اختار برهان غليون طريق السياسة، ومن سوء حظ الذين قرأوا كتاباته أن يكتشفوا أن هذا الأكاديمي اختار أسوأ الطرق إلى السياسة، طريق يمر عبر الخضوع لقوى الهيمنة الكبرى، لكن هذه ليست مشكلة في حد ذاتها، فالتاريخ سيحكم على الأشخاص ويضعهم في الموقع الذي يستحقونه. لم ينتظر برهان غليون، الذي يرأس المجلس الوطني السوري، سقوط النظام في دمشق وقيام حكومة منتخبة ليتحدث عن الوجهة القادمة لسوريا، فالرجل في عجلة من أمره، وهو يريد أن يقنع أمريكا، من خلال حديثه في وول ستريت جورنال، بأن فرض حظر جوي على سوريا، والتدخل لإسقاط النظام القائم فيها، سيؤدي مباشرة إلى عزل إيران وحزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية، وسيسقط نهائيا خيار المواجهة على الجبهة السورية. هذه خيارات غليون وجماعته، وهي لا تفاجئ أحدا، فمن الواضح أن الهدف من تفكيك سوريا هو إنهاء إعادة ترتيب المنطقة، وهو دليل آخر، لمن يبحث عن أدلة، على أن الثورة المزعومة في سوريا ستأخذ البلد وشعبه، إن بقي البلد وشعبه، إلى أحضان أمريكا وإسرائيل، لكن الأهم من هذا هو أن هذه الجماعة لا تنتظر رأي الشعب السوري الذي تدعي تمثيله، فهي التي تقرر أي سياسة ستتبناها البلاد مستقبلا، وأي دور ستلعبه في المنطقة، ومن الواضح أن الهدف هو إنهاء خيار المقاومة أساسا. ثوار القرن الحادي والعشرين الذين تمولهم براميل النفط الخليجية، ويسوقهم الإعلام الغربي والعربي، لا يؤمنون بالمقاومة كفكر أو كممارسة، وهم لا يؤمنون أيضا بسيادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها، لا يريدون لهذه الشعوب أن تنتصر في ثورات سلمية فيدفعونها إلى أتون الحرب الأهلية، ولا يرضون لها أن تبني دولتها الوطنية المستقلة فيلحون على الأجنبي للتدخل، وفوق هذا كله هم لا يرون هذه الشعوب مؤهلة للتقرير مصيرها فالمطلوب منها أن تتحول إلى وقود للتغيير الذي لا يأخذ إلا وجهة واحدة، وجهة ترضاها أمريكا وإسرائيل التي يتعهد غليون بأنه لن يحاربها أبدا.