قدم وزير الشؤون الخارجية، مراد مدلسي، أول أمس، لرؤساء البعثات الدبلوماسية وممثلي المنظمات الدولية المعتمدة في الجزائر، توضيحات رسمية عن موقف الجزائر من التوترات الحاصلة في المنطقة العربية، والإصلاحات التي ستقدم عليها البلاد بقرار من رئيس الجمهورية من أجل الاستجابة إلى مطالب الشعب والسياسيين في خطوة استباقية لامتصاص تحرك الشارع، كما أكد على التزام الدولة بأداء الدورالمنوط بها من أجل تفادي الانعكاسات الأمنية السلبية لما يحدث في ليبيا على البلاد ومنطقة الساحل بشكل عام. عبر مراد مدلسي، في كلمته أول أمس، خلال لقاء مع السفراء وممثلي المنظمات الدولية المعتمدة في الجزائر، بإقامة الميثاق، في رسالة سياسية واضحة موجهة لشركاء الجزائر وحلفائها في الخارج، عن إرادة الدولة في القيام بإصلاحات عميقة تعزز دولة القانون وتقرب المواطن من السلطة، من خلال التكفل بانشغالاته في إصلاحات تنطلق من القاعدة، ومن تحسين أداء المرفق العمومي أو الإدارة لفائدة المواطن والمتعامل الاقتصادي، وكذا إعادة النظر في التشريعات التي ترتبط بحالة الحريات والديمقراطية، و شدد على أهمية تعديل الدستور الذي وصفه ب”الطموح العميق” لرئيس الجمهورية، مؤكدا على أن التعديل سيتم على يد لجنة متعددة الأطراف تتشكل من ممثلين عن جميع الأحزاب السياسية وأفضل الخبراء في القانون الدستوري، معتبرا أن مشروع الإصلاح العميق الذي أعلن عنه بوتفليقة مؤخرا، لن ينجح إلا من خلال الاستفادة الكاملة من المساحات المفتوحة والحوارات السياسية، مشيرا إلى الحاجة لانفتاح وسائل الإعلام الثقيلة على جميع التيارات السياسية بشرط الاحترام. وفي السياق كشف مدلسي عن أن الحكومة قد شارفت على الانتهاء من إعداد مشروع قانون مدونة أخلاقيات مهنة الصحفي ورفع التجريم على جنح الصحافة. إشراك جميع الأحزاب في تعديل الدستور وقانون الانتخابات والأحزاب مدلسي الذي قال إن لقاءه مع سفراء وممثلي المنظمات الدولية يهدف إلى تمكينهم من إدراك الرهان الحقيقي وأهداف البرنامج الطموح الذي انطلقت فيه الجزائر بقرار من الرئيس، وكذا أهميته التاريخية وتمكينهم من وضعه في حجمه وموقعه الصحيح، أسهب في إبراز أهمية القرارات الأخيرة التي أعلن عنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والتي صنفها على أنها دليل على الإرادة في تحسين الأوضاع والاستجابة لتطلعات الشعب خاصة فئة الشباب، ودعمها بالقول، إن إصلاحات بوتفليقة التي امتدت لعشرية ساهمت في إحراز تقدم إيجابي في معيشة الجزائريين بشهادة تقارير المنظمات الدولية، مؤكدا أن مشروع الإصلاحات العميقة أو ما أسماه ب”ورقة الطريق” التي أعلن عنها الرئيس، بعد قرار رفع حالة الطوارئ، سيكون لها الأثر الايجابي للغاية - حسب تعبير الوزير - على حالة الحريات ونوعية المعيشة وسوق العمل والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وأضاف مراد مدلسي أن هذه الإصلاحات - أو “التحدي الطموح” - تأتي في الوقت المناسب لدعم المكاسب المسجلة بعد إحلال الأمن في البلاد، وستنطلق من القاعدة من خلال ديمقراطية تشاركية مفتوحة على كل الفاعلين من المواطن والمنتخب إلى الجمعيات، مؤكدا على الحاجة إلى تحسين أداء الإدارة للتكفل بانشغالات المواطن وتطهير مناخ الاستثمارات التي أكد أنها مفتوحة على جميع المتعاملين، وطنيين أو أجانب خواص أو عموميين. وقال الوزير إن تعميق العملية الديمقراطية وتعزيز سيادة القانون يكون باتباع نهج شامل ينطوي على دعم جميع القوى السياسية والاجتماعية، مشيرا إلى أن الترسانة القانونية للبلاد ستتم مراجعتها من أجل ضمان امتثالها لأعلى معايير الممارسة الديمقراطية، وذلك انطلاقا من إعادة النظر في النظام الانتخابي بتوفير الديمقراطية والشفافية من أجل تمكين المواطن من الاختيار بكل سيادة وعدل لمن يرى فيه الأصلح، مؤكدا على إشراك جميع الأحزاب دون استثناء في عملية المراجعة التي ستشمل أيضا قانون الأحزاب، بالإضافة إلى تنفيذ وعد إشراك المرأة في إدارة شؤون الدولة من خلال نظام الحصص في الانتخابات. دعم قدرات دول الساحل لمواجهة انعكاسات أزمة ليبيا وانتهاء زيارة المقررين الأمميين في جويلية من جهة أخرى، كشف الوزير عن موعد انتهاء زيارة المقررين الامميين للجزائر المقررة في جويلية المقبل، وأكد على التزام الجزائر بتوصياتهم من أجل بلوغ المعايير الدولية لحقوق الإنسان، معتبرا أن تعاون الجزائر مع مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان للاتحاد الإفريقي، دليل على استعداد الجزائر وإخلاصها في العمل على النطاق الحضاري. وعن الأحداث الدائرة في المنطقة العربية التي توليها الجزائر اهتماما كبيرا، جدد مدلسي موقف الدولة في تحقيق انتقال سلمي يرتكز على الحوار ودون إراقة الدماء للاستجابة إلى تطلعات الشعوب، مشيرا إلى تمسك الجزائر بموقف عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، سواء كانت قريبة أو بعيدة، والذي قال عنه وزير الخارجية، إنه لا يتغير بتغير الظروف، واعتبر أن لقاء أول أمس، فرصة لتأكيد هذه المبادئ للبعثات الدبلوماسية التي كانت محل استفهام أو سوء فهم أحيانا. وركز المتحدث على الملف الليبي الذي يعمل المجلس الانتقالي على توريطه بشكل دنيء فيه، بالقول إن وقف إراقة الدماء والانطلاق في مفاوضات هو المطلوب من أجل حل سياسي للأزمة تدعمه الجزائر منذ بداية النزاع، مؤكدا على أن الأزمة الليبية تشغل كثيرا الجزائر، كونها بلدا مجاورا تتأثر بشكل مباشر بالوضعية الأمنية لهذه الدولة، وأشار إلى التهديد الكبير الذي يشكله الوضع في ليبيا على أمن منطقة الساحل بشكل عام، والتي ما تزال تتخبط في وضع أمني هش، مؤكدا أن هذا الوضع يعطي فرصة للجماعات الإرهابية وشبكات الإجرام للتسلل والحصول على أسلحة متطورة منها صواريخ، وشدد على ضرورة دعم القدرات العملية لدول الساحل في مواجهة هذا التهديد، وأكد على التزام الجزائر بأداء دورها في تأمين الحدود ومواجهة وضعية الفراغ الأمني في احترام تام لقرارات مجلس الأمن.