فرنسا تقدم دروسا في قراءة التاريخ بشجاعة، فقد اعتبر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن تركيا ستتشرف بإعادة قراءة تاريخها، وكان بذلك يحضها على الاعتراف بإبادة الأرمن، وفي الوقت نفسه كان وزيره للداخلية كلود غيان يوقع اتفاقا بين فرنسا وتركيا يعزز التعاون في مكافحة الإرهاب، والإرهاب المقصود هنا هو التعاون على مكافحة حزب العمال الكردستاني، فأكراد تركيا، على عكس أكراد العراق وسوريا، إرهابيون يتعاون على قمعهم الغرب الديمقراطي مع تركيا أردوغان الذي لا يمل من تقديم الدروس في الديمقراطية وحقوق الإنسان لجيرانه العرب. وبين الحدثين ذكرت الجزائر بشكل عارض، فقد سئل وزير الداخلية الفرنسي عن هذا التناقض بين دعوة تركيا إلى الاعتراف بإبادة الأرمن ورفض الاعتراف بالجرائم المرتكبة بحق الجزائريين طيلة فترة الاستعمار فقال إن فرنسا قد طوت تلك الصفحة عندما تحدث ساركوزي عن الموضوع بأقوى الكلمات أثناء زيارته الجزائر سنة 2007، فجرائم فرنسا تمحى بكلمات لم تتضمن لا اعترافا ولا اعتذارا. الأكراد لا وزن لهم في فرنسا، هم لا يمثلون أصواتا، ولا يشاركون الغرب في دينه أو قيمه، ومن هنا يجوز تقديمهم قربانا للحفاظ على علاقة مستقرة مع تركيا الغاضبة من استبعادها من الاتحاد الأوروبي، أما الأرمن فيمثلون نصف مليون من الأصوات المؤثرة في الانتخابات، وكسب ودهم قد يرجح الكفة حين يأتي يوم الحصاد، لكن المحير حقا هو أن الفرنسيين من أصول جزائرية يمثلون أصواتا أكثر من الأرمن، ويفترض أن يكونوا أكثر تأثيرا، لكن لا أحد يقيم لهم وزنا، بل إن اليمين يسابق اليمين المتطرف في الإساءة إلى المهاجرين، وفي اقتراح سياسات للتضييق عليهم. هناك من يفاخر بزيارات المترشحين للانتخابات الفرنسية إلى الجزائر في مثل هذه الأوقات، لكن قلة هم الذين يطرحون السؤال عن السبب الذي جعلنا عديمي التأثير في السياسة الفرنسية رغم أعداد هائلة من المهاجرين، فهل نحن فعلا كغثاء السيل ؟.