تنعقد الدورة الخامسة العادية للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني في ظرف غير عادي لا يخلو من الحساسية والأهمية، ظرف يخرج فيه الحزب العتيد من معركة طاحنة خاضها طيلة الأسابيع الماضية لإنجاح حزمة مشاريع قوانين الإصلاحات التي بادر بها الرئيس بوتفليقة وإثرائها، خاصة في ظل محاولات بعض الأطراف زعزعة علاقة الأفلان بالرئيس من خلال الادعاء أن الحزب العتيد يعرقل إصلاحات الرئيس، كما يحمل الظرف تحديات سياسية وانتخابية مع بداية العد التنازلي للتشريعيات المقبلة. أهم عنوان يلخص الظروف التي تنعقد فيها الدورة العادية الخامسة للجنة المركزية هو نجاح الحزب العتيد في تجاوز المحاولات اليائسة لبعض الأطراف السياسية استغلال حجم وقوة الأفلان للحصول على مكاسب ونجاحات وهمية من خلال تصوير حزب الأغلبية على أنه يعارض مشروع الإصلاحات السياسية التي أطلقها الرئيس ، ووصل الأمر بالبعض إلى درجة مطالبة الرئيس للتدخل لحماية الإصلاحات ، لكن الذي حدث هو العكس تماما، فقد واصل الأفلان مسيرته في دعم وإثراء مشاريع قوانين الإصلاحات بالشكل الذي يخدم المصلحة العليا للبلاد بعيدا عن المصلحة الحزبية الضيقة، من دون الالتفات للأصوات الناعقة المتباكية. ورغم أن الكلفة السياسية كانت تبدو كبيرة ، إلا أن الحزب العتيد كان يراهن على الخبرة السياسية للرئيس بوتفليقة الذي اختار نواب الشعب لإثراء قوانين الإصلاحات السياسية بدلا من اللجوء إلى التشريع بالأوامر الرئاسية وهو ما يعكس بوضوح ثقته في المؤسسة التشريعية، كما راهن الأفلان في إصراره على إثراء مشاريع القوانين وتعديلها على وعي ونضج الجزائريين الذين لم تعد تنطلي عليهم دموع التماسيح التي لا تفوت بعض القوى السياسية الفرصة دون ذرفها استجداء لبعض الأصوات الانتخابية عشية كل استحقاق سياسي. ومنتظر أن تكون دورة اللجنة المركزية سانحة مهمة لتدارس وتقييم أداء الأفلان وكيفية إدارته للأزمة التي حاول البعض أن يوقعه فيها حتى يتمكن من التعاطي مع المستجدات والمفاجآت التي قد تظهر بحنكة سياسية. وربما تكون أكثر الدورات أهمية سواء بالنسبة للأفلان أو لمسيرة الإصلاحات السياسية في الجزائر بشكل عام، على اعتبار أن الحزب العتيد يمثل حجر الزاوية في هذه المسيرة ، فهو حزب الأغلبية في البرلمان وهو الحزب الذي تقدم بأكثر التعديلات والاقتراحات تأثيرا وجدية. ولا جدال في أن بصمة الأفلان كانت واضحة في كل مشاريع القوانين التي تمت المصادقة عليها لحد الآن أو تلك التي لازالت في طور الإثراء والنقاش، كما أن حضور الحزب العتيد في مشوار مسيرة الإصلاحات التي قطعت شوطا مهما لحد الآن كان واضحا منذ البداية وربما حتى قبل أن يعلن الرئيس بوتفليقة بشكل رسمي إطلاق مشروع الإصلاحات السياسية في منتصف أفريل الماضي , فقد كان الأفلان من بين أوائل التشكيلات السياسية التي دعت إلى ضرورة القيام بمراجعة الوضع بعد تجاوز الجزائر لمخلفات أزمة التسعينات أو ما يعرف بالعشرية السوداء بعيدا عن أي تأثر أو ربط للأوضاع بما تشهده بعض البلدان العربية، على اعتبار أن الأوضاع في الجزائر مختلفة تماما عن بقية هذه البلدان. ملف آخر سيكون على طاولة اللجنة المركزية للأفلان وهو موضوع الاستحقاقات الانتخابية القادمة ، على اعتبار أن الانتخابات التشريعية والمحلية لم يعد يفصلنا عليها سوى أشهر معدودات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة والحزب العتيد بوصفة صاحب الأغلبية في المجلس الشعبي الوطني والمجالس المحلية مطالب بتعزيز وتأكيد هذا التفوق والصدارة في الانتخابات القادمة، من خلال قراءة متبصرة وعميقة للتحولات التي تشهدها الساحة السياسية في الجزائر على ضوء الحيوية والديناميكية التي أفرزها مشروع الإصلاحات وأيضا لطبيعة التحولات التي تشهدها الخارطة الحزبية، حيث من المنتظر أن تشهد الجزائر ظهور أحزاب جديدة وتراجع أخرى بقراءة مزاج وأولويات الناخب الجزائري في هذه الفترة الذي قطعا قد شهد تغيرا وتحولا مهما على ضوء جملة من المعطيات الاقتصادية والاجتماعية خاصة في ظل صدى الأحداث التي تهز العديد من مناطق العالم العربي وحتى بعض البلدان الأوربية، خاصة منطقة اليورو التي تشهد أزمة اقتصادية.