نصف قرن مر على جريمة السابع عشر أكتوبر 1961 ولا يزال تمجيد الاستعمار ورقة انتخابية رابحة في فرنسا، الذي جرى في ذلك اليوم لم يكن قمعا عنيفا لمظاهرة سلمية، ولا استعمالا مفرطا للقوة من قبل الشرطة الفرنسية، بل كان بكل بساطة جريمة عنصرية ضد الجزائريين، كانت النية مبيتة لإبادة كل من تشتم فيه رائحة الانتماء إلى الثورة أو التعاطف معها، ونفذت الجريمة ولم تحاسب دولة الديمقراطية وحقوق الإنسان أحدا نصف قرن مر على جريمة السابع عشر أكتوبر 1961 ولا يزال تمجيد الاستعمار ورقة انتخابية رابحة في فرنسا، الذي جرى في ذلك اليوم لم يكن قمعا عنيفا لمظاهرة سلمية، ولا استعمالا مفرطا للقوة من قبل الشرطة الفرنسية، بل كان بكل بساطة جريمة عنصرية ضد الجزائريين، كانت النية مبيتة لإبادة كل من تشتم فيه رائحة الانتماء إلى الثورة أو التعاطف معها، ونفذت الجريمة ولم تحاسب دولة الديمقراطية وحقوق الإنسان أحدا. جريمة السابع عشر أكتوبر لها أبعاد خاصة، فهي فوق كونها جريمة ضد الإنسانية، تفضح الازدواجية الفرنسية، وتعري فشلنا أيضا، فبعد عقود من الجريمة جيء بالمجرم المقبور موريس بابون إلى ساحات القضاء، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة وهو في أرذل العمر، واحتل مكانه ضمن المجرمين وهو الذي ظل يقدم على أنه من المواطنين الصالحين الذين أفنوا أعمارهم في خدمة فرنسا، ولم يكن ضمن التهم الموجهة لبابون جرائم السابع عشر أكتوبر، كان الذين حاكموه هم اليهود بتهمة العمالة للنازية، والتورط في ترحيل اليهود الفرنسيين إلى معتقلات النازيين في بولونيا، وبعد أن أصبح بابون مجرما بقوة اليهود أولا، وبتصديق العدالة الفرنسية ثانيا، صار أفضل مرشح لتحمل وزر جريمة أكتوبر التي لم تكن جريمة بابون ولا حتى جريمة الشرطة الفرنسية بل كانت جريمة الدولة الفرنسية. لا تزال فرنسا بعد نصف قرن تكيل بمكيالين، فالمواطنة هناك درجات، والدماء أنواع ومراتب، ولا يزال الاعتراف بالجرائم الاستعمارية كبيرة لا تغتفر تحق اللعنة السياسية على من يقع فيها أو تحدثه نفسه باجتراحها، وفي الوقت الذي يجري فيها تمجيد الاستعمار وجرائمه يواصل فريق آخر البحث والتنقيب في أرشيف الحرب العالمية الثانية لعله يجد آثارا لعميل هناك أو هناك يمكن إدخاله السجن ولو في اللحظة الأخيرة من حياته، ولا نزال نحن نتعامل مع تاريخنا ببلاهة منقطعة النظير، نجعل من مآسينا وتضحيات آبائنا وأجدادنا فلكلورا مضحكا يعرض في مناسبات أفرغت من معاني الانتماء للوطن والولاء للشهداء، ولا نزال، وربما سنبقى لوقت طويل، نهدر كل أوراقنا الرابحة التي يمكن أن تجعلنا نرد شيئا يسيرا من جميل الشهداء الذي لن يوف بأي حال من الأحوال.