خطاب رئيس الجمهورية يعبر عن إرادة سياسية يجب تثمينها. وضع الصحافيين ليس جيدا من الناحية الإجتماعية وسائل الإعلام الإلكترونية ستحل بالتدريج محل وسائل الإعلام التقليدية. لا وجود لحرية التعبير بدون معلومات دقيقة وإستراتيجية واضحة. الإعلام الإلكتروني، منافس قوي يتطلب قراءة جديدة لمفاهيم حرية التعبير. الصحافة المكتوبة في الجزائر قادرة على المنافسة إقليميا ودوليا. قطاع السمعي البصري لم يستطع مواكبة الإحترافية العالمية يعتقد الأكاديمي سليم قلالة أن حقيقية التطورات باتجاه أن يصبح الإعلام الإلكتروني، بديلا و منافسا قويا يتطلب قراءة جديدة لمفاهيم حرية التعبير وحرية الرأي، مضيفا أن خطاب رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة يعبر عن إرادة سياسية يجب تثمينها، واستطرد في السياق نفسه أن ذلك غير كاف، لأن المسألة لا تتعلق بمواد قانونية، وإنما بتغيير طريقة عمل الصحافيين وتضامنهم مع بعضهم البعض، إذا وقعت تجاوزات ضد زملائهم. الجمهورية: هل يمكن أن تحدثنا عن واقع الإعلام في الجزائر؟ - س. قلالة : المرحلة الحالية تبدو مختلفة تماما عما عرفته الجزائر في السنوات السابقة، حيث ترسخت التعددية في الصحافة المكتوبة، بينما لم يواكب قطاع السمعي البصري هذا التعدد وبقي على حاله، وهذه الخطوة في حد ذاتها يجب أن تحسن من خلال تحكيم آداء الصحافة المكتوبة، من حيث المحتوى ومجال الحرية المتوفرة، أما بالنسبة لقطاع السمعي البصري؛ فالمشكلة لا تُطرح فقط على مستوى فتح هذا المجال للتعدد، وإنما في نوعية الرسالة المقدمة، ومهنية العمل الذي ينبغي أن يكون، وهو نفسه المطروح على مستوى قطاع الصحافة المكتوبة ليس في عدد الصحف الصادرة وإنما في نوعية هذه الرسائل الإعلامية وفي مدى احترافية العمل الصحفي ومدى استقرار هذا الصحفي العامل في هذا القطاع من الناحية الاجتماعية، وخاصة نوعية التكوين الذي يتلقاه هذا الإعلامي، والعبرة في النهاية بكفاءة القائم بالعمل الإعلامي، وهذا هو الرهان القائم حاليا قبل أي رهان آخر، وأعتقد أن الرهان اليوم في قطاع الإعلام هو مستوى المادة التي يقدمها، وفي مدى قدرتها على مواجهة التغييرات التي تتعرض لها بلادنا، حيث أصبح الإعلام ليس فقط للتأثير في الرأي العام وإنما وسيلة يمكنها التأثير في الأمن الوطني. الجمهورية: حديثنا عن الإعلام يحيلنا إلى الحديث عن واقع حرية التعبير، فما هو مدى ممارستها في قطاع الإعلام؟ - س. قلالة : أرى أن حرية التعبير مرتبطة بالغايات والأهداف الإستراتيجية المحددة لدور الإعلام الوطني، فإذا كانت هذه الأهداف وهذه الإستراتيجية غير واضحة فلا يمكننا الحديث عن وجود حرية للتعبير في أي مكان بالعالم، وبالتالي فهي مرتبطة بقدرة وصول الصحافي إلى مصدر المعلومة، وبوضوح إستراتيجية إعلامية في الدولة، وإذا غاب هذان العنصران عن الممارسة الإعلامية، تصبح حرية التعبير بلا معنى، وهذا ما يفسر وجود الكثير من الضبابية في مجال طرح الأفكار، والكثير من الشكوى من غير تحديد السبب الرئيس في ذلك، وهو توفير المعلومات الصحيحةّ، ووجود إستراتيجية واضحة المعالم، وحين تكون الكلمة غير مرتبطة برؤية واضحة، أو إستراتيجية معينة تصبح مجرد كلام لا معنى له، وهو عبارة عن نوع من وهن في حرية التعبير، لأن غياب المعلومة الدقيقة والإستراتيجية يجعل أي كلام يقال لا يندرج ضمن حرية التعبير. الجمهورية :ماهي العلاقة بين السلطة والإعلام في رأيك؟ - س. قلالة : يجب أن يرى الجمهور السلطة من خلال الإعلام، كما يجب أن تكون السلطة على علم برؤية الواقع، ويفترض في الإعلام أن يأخذ موقعا واضحا بين الرأي العام والسلطة، كما يجب أن يكون موقفه مستقلا ليس فقط عن السلطة السياسية، وإنما عن باقي السلطات الأخرى كسلطة المال، وسلطة الإعلام الخارجي، وسلطة المعلومة ا الخارجية، المعدة من وجهة نظر بلد نحو بلد آخر، والمعلومات المطبوخة في مخابر الدول الأخرى والتي تحمل رؤيتها تجاه الدول أخرى، وبالتالي الوقوع في التبعية الإعلامية إلى جانب التبعية إلى سلطة رأي المال والسلطة السياسية. الجمهورية :على من تقع مسؤولية إستقلالية السلطة الرابعة؟ - س. قلالة : الصحافي لا يستطيع تأدية رسالته كما ينبغي بسبب ضغوط الجهات الممولة لوسائل الإعلام، والدولة التي لا تضع موازينا في كثير من النواحي سواء كانت إقتصادية أو مالية لتحديد موقف واضح، وهو الأمر الذي يجعل الصحفي في النهاية أمام مواقف متباينة من وقت لآخر في قضايا من المفروض أن يكون للدولة موقفا واضحا تجاهها وكذلك موقف الجريدة أيضا، كما يجب أن يتحول الصحافيون إلى سلطة متميزة عن الوسائل الإعلامية التي يشتغلون بها، وذلك بالتنظيم وإبعاد المتطفلين عن القطاع بكلمة موحدة من رجال الإعلام، وترشيد الموقف من القضايا المتعلقة بدور الإعلام، كما يجب على الصحفي بدوره تحمل المسؤولية واعترافه بتقصيره في الدفاع عن هذه المهنة لأنها جزء من حقوقه الوطنية. الجمهورية :ماهو مستوى الآداء الإعلامي للتلفزيون؟ - س. قلالة : يجب أن نفرق بين آداء الصحافة المكتوبة والسمعي البصري فالصحافة المكتوبة في الجزائر، مرت بتجربة طويلة وأصبحت قادرة على المنافسة إقليميا ودوليا، في مقابل ذلك لم يستطع قطاع السمعي البصري مواكبة الاحترافية العالمية، وهذا ليس نتاج ضعف لدى الصحافيين العاملين بهذا القطاع، وقد أثبتوا تواجدهم في العديد من المنابر الإعلامية الدولية، ولا قلة الإمكانيات التقنية المسخرة في هذا المجال، ولكن سبب تأخر مجال السمعي البصري هو نتاج ضعف السياسة الإعلامية في هذا القطاع وعدم بلورة إستراتيجية واضحة، لمواجهة الغزو الإعلامي الخارجي، والذي أصبح يهدد استقرار الأمن الوطني. الجمهورية: إلى أين تتجه تطورات تغيير قانون الإعلام في الجزائر؟ - س. قلالة : هناك فرق بين مرحلة التسعينات والمرحلة الحالية ومرحلة ما قبل الثمانينات حيث كانت الوضعية مختلفة، أما عن قانون التسعينات فتضمن عدة مواد منها ما هو جيد ومنها ما هو غير جيد كمعاقبة الصحفيين، وفي سنة 2001، طرحت قوانين أخرى تتجه نحو تجريم العمل الصحفي، ولكن الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية مؤخرا، دعى فيه إلى إلغاء القوانين المتعلقة بتجريم الصحافيين، في حالة رفع شكوى ضد الجريدة أو الصحيفة، وأن يقتصر الأمر على الغرامات المالية، دون تسليط عقوبة الحبس أو السجن في حق الصحافيين، ولكن ذلك يبقى غير كاف، لأن المسألة لا تتعلق بمواد قانونية، وإنما بتغيير طريقة عمل الصحافيين وتضامنهم مع بعضهم البعض، إذا وقعت تجاوزات ضد زملائهم، كما يجب أن نضع مصلحة المواطن بعين الإعتبار، إذ لا يمكن أن نتكلم عن حرية مطلقة فوق القانون بالنسبة للصحفي، ولا يمكن التضييق عليه وقمعه في المقابل، وإنما بوضع عقوبات محددة، وأشير هنا إلى أنه يجب أن تتدخل مجالس أو إتحادات مهنة الصحافة، وأن يكون موقفها رادعا لأي تجاوزات. الجمهورية: في الوقفة الأخير للصحافيين بالعاصمة دعوا من خلالها إلى تأسيس مجلس أعلى للإعلام ما رأيك؟ - س. قلالة : عدم وجود مجلس أعلى للإعلام، أو أي إتحادات أو نقابات للصحافيين، أو أي شكل آخر من أشكال التنظيمات يعد نقصا لمسؤوليات الصحافيين، لأنه حتى في عهد الحزب الواحد كان هناك إتحاد للصحافيين الجزائريين، أما الآن فجمهور الصحافيين مشتت، وليس هناك هيئة يلجأ إليها المواطن غير العدالة والقانون، لتقديم شكواه ضد التجاوزات التي ممن الممكن أن تقع. أرى أن الوقت مناسب لتفعيل الأشكال القانونية المختلفة، والتي تقوم بالردع من خلال القانون أو الغرامات، وفي ذات الوقت تحمي هذه المجالس الصحافيين من الإدارة، وتحقق مطالبهم الإجتماعية. الجمهورية: بالحديث عن الناحية الاجتماعية للصحفيين هل تعتقد أن وضعهم الاجتماعي قادر على توفير جو مناسب للعمل؟ - س. قلالة : وضع الصحافيين ليس جيدا من الناحية الإجتماعية، والغالبية الساحقة يعيشون في ظروف صهبة للغاية، خاصة أن العمل يتطلب منهم الإنتقال إلى المدن الكبرى أو إلى العاصمة، حيث تتواجد أغلب الصحف والمؤسسات الإعلامية، وهذا ما يعني معاناتهم من أزمة السكن والنقل، في مقابل تدني الأجور، ومن المفروض أن يقوم إتحاد الصحافيين بدور الوسيط بين الصحافي ومؤسسات القطاع العام، التي يمكن أن توفر ظروفا أفضل لهم كما في السابق، حيث كان إتحاد الصحفيين يدافع عن حقهم في السكن ويمنحهم بطاقات وطنية تعطي له مكانة أينما حل لآداء عمله، وضعية الصحفيين لا تقتصر فقط على الجانب الإجتماعي ولكن يجب التفكير بالتكوين المستمر للصحافيين، لأن تطور الأحداث والتكنولوجيات تحتاج إلى تكوين مستمر أيضا، لأن تكنولوجيات الإعلام تتغير بسرعة والعمل الصحفي يتطلب إحتكاكا بالصحافيين بالداخل وإنشاء مجموعات تؤطرهم، وأن يوفروا لأنفسهم مثل هذه التكوينات لأن التكوين الجامعي غير كاف لتخريج كفاءات قادرة على قيادة الرأي العام، والتأثير فيه ومواكبة التطورات. الجمهورية :ما هو مستقبل الإعلام في الجزائر على ضوء خطاب رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة؟ - س. قلالة : هذه الخطورة تعبر عن إرادة سياسية يجب تثمينها، فإذا كانت الإرادة السياسية متوفرة، وجب فتح نقاش متعدد الأطراف لإشراك اللجانيين في كل إجراء قادم يخصهم، لأن تطوير القطاع لا يتم بدون مشاركة المعنيين وعندما يشارك هؤلاء في القرارات التفصيلية القادمة، سيتبنون البيانات النابعة عنها أما إذا تم رسم البيانات المهنية بها، فإن النتيجة ستكون عدم تقبلهم لها وتجاوبهم معها وهو الأمر الذي سيحول دون تحقيق الأهداف المرجوة، لذلك ينبغي تفعيل هذه الإرادة من خلال المعنيين في هذا القطاع، ولا يمكن أن نفصل الإصلاحات في ميدان الإعلام عن الإصلاح في باقي القطاعات الإجتماعية الأخرى، أما عن تغيير قانون الإعلام أو إعادة صياغة بعض المواد دون نظرة شاكلة وعميقة، من أجل إصلاح المنظومة ككل، فإن هذا الإصلاح سيبقى ولا يحقق نتائجه المطلوبة ما لم يكن مؤطرا. الجمهورية: ألا تعتقد أن حرية التعبير لم تعد حبيسة وسائل الإعلام التقليدية بظهور جيل "الفايسبوك"؟ - س. قلالة : حقيقية التطورات باتجاه أن يصبح الإعلام الإلكتروني، بديلا و منافسا قويا يتطلب قراءة جديدة لمفاهيم حرية التعبير وحرية الرأي، ودور الإعلام في السياسة الوطنية وإعادة قراءة قوانين تتعلق بمراقبة المهنة الصحفية، إذ لا يمكن أن نغض الطرف عن تجاوزات وسائل الإعلام الإلكترونية، والتي تمس بخصوصية المواطن وحياته الشخصية، والتي من المفروض أن لا يطلع عليها أحد، أرى أن البعد المستقبلي المهم، هو أن وسائل الإعلام الإلكترونية ستحل بالتدريج محل وسائل الإعلام التقليدية على المدى البعيد، كما أنها ستصبح من أقوى الوسائل الإعلامية مستقبلا وذلك علينا إعادة النظر في هذه المنظومة مع الأخذ بعين الاعتبار هذه التطورات الحاصلة.