كشف أول أمس من يُسمّى رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة "الفيس"، عباسي مدني، من خلال بيان أصدره أعلن فيه إعتراف جبهته المنحلة، بالمجلس الوطني السوري، الذي يرأسه العلماني برهان الدين غليون، قلنا، كشف عن حقيقة هذا الرجل، الذي لا هو يدافع عن تطبيق الشريعة الإسلامية ولا هم يحزنون، فالرجل الذي وصل من العمر عتيّا، وتجاوز 80 سنة، لا يزال يتحرك في سياق النهج الذي رُسم له من طرف المخابر الإستخباراتية، عندما كان يُحضر شهادة الدكتوراه بلندن، ولا يزال وفيا لهذا النهج، إلى يومنا هذا في إقامته الفاخرة جدا بالدوحة، التي منحته وأولاده وأحفاده الجنسية القطرية، بالإضافة إلى عطايا مالية تتجاوز 14 ألف دولار شهريا، ناهيك عمّا يتقاضاه أثناء تأدية أي دور أو مهمة جديدة، فالشيخ عباسي مدني وبمجرد التحاقه بالدوحة كزائر قبل أن تتحول الزيارة إلى إقامة دائمة، خُصص له ولأفراد عائلته في البداية، جناح بفندق الشيراطون، كلفة الليلة الواحدة به وبدون أكل أو خدمات تصل إلى 2500 دولار، قبل أن ينتقل إلى الإقامة الفاخرة الشبيهة بالقصر . هذه البحبوحة المالية الكبيرة التي لفّت بها السلطات القطرية زعيم "الفيس"، أنسته كتاب الله، بل وأرغمته على نسيان أحقاده الإيديولوجية والعقائدية تجاه العلمانيين واللائكيين والملحدين، فكان من السباقين الذين بايعوا المجلس الإنتقالي الليبي، الذي يضم خليطا من الإسلاميين المتشددين الموالين للقاعدة، والإسلاميين المعتدلين، واللائكيين ومابين هؤلاء، وأول أمس وكعادته، راح يتحدّث باسم جبهته المنحلة، ويعلن اعترافها بمجلس برهان غليون، الذي لا يُجادل أحد في أنه علماني من الطراز العالي، وله سوابق في سبّ الرسول صلى الله عليه وسلّم لمّا كان معلما بسوريا، ولفهم مقاصد عباسي مدني الذي كان من أبرز مهندسي المأساة التي عصفت بالجزائريين لعشرية كاملة، ولا تزال تداعياتها متواصلة، جرّاء تعنّته واستكباره ومعارضته لأي تحالف بين الإسلاميين والوطنيين، سنسوق مقطعا من بيانه، يقول فيه ما يلي: "وإدانة لممارسات النظام الدموية الذي أوغل في قتل شعبه والتنكيل بأبناء سورية الأشراف أحفاد الصحابة رضوان الله عليهم، فإنها: أولا: تعلن رسميا اعترافها بالمجلس الوطني الانتقالي السوري ممثلا شرعيا للشعب السوري. ثانيا: تطالب المجتمع الدولي بالاعتراف الفوري بشرعية المجلس. ثالثا: تدعو إلى الإسراع بوقف حمام الدم، ووضع آلية استعجالية لحماية المدنيين العزل من آلة القتل الجهنمية التي يسلطها نظام الأسد على شعبه.. رابعا: تدعو الجامعة العربية إلى الانتقال الفوري إلى تطبيق قراراتها وتنفيذ التزاماتها تجاه الشعب السوري لوقف الاعتداء الجبان الذي يمارسه عليه نظام آل الأسد وزبانيتهم. خامسا: تجدد دعم الشعب الجزائري اللامحدود لنضال شقيقه السوري، ومساندته له في محنته على نقيض الموقف المخزي للسلطة الجزائرية."، فقراءة متأنية للنقاط الخمسة، تُظهر وكأن المتحدث، قد نسخ حرفيا، البيان الذي حرّرته قطر باسم العرب، لفسح المجال أمام تدخل عسكري أجنبي ضدّ الشعب السوري الشقيق، فعباسي يدعو لوضع آلية لما أسماه حماية المدنيين، دونما الخوض في تفاصيلها، ومن ينفّذها، ما يعني أنه، وهذا مؤكد، يدعو لتدخل حلف الناتو في سوريا، أي أن عباسي يستعين بالكافر لمحاربة المسلمين، وهو الذي فتح خلال الغزو الأول للعراق، مكاتب لتجنيد المجاهدين لنصرة العراقيين في الحرب التي شنتها عليه أمريكا وحلفائها، ونتذكر هنا المسيرة التي قادها عباسي مدني إلى قصر المرادية، وإلى جنبه الشيخ علي بنحاج الذي كان يرتدي الزي العسكري، والذي سلّم رسالة بهذا الشأن إلى العربي بلخير، عندما كان مديرا لديوان الرئاسة في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، علما هنا أن غزو العراق شاركت فيه العديد من الدول العربية، وكان من ضمنها آنذاك سوريا، بحجة الدفاع عن دولة الكويت العربية، أي أن عباسي وقف آنذاك ضد السعودية وقطر والكويت والإمارات ومصر والمغرب وسوريا وغيرها من الدول العربية التي شاركت بجيوشها في معركة تحرير الكويت، البلد العربي والإسلامي، فما الذي تغيّر اليوم في الحالة السورية؟ فهناك حق أزمة داخلية في سوريا، ولا أحد يُجادل في ذلك، لكنها أزمة من الممكن جدا أن تجد حلّها عبر الحوار، وعبر الوساطات العربية، لتفادي تكرار السيناريو الليبي، الذي قدّم ليبيا على طبق من ذهب لأمريكا والغرب وحتى إسرائيل، وكلّفها دفع ضريبة دم جدّ مرتفعة تجاوزت 50 ألف قتيل لحدّ الآن، وخلص التدخل إلى خلط الأوراق أكثر من ذي قبل، وجعل ليبيا اليوم في مواجهة حرب أهلية لن يكون حلّها قريبا على الإطلاق، ونعود إلى البيان مرّة أخرى، لنرى كيف أن عباسي مدني يتحدث باسم الشعب الجزائري قاطبة، والسؤال هنا هو من وكّله للحديث باسم الشعب؟ ومن أعطاه الحق في وصف مواقف الدولة الجزائرية على أنها "مخزية"؟ فالظاهر أن عباسي مدني لم يسمع هتافات الشباب الجزائري في ملعب البليدة خلال لقاء المنتحب الوطني الجزائري بنظيره التونسي، حين حيّا روح القائد معمر القذافي، الذي صفّته واغتالته القوى الصليبية وحلفائها من "ثوار" الناتو، فالجزائريون، وليعلم ذلك عباسي مدني "القطري"، لا يساومون البتة على قضايا الأمة العربية والإسلامية، ولا يُشرّفهم أن يتحدّث باسمهم من تاجر بمأساة الجزائريين وهو اليوم يتنعمّ في القصور القطرية، ومساعده الأول يبيع القصبر والنعناع في باب الواد بالجزائر العاصمة، فالجزائريون وكعادتهم، لا يقبلون بالظلم أولا، ويعرفون أكثر من غيرهم ما يمكن أن يصيب الشعوب العربية والإسلامية من دمار وتخريب في حال تدخل الأجنبي في شؤونها، ولا نعتقد اليوم، أن شطحات عباسي مدني أو غيره من الإسلاميين المتحالفين مع الصليبيين والصهاينة، ستنجح في تركيع الشعب السوري المُقاوم، والداعم لكل حركات المقاومة بوجه الصهاينة، لكنّنا نجزم بقوّة، أن التاريخ بدأ يكشف ما وراء القناع، وأن بعض الحركات التي لبست رداء الإسلام في وقت مضى، هي من تُحارب شعوبه اليوم، وتتحالف مع القوى المعادية للإسلام خدمة للصهاينة لا غير، ولا نستبعد هنا ما دام أن عباسي مدني قد غيّر جنسيته، أن يكون قد غيّر ملّته ودينه، ولله في خلقه شؤون.