علق الدكتور والمحلل السياسي سليم قلالة في حوار خص به »صوت الأحرار« على الدعوات المنادية للتظاهر في الجزائر بالقول لا أتصور بأن الحالة الجزائرية تحتاج إلى مزيد من الدماء والاضطرابات والخروج إلى الشارع، مؤكدا أن البلاد حاجة إلى صدمة نوعية يتم على إثرها تنفيذ إصلاحات حقيقية وعميقة تعيد الشرعية للمؤسسات المنتخبة ، وتمنح السيادة للقانون، وتمنع الفساد، وفي حديثه عن العلاقات الجزائرية الليبية، أشار قلالة إلى وجود من يدفع إراديا أن تبقى الجزائر بعيدة عن ليبيا في عملية التغيير الحاصلة حاليا أو في مرحلة البناء القادمة، للانفراد بليبيا من جهة وإضعاف موقف الجزائر من جهة أخرى. * الوضع السياسي والأمني في ليبيا لا يزال بعيدا عن الاستقرار وما تزال الاتهامات تواجه الجزائر بدعم نظام القذافي، هل تتوقعون تطبيعا قريبا للعلاقات الجزائرية الليبية أم أنها قد تزداد تعقيدا بفعل المستجدات الأخيرة المتمثلة في استقبال الجزائر لأفراد من عائلة القذافي؟ المتابعة القريبة لتطور الأحداث توحي بأن هناك من يدفع إراديا إلى أن تبقى الجزائر بعيدة عن ليبيا في عملية التغيير الحاصلة حاليا أو في مرحلة البناء القادمة، للانفراد بليبيا من جهة وإضعاف موقف الجزائر من جهة أخرى. ذلك أن الكل يعلم أن الدولتين تشكلان معا، قوة محلية و إقليمية لا يستهان بها، خاصة فيما يتعلق بالسياسة النفطية. وقد كانتا تاريخيا معا في أغلب المواقف، لذلك فهناك سعي حثيث خاصة من بعض القوى المناوئة للجزائر لكي لا تعود العلاقة طبيعية بين البلدين بحيث يتم الاستفراد بليبيا وفي ذات الوقت يتم إضعاف الموقف الجزائري، بل وقيادة وتوجيه أية مصالحة قد تتم بينهما، لذا فإن مسألة العلاقات الجزائرية الليبية ليست محكومة فقط بمتغيرات ثنائية إنما يلعب العامل الخارجي فيها دورا رئيسا، وعلى الطرفين أن يدركا هذا الرهان إذا أرادا أن يعززا موقفهما معا، وأظن بأن القيادة الجديدة في ليبيا تدرك هذا، ولن تسمح بأن يتم عزلها عن الجزائر للإنفراد بها وإضعافها وهي تخطو أولى خطوات البناء، وكذلك بالنسبة للجزائر لا اعتقد أنها ستقبل بأن تقوم بإجراءات من شأنها أن تسمح بإضعاف الموقف التفاوضي الليبي خاصة مع الغربيين الذين بلا شك سيستغلون هذا الظرف لفرض إملاءات عديدة على ليبيا. ومما سبق فإني أرى بأن إستعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين يبقى هو الخيار الاستراتيجي الوحيد لديهما، أما استقبال عائلة القذافي فينبغي أن يبقى أمرا ثانويا لا نعطيه أكثر من حجمه، المهم هو استقرار ليبيا و تعزيز موقفها التفاوضي اليوم قبل الغد ومنع الانفراد بها. *مسلسل الاتهامات التي تواجهها الجزائر في النزاع الليبي متواصل، بداية من مزاعم نقل المرتزقة الأفارقة إلى ليبيا إلى دعم نظام القذافي بمرتزقة جزائريين وصولا إلى إقحام الجزائر كطرف في عقود لشراء أسلحة من الصين لصالح نظام القذافي، هل تترقبون تواصل هذه المزاعم وإلى ماذا يهدف أصحابها؟ الهدف واضح هو القيام بكل شيء لكي لا يقع تحالف استراتيجي بين ليبيا والجزائر، لأنه إذا وقع هذا تكون »تضحيات« الناتو من أجل الإنفراد بليبيا قد ذهبت سُدى، هم يعرفون ذلك، بل ويعرفون عمق العلاقات بين الشعبين تاريخيا وطبيعتهما الثورية المشتركة، وإذا ما نجحوا في ترسيخ فكرة أن الجزائر وقفت ضد ثورة الشعب الليبي يكونوا قد حققوا غايتهم، أما إذا ما تمكن الجزائريون والليبيون من تجاوز ما وقع بينهم من خلاف واعتبروه خلافا بين الإخوة، فإنهم سيتمكنون من استعادة زمام المبادرة الإستراتيجية في تعاملهم مع القوى الدولية المراهنة على الانقسام بين ليبيا والجزائر لتنصب نفسها حَكما ومتحكما في نوعية العلاقات. * هل تعتقدون بوجود مخطط ما لتوريط الجزائر في دعم نظام القذافي؟ يعرف الجميع أن الجزائر وليبيا في عهد معمر القذافي كانا حليفين في أكثر من موقف، بحكم مواقفهما الثورية المشتركة على الصعيدين العربي والإفريقي والدولي، المعبرة بحق عن طبيعة الشعبين الليبي والجزائري، ولا أظن بأن هذا سيتغير، باعتبار التاريخ الليبي والجزائري المشترك في مسائل تتعلق بمحاربة الاستعمار ورفض الظلم والاعتداء، لا أظن بأن ليبيا سيسكنها شعب آخر. الشعب الليبي هو الشعب الليبي والشعب الجزائري هو الشعب الجزائري، بقيت معالجة مشكلة الخلافات التي برزت في المدة الأخيرة بين البلدين، يبدو لي أن خلافات ستة أشهر بغض النظر عن من المخطئ فيها لا يمكنها أن تمحي عقودا من الاتفاق بين البلدين والشعبين والحكومتين، إلا إذا انساق أحد الطرفين في مخطط خلق عداء بين البلدين ليسود الطرف الثالث المعروف بهذا السلوك تاريخيا. * تابعتم التسجيلات الصوتية للقذافي ولسيف الإسلام، هل تعتقدون أن الغرب يبحث عن بن لادن جديد وأن القذافي أو ابنه مرشحين لهذا الدور؟ أظن أن مصلحة بعض القوى الغربية هي في بقاء الاضطراب في ليبيا لتبقى سيدة الموقف، ما يهمهم بالدرجة الأولى هو تأمين منابع النفط، وتأمين بعض الاستثمارات التي تدر عليهم أموالا طائلة، أما أن يروا ليبيا تجمع بين قوة الموقف التقليدي المعروفة به والقوة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، لا اظن بأنهم يقبلون ذلك، هذه مسألة لها علاقة بسيادة فكرة تفوق الرجل الأبيض التي مازالت تعبر عن نفسها بطرق ظاهرة ومستترة. لذلك فإنه مازال هناك متسع من الوقت لإيجاد حل تفاوضي مع الأوفياء للنظام السابق، الحلول الراديكالية والانتقامية لا تحقق الاستقرار، أما الدائرة المقربة من القذافي وأبناءه، أظن أنه من اللائق عدم دفعهم للانتحار، حتى يتم غلق كل المنافذ لمن لا يريد بليبيا المستقبل خيرا. * بماذا تفسرون الضجة التي تصرّ بعض الدوائر الإعلامية على إثارتها بشأن استقبال الجزائر لأفراد من عائلة القذافي رغم أن الأسباب إنسانية، فيما تغاضت هذه الأطراف عن حالات مماثلة في الماضي؟ أعتقد بأن عائلة القذافي هي الآن في حكم الماضي، وأن الثورة ينبغي أن تتطلع أكثر للمستقبل، فإذا استجارت هذه العائلة بالجزائر وقبلت ذلك ينبغي ألا ينظر لذلك بأنه عمل عدائي. ينبغي النظر إليه بأنه مسألة ثانوية من منظور العلاقات الإستراتيجية التي ينبغي أن تحكم البلدين.. أما الدوائر التي تصنف هذا الموقف بالسلوك العدائي فإن غايتها هي أن تكدر الأجواء بين البلدين، ضمن منطق منع البلدين من ربط علاقة استراتيجة جديدة معا. * قيادات في المجلس الانتقالي الليبي تتحدث عن عزمها رفع مذكرة إلى الجائر للمطالبة بتسليمها محمد وحنبعل القذافي، إلى أي مدى يمكن لهذا الموضوع أن يزيد في التوتر بين الطرفين وهل ستكون له تداعيات بالنسبة لموقف الجزائر مع الأطراف الدولية التي هي جزء من الصراع في ليبيا؟. أظن أنه من مصلحة البلدين أن يُطوى هذا الملف، أو على الأقل أن يؤجل إلى حين عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين، لا أتصور بأنه من أولويات المجلس الوطني الانتقالي متابعة هذا الأمر، هناك أولويات أهم يمكن التركيز عليها لينطلق الشعب الليبي مرة أخرى نحو التقدم والازدهار. أما هذا الملف فيمكنه أن يطرح لاحقا، والجزائر لا أظن بأنها ستخالف القانون والأعراف الدولية ومبادئ حسن الجوار في هذه المسألة، إذا ما طُرحت في الوقت المناسب. *هناك دعوات عبر شبكات التواصل الاجتماعي للتظاهر في 17 سبتمبر الجاري في الجزائر، هل يمكننا القول أن دور الجزائر في أجندة الثورات العربية بات وشيكا بعد ما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا؟ التغيير قادم لا محالة في كل البلدان العربية، وهو سنة من سنن الحياة، يبقى كيف نجعل منه تغييرا نوعيا يصب في خدمة الصالح العام، ويسعى للإصلاح والبناء هي ذي المسألة الجوهرية. في الجزائر، محكوم علينا بإحداث تغيير نوعي في طبيعته ووسائله ونتائجه وسرعته، لا أتصور بأن الحالة الجزائرية تحتاج إلى مزيد من الدماء والاضطرابات والخروج إلى الشارع. نحن في حاجة إلى صدمة نوعية يتم على إثرها تنفيذ إصلاحات حقيقية وعميقة تعيد الشرعية للمؤسسات المنتخبة ، وتمنح السيادة للقانون، وتمنع الفساد، وكل هذا في إطار المبادئ القيم الوطنية التي تبقى أساس البناء. تغيير هذا الثالوث المميت بسرعة وصرامة وصدق وبدون تلاعب بالأجندة أو كسب للوقت سيمكننا بإذن الله من أن نحقق الانطلاقة الجديدة، أما إذا استمرت سياسة التسويف وتأسيس العقد الاجتماعي على أساس »أعطيني أعطيك«، بعيدا عن قاعدة من القيم الوطنية المتينة ومن غير تغيير في نوعية الرجال والنساء والمؤسسات فإننا سندفع بأنفسنا إلى وجهة غير التي تكون في صالح البلاد والعباد.