أمام الملأ قام بصب البنزين على جسمه، فالتهمته النيران وأصبح كتلة من الفحم••• بشجاعة خارقة اشعل النيران في نفسه والتي سرعان ما التهمته تشفيا من تلك الشجاعة الخارقة التي ولدتها فيه الحاجة! الحاجة التي أذلت كبرياءه وقهرت فيه الكرامة وعزة النفس، وسلبت منه رجولته التي هي أعز ما يملك• إنه شاب يافع وهبه الله الصحة وأعطاه أيضا القدرة على الصبر والمعاناة ليصل أخيرا إلى مستوى ثقافي يؤهله لنيل وظيف محترم في الدولة• تحصل على الشهادة الجامعية، وضعها في برواز وعلقها في البيت من مكملات الزينة، لقد أصبح ذلك هو وضعها الطبيعي وليس لها أية وظيفة أخرى، أكثر من ذلك، فهي لم تشفع له بالحصول على عمل، وكلما تقدم لأي مصلحة أو مؤسسة لأي عمل يقابل بالرفض أو التسويف، شارك في كل المسابقات التي اطلع عليها من الصحف، لكن الحظ خذله لأنه لم يكن من أولئك الذين لهم من الوسائط ما تعفيهم مؤونة الدخول للامتحانات وتمنحهم الوظيف دون كبير عناء ولا من أولئك الذين يتحصلون على الوظيف دون امتحان، في كل مساء يعود للبيت يجر أذيال الخيبة والتعب أنهكه بحثا عن وظيفة أو عمل مهما كان، وزاده انكسار نفسه التي تأبي التسول من أجل لقمة العيش• اهترت قدماه من التردد على مكاتب ما قبل التشغيل التي أصبحت في الحقيقة اسما بدون مسمى، وملفات ومرتبات بدون موظفين،، وأخيرا اهتدى إلى القرار الذي كان يؤجله على الدوام••• قرار الانتحار حرقا•• وقف أمام الجميع في شجاعة ورباطة جأش وكأنه ينتقم من نفسه قبل أي شيء آخر، ينتقم من وجوده في هذه الحياة التي أوصلته إلى هذه المذلة وهذا الهوان وهو الشاب الذي حمل بين ضلوعه كل الآمال والاحلام ليعيش في هذا الوطن الذي حباه الله بكل الخيرات وأعطاه من الثروات ما يكفي ساكنيه جميعا، وقف وبيديه أفرغ البنزين على جسده وبكلتا اليدين اللتين لم تعتريهما أية رعشة أو رهبة أشعل عود الثقاب لينتهي كل شيء• ذلك هو حال الفتى الذي نشرت الصحف خبره، ولا أعتقد أنه وصل إلى هذا القرار من فراغ بل لقد تعايش مع الأمل حتى انتهى صبره، وقاوم حالة الفقر والحاجة وما تحمله معها من مذلة وتعاسة وفقدان للكرامة فقرر الموت وأمام الجميع ليكونوا شهودا بأنه احترق ليسمع صوته إلى من به صمم وليقول لمن يتحسس معاناته،، احرقت نفسي لأن ذلك سيان، حرقا أو حرقة إلى ما وراء البحر ونهاية في بطن الحوت• أيضا إمرأة أخرى احرقت نفسها في إحدى البلديات وقبل الاحتراق، نسجل حالات الانتحار بشكل اصبح ملفتا وعندما تتصفح هذه الحالات أغلبها من الشباب الذين بلغ بهم اليأس إلى هذه الدرجة••• أكثر من 70 في المائة من الشعب الجزائري كما هو معروف وكما تقول الاحصائيات شباب لاتزيد أعمارهم عن 25 سنة وهي نظريا ثروة لا تقدر بثمن ويبدو أننا نتهاون بها كثيرا ولم نعطها ما تستحق من الاهتمام والرعاية، بل إن الذي يجري مساهمة في إهدار هذه الثروة ودفعها إلى أن تكون عالة على المجتمع بدل أنه تكون قوته وقدرته في صنع المستقبل الواعد• حذار من التسرب المدرسي وحذار من غول المخدرات وحذار من إغراءات قوى الشر، لعل الشاب الذي أحرق نفسه وذلك الذي وضع حدا لحياته بحبل حول عنقه قد عفا الوطن من شرور كثيرة ولكنه حمل الجميع المسؤولية، مسؤولية العناية الحقيقية بالشباب وليست العناية التي تقرأ على الورق•••