يشرع المجلس الشعبي الوطني، ابتداء من اليوم في مناقشة الرزمة الثانية من مشاريع القوانين المدرجة في خانة الإصلاحات السياسية، ويتعلق الأمر بمشروع قانون الأحزاب، الجمعيات، والإعلام، وسط جدل سياسي حاد بين المعارضة التي تتهم الأغلبية النيابية »بالسطو« على الإصلاحات وحديثها عن قراءة ثانية من قبل الرئيس، في حين ترى الأغلبية أن المعارضة ليست لها بدائل واضحة. مع اقتراب مشاريع قوانين الإصلاحات السياسية من بلوغ مرحلتها النهائية، اشتدت حدة الصراع السياسي بين أحزاب المعارضة صاحبة الأقلية في البرلمان وبين أحزاب السلطة صاحبة الأغلبية حول مضمون الإصلاحات وماهيتها، إذ ترى الأقلية أن إصلاحات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تعرضت إلى عملية»سطو« من قبل نواب حزب جبهة التحرير الوطني ونواب التجمع الوطني الديمقراطي، باعتبارهما يملكان الأغلبية المريحة لإدخال تعديلاتهما أو إسقاط مقترحات المعارضة، مما جعل الإصلاحات تكتسي صبغة حزبية حسب مزاعم المعارضة. وفي هذا الإطار خرجت زعيمة حزب العمال لويزة حنون بتصريح أثار استغراب المتتبعين بالنظر بكونه اقتباس لحديث مفترض بينها وبين رئيس الجمهورية الذي يكون قد وعدها بقراءة ثانية لمشاريع القوانين حسب مزاعمها، وهو ما يدفع إلى التساؤل حول الكيفية أو بالأحرى الآلية التي ستتم بها هذه القراءة إذا ما صدقنا تصريح لويزة حنون؟. بالنسبة لبعض نواب حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، فان الحديث عن قراءة ثانية ما هو إلا محاولة للضغط وخلط الأوراق السياسية في مرحلة ما قبل الانتخابات، ذلك لان مشاريع القوانين التي نوقشت على مستوى البرلمان لم تشهد تعديلات جوهرية تمس بروحها، وإنما خضعت إلى بعض التنقيح في أمور تقنية أكثر منها سياسية، مثلما هو الحال بالنسبة لمشروع قانون توسيع تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة، وفي هذا الموضوع فان حزب العمال على سيبل المثال وأحزاب المعارضة، ترفض أصلا مبدأ الكوطة التي أقرتها الحكومة وليس البرلمان، فحزب العمال أعلن صراحة أن إجراء الكوطة غير دستوري كونه يخل بمبدأ المساواة التي ينص عليها الدستور بين الجنسين، وحتى حركة ابوجرة سلطاني التي ركبت الموجة تنادي بالمساواة بين الجنسين وترفض مبدأ الكوطة التي اقرها مجلس الوزراء، أما بالنسبة لإشراف القضاء على الانتخابات، فالتعديلات التي أدخلت على مشروع قانون الانتخابات تقر بذلك وتحد من صلاحيات الولاة والإدارة حسب ما ترافع له الحكومة حزبي الأغلبية، مما يجعل مخاوف المعارضة غير مبررة حسب الآفلان والارندي، في حين تبقى النقطة الوحيدة التي يختلف فيها حزب العمال مع الارندي والآفلان هي مسالة »حظر التجوال السياسي« التي تمسكت بها لويزة حنون كقشة نجاة من طوفان سياسي قادم وقد يطيل حزبها أمام المتغيرات التي ستفرزها عملية فتح المجال السياسي. أما من حيث المبدأ، فحزب العمال يدعو وبرافع منذ زمن طويل إلى ضرورة الذهاب إلى مجلس تأسيسي لإعادة بناء مؤسسات الدولة برمتها، وهو ما يعني العملية السياسية بكاملها تبقى ناقصة مالم يتم الاستجابة لهذا الشرط الذي لم يعيره رئيس الجمهورية في إصلاحاته أي اهتمام، كما انه لم يستحب لمطلب حل البرلمان الذي اقترحه لويزة حنون أيضا، فماذا تعني قراءة ثانية لمشاريع القوانين؟. الظاهر أن الجدل المحتدم بين الأقلية النيابية والأغلبية، يتجاوز التعديلات التي أدخلت على مشاريع القوانين الي نظرة كل طرف للإصلاحات ومضمونها والجهة التي تشرف على تجسيدها، وفي هذا المستوى تبدو المسالة ذات طابع مبدئي بإبعاده المرجعية. بقي أن نشير إلى أن الشروع اليوم في مناقشة مشروع قانون الأحزاب، من شانه أن يبدد كل المخاوف التي انتابت الأحزاب الجديدة قيد التأسيس، حيث يتوقع أن بكون مشروع القانون جاهز للتطبيق نهاية العام الجاري مما يمكن الأحزاب قيد التأسيس من المشاركة في الانتخابات المقبلة بعد تسوية وضعيتها القانونية والتنظيمية، وهو ما سيترتب عنه تغيرات محتملة على الخارطة السياسية التقليدية.