أعلن المسؤول الأول على القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا »الأفريكوم«، الجنرال كارتر هام أن عمليات حلف شمالي الأطلسي »الناتو« في ليبيا سوف تنتهي بحلول الأسبوع المقبل، وهو ما يتناقض مع الوضعية العسكرية في الميدان حيث تستمر المواجهات بين قوات الانتقالي وقوات العقيد معمر القذافي في ثلاثة جبهات، ومع المخاوف المتزايدة حول اختلاف أسلحة متطورة ومواد تدخل في صناعة أسلحة الدمار الشامل، الأمر الذي يتطابق مع التحذيرات التي أطلقتها الجزائر منذ بداية المواجهات في هذا البلد. فاجأ مسؤول القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا المعروفة اختصارا باسم »الأفريكوم« الجنرال كارتر هام، جميع المراقبين، بتصريح قال فيه أن الجانب الأكبر من المهمة العسكرية الدولية »الحلف الأطلسي«، في ليبيا قد انتهت، ونقلت شبكة »سي. بي. إس« الإخبارية الأميركية أن هام أكد في تصريحات صحفية أن عمليات حلف شمالي الأطلسي في ليبيا سوف تنتهي بحلول الأسبوع المقبل، متوقعا أن تقوم القيادة العسكرية الأميركية برفع تقرير إلى الاجتماع الوزاري للناتو، والذي من المقرر أن يعقد في بروكسل في نهاية الأسبوع المقبل حول الأوضاع في ليبيا. ويأتي إعلان قائد »الأفريكوم« عن قرب انتهاء العمليات العسكرية للحلف الأطلسي في ليبيا، رغم استمرار اختفاء العقيد الليبي معمر القذافي الذي تضاربت المعلومات حول مكان تواجده، بين من يقول بأنه في سيرت أو بن وليد، ومن يعتقد بأنه في غدامس أو خارج ليبيا، ربما في حماية قبائل التوارق، يضاف إلى ذلك تواصل المواجهات العسكرية بين قوات الانتقالي وقوات الزعيم الليبي المطاح به في ثلاثة جبهات على الأقل، هي سيرت وبن وليد وغدامس، مما يعني بأن الحرب لم تنته وأن الأمور لم تستقر من الناحية العسكرية والأمنية لحكام ليبيا الجدد. الجنرال الأمريكي شدد على ضرورة قيام المجلس الوطني الانتقالي الليبي والقوات التابعة له بالسيطرة »المعقولة« على الميدان، وإحكام سلطتهم على التجمعات السكنية قبيل انتهاء مهمة الناتو، وأضاف هام أن من أسماهم ب»الثوار« أصبحوا قريبين من تحقيق هذا الهدف، وهو ما جعله يقول بأن »الغارات الجوية للناتو سوف تتوقف - على الأرجح - إلا إذا طلبت الحكومة الانتقالية الليبية من الناتو الاستمرار في القيام بها«، مضيفا أن »حلف الناتو لن ينتظر إلقاء القبض على القذافي أو إجباره على الهرب للخارج لإنهاء مهمته العسكرية في ليبيا«، وأوضح أيضا بأن »اختفاء القذافي في مكان ما تعتبر مسألة تخص الليبيين أنفسهم، وليس أي فريق آخر«. واللافت أن تصريحات الجنرال الأمريكي تأتي بعد أيام قليلة فقط من إعلان قائد عملية حلف شمال الأطلسي في ليبيا الجنرال الكندي شارل بوشار أن الحلف واثق من إنهاء العملية في ليبيا في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة، وقال بوشار خلال مؤتمر صحافي »أنا على ثقة تامة بقدرتنا على إنهاء المهمة قبل فترة من انتهاء مهلة الثلاثة أشهر..«، وتزامن هذا التصريح مع تصريح أخر للامين العام للحلف الأطلسي أندرس فوغ راسموسن أن المقاتلات ستظل في الجو طالما أن المدنيين يواجهون خطرا..«، وإن لم يستبعد توقيف مهمة الناتو في ليبيا في أي لحظة حسب نتائج التقييم الدوري للوضعية على الأرض. وتطرح مراجعة تاريخ انتهاء مهمة الحلف الأطلسي في ليبيا تساؤلات كثيرة حول خلفياتها، فقد يكون للقرار الذي جاء على لسان مسؤول عسكري أمريكي علاقة بالصراعات السياسية التي تفجرت في ليبيا خلال مساعي تشكيل حكومة انتقالية، خاصة بين التيار العلماني بزعامة محمود جبريل الذي أعلن مؤخرا عن انسحابه من مهمة تشكيل الحكومة، والتيارات الإسلامية، المعتدلة التي تسيطر على بعض المؤسسات، وتتواجد بقوة وسط المجلس الانتقالي، والمتطرفة التي تسيطر كتائبها المسلحة على أغلب المناطق التي انسحبت منها قوات النظام المنهار. وفضلا عما سبق فإن قرار مراجعة موعد انتهاء مهمة الأطلسي في ليبيا، يأتي في وقت تم فيه كشف النقاب عن كميات من المواد الكيماوية والمواد المشعة التي تدخل في صناعة أسلحة الدمار الشامل، وحتى وإن ادعى الحلف الأطلسي بان قوات المجلس الانتقالي قد سيطرت على مخزونات الأسلحة الكيماوية التي كانت بحوزة نظام العقيد معمر القذافي، فإن تقارير أخرى تحدثت عن اختفاء كميات من هذه المواد، فضلا عن اختفاء أسلحة وعتاد عسكري متطور، منها ألغام بحرية، وصواريخ روسية الصنع متوسطة المدى، وصواريخ أرض جو من طراز »سام 7« تحمل على الكتف، مما يشكل خطرا على أمن واستقرار دول المنطقة، وحتى على المصالح الغربية بشمال إفريقيا ومنطقة الساحل الصحراوي. ويبدو أن الحلف الأطلسي أصبح يتخوف أكثر من أي وقت مضى من أن يغرق في الوحل الليبي، وهو يدرك تماما أن القضاء على مقاومة أتباع القذافي قد تعد ضربا من الخيال لاعتبارات كثيرة لها علاقة بالخصوصية الجغرافية للمنطقة المفتوحة على دول لا تسيطر على حدودها، وغير قادرة على ضبط الأمن على أراضيها، وهو ما يعني بأن الناتو سوف يترك ليبيا تتخبط في أزمتها الأمنية، مما يؤكد مجددا صحة الموقف الجزائري الذي حذر منذ البداية من أن التدخل الأجنبي في ليبيا، وحل الأزمات عبر تسليح الشعوب وتثويرها لن يجلب الأمن والاستقرار، ناهيك عن الديمقراطية لليبيا والمنطقة.