في جميع بقاع العالم لأننا في الأصل أمة واحدة رغم الحدود والجغرافيا ورغم تباين الثقافات والعادات. عندما بدأت الفرحة بالصيام.. وبالتفكير في تزيين الموائد بما لذ وطاب مما أحله الله.. لابد أن نتذكر إخواننا في عديد من بلاد العرب.. ليس لأنهم جوعى بحاجة لغذاء ولا مرضى بحاجة لدواء.. إنها الحروب التي تخلف يوميا عشرات القتلى والجرحى والأرامل والأيتام والثكالي والخراب والدمار ونشر للرعب واللاأمن. نرى يوميا ونسمع ونشاهد على المباشر عبر تلفزيونات العالم الإقتتالات الداخلية والصراعات بين أبناء البلد الواحد .. فهذه ليبيا الآمنة ، بلد الزعيم التاريخي عمر المختار، لم تعد كذلك ، بل هناك معارك طاحنة لم يتوقع أحد أن تحدث في بلاد العرب والمسلمين بهذا الشكل ، ولا أحد يعلم ماذا تخبأ الأقدار لليبيا.. وفي سوريا بلد الدولة الأموية التي أوصلت الإسلام إلى قلب أوروبا انقلب الهدوء الذي استوطن بلاد الشام لسنين طوال إلى صراع دموي قاتل ومروع.. واليمن الذي عادة ما يسمى »اليمن السعيد« لم يعد سعيدا، فالحرب الأهلية تنخره نخرا.. ويسارع الشعبان المصري والتونسي إلى تجاوز مضاعفات ما سمي ب »الثورة« في سياق صعب وملفوف بالمخاطر .. وهل ننسى فلسطين والعراق المحتلتين؟ وهل ننسى الصومال التي تموت جوعا أمام كاميرات العالم ؟ وهل ننسى الفوضى القتالة في أفغانستان وباكستان ؟ وهل وهل وهل ؟ كيف نفرح وحال الأمة المحمدية هذا .. موت ودمار وجوع وحصار وأمراض وهتك أعراض .. ؟ كيف نفرح ونحن نقف عاجزين افتقدنا جميع أسباب المناعة والقوة والهبة بينما تكالب علينا الأمريكان والفرنسيس والطاليان والناتو ومجلس الأمن .. كيف نفرح ودول الأمة المحمدية هي الوحيدة في العالم التي مازالت لم تحل مشكلة الحكم، وأصبحت أضحوكة العالم المسيحي واليهودي والبوذي والكونفشيوسي والمجوسي ومن لا دين له .. لا أريد أن أعكر على القراء فرحة الصيام .. لكنه رمضان حزين .. رغم لذة مائدة الإفطار .. التي عندما توضع يكون بعض إخواننا يسقطون قتلى أو جرحى أو ثكالى أو أرامل أو يتامى .. ومثل المسنين العاجزين الذين لا حول لهم ولا قوة .. لا نملك سوى الدعاء .. بأن يعم الفرج والفرح والأمن والسلم ديار المسلمين .. آمين.