س. عبد الله من الطبيعي جدا أن تحظى مشاريع قوانين الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية الربيع الماضي، ومن البديهي أن يحتدم النقاش حول ذات المشاريع التشريعية على أكثر من مستوى وبين مختلف الفعاليات السياسية والمدنية والمجتمعية، لكونها سترسم معالم مستقبل الجزائر وتوجهاتها في المرحلة القادمة، وإذا كانت الدفعة الأولى من مشاريع القوانين الإصلاحية التي عرضت على البرلمان لمناقشتها وإثرائها من قبل النواب قد أثارت الكثير من الجدل وأسالت الكثير من الحبر على الصعيدين السياسي والإعلامي، فإن مشروعي قانوني الانتخابات ومشاركة المرأة في الحياة السياسية، أخذ حصة الأسد من حيز هذا الجدل، سواء داخل أروقة وجلسات البرلمان أو من خارج هذه الهيئة التشريعية، ولاسيما بين الحكومة والأحزاب من جهة أو بين الأحزاب ذاتها، أي بين تلك التي تمثل الأغلبية النيابية »التحالف الرئاسي« وتلك التي تمثل المعارضة. إن هذا الجدل والصراع أخذ أشكالا وصيغا وأساليب متنوعة، تراوح بالأساس بين التأييد المطلق لجملة المشاريع الإصلاحية المطروحة على الدورة الحالية للبرلمان، والمطالبة بإدخال تعديلات جذرية وعميقة على النصوص بدعوى ضرورة البدء بالتعديلات الدستورية قبل الخوض في القوانين العضوية المرتبطة بالإصلاحات السياسية. ولئن شكل قانون الانتخابات وقانون كوطة مشاركة المرأة في المجالس المنتخبة فضاء واسعا للنقاش الحاد الذي شهدته جلسات الغرفة السفلى للبرلمان، وللتصريحات المكثفة على صفحات الجرائد، كون هذين القانونين من شأنهما تحديد الرؤية بالنسبة للعملية الانتخابية عامة، وضبط الوعاء الانتخابي لكل فصيل سياسي كبير أو صغير، قديم أو جديد على حد سواء. إن الأهمية التي يكتسيها هذين القانونين - اللذين أقرهما النواب في المجلس الشعبي الوطني بالأغلبية التي ضمنها حزبا الأفلان والأرندي رغم رفض تصويت شريكهما في التحالف الرئاسي حمس - تكمن في المواعيد السياسية والاستحقاقات الانتخابية القادمة التي سيكون لها دورها في توضيح الخارطة السياسية في الجزائر ، وكذا في تبيان نوعية النظام السياسي الذي قد يتمخض عن التعديلات الدستورية التي يتولى البرلمان المقبل القيام بها كمهمة أساسية ومرحلة جوهرية في الإصلاحات الجارية. وإذا كانت الحزمة الأولى من مشاريع القوانين الإصلاحية قد أضفت نوعا من الحركية وأحدثت شيئا من الديناميكية على الحياة السياسية الوطنية، وأزاحت الغبار عن الجمود والركود الحزبي الذي ساد المرحلة الماضية، فإنه من المتوقع أن تأخذ تلك الحيوية وتلك الديناميكية منحى تصاعديا في الأيام الآتية، بالنظر إلى طبيعة ونوعية المشاريع المطروحة على طاولة البرلمان بغرفتيه، والتي تمثل الحزمة الثانية من الإصلاحات والمتعلقة بالأساس بقوانين الأحزاب والجمعيات والإعلام وهي النصوص التي لا تقل أهمية عن سابقاتها، لكونها ببساطة تشكل حجر الزاوية في إنجاح الاستحقاقات الانتخابية المنتظرة، وفي تمكين بروز تشكيلات حزبية جديدة قد تثري الحياة السياسية في البلاد. وفي السماح والتمكين أيضا من إطلاق الحريات العمومية، الجماعية والفردية، لاسيما حرية التعبير وحرية الصحافة من خلال فتح المجال السمعي - البصري الذي ظل مغلقا إلى غاية الإعلان عن الإصلاحات السياسية الأخيرة. إن أي نقاش أو أي جدل أو صراع قد أثارته أو تثيره جملة القوانين الإصلاحية، تحركه في الواقع تلك الصورة التي يشكلها كل من المؤيدين المساندين والمعارضين الرافضين للإصلاحات السياسية، من جزائر المستقبل، أي ما بعد الانتخابات التشريعية المقبلة التي من شأنها توضيح الرؤية أكثر عن طبيعة ونوعية نظام الحكم الذي يتولى قيادة البلاد مستقبلا، من ذلك أن اللعبة السياسية الراهنة تتجلى في من يحوز على الأغلبية البرلمانية في الربيع القادم، حيث من خلالها يمكن تلمس الاتجاه الذي ستأخذه التعديلات الدستورية المرتقبة، أي وجهة سيأخذها نظام الحكم المرتقب، هل هو رئاسي أو شبه رئاسي أو هو برلماني؟ مهما يكن من أمر في هذا السياق فإن النقاش المطلوب والمحبذ في هذه الفترة الزمنية هو ذلك الذي يتجاوز المصالح الأنانية الآنية الحزبية أو الفئوية الضيقة، ويرقى بالحوار إلى مستوى طموحات وآمال الأغلبية الساحقة من الشعب الجزائري، الذي لا يقبل ولا يرضى أن تصادر أو تهضم حقوقه المشروعة في ممارسة الحرية والديمقراطية والعدالة والتطور الاقتصادي والرفاه الاجتماعي من أي جهة كانت تحت أي ذريعة أو شعار كان. إن غاية كل إصلاح في النهاية هو أن يكون في الصالح العام، إصلاح في صالح الجزائر، يجنبها كل المخاطر المحدقة بها، ويفتح أمام الشعب آفاقا أرحب تسمح له بالتعبير الحقيقي عن طاقاته الإبداعية الخلاقة التي يتوفر عليها للحاق بركب الشعوب المتقدمة.